سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الذين شبهوا عودة البرادعي بعودة الخوميني إلي إيران لإسقاط النظام .. صحيح كلاهما عاد في فبراير ولكنها صدفة أعتقد أن البرادعي لم يقصدها وائل الإبراشي يكتب:
· أنا علي يقين من أن البرادعي الذي يعيش في الخارج يعرف الشعب المصري أكثر من كل الوزراء والمسئولين المصريين مجتمعين ما من شك في أن المصريين يحلمون ببطل يفرغون فيه شحنات عواطفهم المكبوتة ويودعون أحلامهم وآمالهم وديعة لديه.. ما من شك في أن الناس يبحثون عن طوق إنقاذ ينقذهم من الأزمات المعيشية والاجتماعية الطاحنة وينتشلهم من القاع والجوع والفقر والمرض.. لا يوجد أدني شك في أن الشعب المصري يبحث عن منقذ أو مخلص يخلصهم من الديكتاتورية والفساد والقمع.. ما من شك في أن المواطنين ينتظرون فارسا يقودهم إلي المستقبل بعد أن تجمدت مصر وأصبح الجمود سمة بلد لا يستطيع أن يعيش إلا في ظل حيوية وفوران وحراك وحركة إلي الأمام، فإذا به يتحرك إلي الخلف انطلاقا من الجمود المميت والسكون الموحش. وكان السؤال الذي يشغلنا هو : هل يبخل علينا التاريخ بالفرسان والأبطال والمنقذين أم أن الفرسان هم الذين يبخلون علي الشعب المصري ويفضلون الابتعاد والانزواء طلبا للأمان والراحة وخوفا من البطش والانتقام؟!.. ظل السئوال مطروحا حتي جاء الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فهو الوحيد من بين كل الأسماء التي طفت علي السطح خلال السنوات الماضية الذي ينطبق عليه مواصفات فارس المستقبل القادم لأسباب عديدة، أكثرها أهمية أنه الوحيد الذي يحمل مشروعا سياسيا واضحا، سأتحدث عنه بعد قليل بالإضافة إلي أنه شخصية لها ثقل سياسي وعلمي وتحظي بالاحترامين معا: الداخلي والخارجي.. شخصية ثقيلة بالتعبير الشعبي، ونظيفة بحيث يعجز الخصوم عن تشويهها ويفشل المتآمرون في التنقيب عن أخطاء الماضي المتعلقة بها، وأعتقد أن هذا هو أكثر ما يميز البرادعي عن كل الأسماء المطروحة، ممن كان في ماضيهم بعض العثرات والأخطاء وفي ملفاتهم بعض الفضائح والانحرافات مما مكن السلطة والأجهزة الأمنية من اغتيالهم أدبيا ومعنويا.. نعم أهم ما يميز البرادعي أنه رجل ضد الرصاص.. رصاص الفضائح والاغتيال الأدبي، وحينما أرادت السلطة أن تمارس هذه اللعبة معه، فشلت وانفضحت، حيث لجأت إلي المعلومات الملفقة الكاذبة مثل الادعاء بأن البرادعي يحمل جنسية أجنبية أخري وفي النهاية لم يجدوا شيئا علي البرادعي سوي أنه يعيش في الخارج، وبالتالي لا يعرف شيئا عن المجتمع المصري ومشاكله، والرد علي ذلك الادعاء سهل وبسيط، وهو أن المسئولين والوزراء الذين يعيشون في مصر لا يعرفون شيئا عن الشعب المصري وهمومه وأزماته ومشاكله .. يعيشون في أبراج عاجية .. منفصلون تماما عن الناس.. يتحدثون عن شعب آخر.. أنا علي يقين من أن البرادعي الذي يعيش في الخارج يعرف الشعب المصري أكثر من كل الوزراء والمسئولين المصريين مجتمعين. كل الأسماء التي كانت مطروحة للسباق علي رئاسة الجمهورية تحولت إلي كومبارس مع الاعتذار لهم جيمعا» بعد ظهور البرادعي، فهو الأكثر ثقلا والأعلي قيمة والأقل استهدافا من حيث الأخطاء. تميز البرادعي أيضا بالوضوح والشجاعة والاقتحام.. ابتعد عن اللف والدوران، مثلما فعل عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية، وقرر منذ البداية الجمع بين العالم والسياسي، ولم يكتف بدور العالم مثل الدكتور أحمد زويل الذي فضل الابتعاد عن متاعب السياسة وتهديدات السلطة.. البرادعي كان الأشد وضوحا والأكثر شجاعة.. طرح نفسه باعتباره رجل المستقبل ولم يسرف في الحديث عن الماضي.. قدم نفسه فارسا وقائدا لمرحلة مقبلة، ولم يمسك العصا من الوسط مثل الكثيرين.. لم يكتف بالهجوم علي النظام، بل قدم مشروعا سياسيا يتعلق بمستقبل المرحلة القادمة ويتضمن أسس الإصلاح السياسي.. مشروعه يشمل تغيير الدستور وتهيئة الأجواء لانتخابات نقية ونظيفة تحقق الديمقراطية القائمة علي مبدأ تداول السلطة.. ربما أختلف فقط مع البرادعي في إصراره علي تغيير الدستور كشرط لخوض الانتخابات، فأنا مع النضال المرحلي فإذا لم نتمكن من تحقيق حلم تغيير الدستور. فلنضغط من أجل إعادة تعديل المادة «76» المتعلقة بشروط الترشح لانتخابات الرئاسة، وهي مادة مفصلة تفصيلا، بحيث لا يمكن أن ينجح أو يخوض الانتخابات بنجاح إلا مرشح الحزب الوطني فقط وتجعل من المستحيل لأي شخصية مستقلة محترمة أن تخوض الانتخابات حيث يستحيل حصولها علي تزكية 265صوتا من أعضاء المجالس النيابية والمحلية بالاضافة إلي أن الاحزاب تعقد صفقات السلطة ولا تقدم مرشحين أقوياء. إذا نجحنا في إجبار النظام علي إعادة تعديل المادة «76» بحيث تسمح للشخصيات المستقلة خوض الانتخابات دون شروط مستحيلة، فهذا تطور في النضال المرحلي للوصول إلي الديمقراطية الشاملة القائمة علي مبدأ تداول السلطة. لهذه الأسباب نعقد الآمال علي البرادعي ونراه رجل المرحلة القادمة، إلا أننا نحذر من الإسراف في تضخيمه أو إحاطته بهالة من الأساطير.. البرادعي رجل واقعي وليس صانع معجزات.. يملك مشروعا سياسيا ولا يملك عصا موسي لحل كل مشاكل المصريين. من الخطأ أن نحيطه بالأساطير، لذلك أنا مندهش أن البعض تعامل مع عودته إلي مصر علي اعتبار أنها تشبه عودة الخوميني إلي إيران في الأول من فبراير عام1979 وهي العودة التي عجلت بسقوط نظام شاه إيران المدعوم من الولاياتالمتحدة بعد عشرة أيام فقط، وتحديدا في 11فبراير عام1979 . صحيح كلاهما «البرادعي والخوميني» عاد في نفس الشهر «فبراير» إلا أنني واثق أنها صدفة لا يقصدها البرادعي ولم يخطط لها - ثم إن الخوميني عاد إلي إيران بعد أن قاد من منفاه في فرنسا ثورة شعبية، أما البرادعي فما زال نضاله محصورا في النخبة والمثقفين ولم يحقق شعبية، كافية في الشارع بعد، وهذه هي معركته القادمة أن ينتقل من دائرة تأييد النخبة والمثقفين إلي الدوائر الشعبية. فلنتعامل مع البرادعي علي أنه رجل الواقع والمستقبل وليس صانع معجزات وأساطير.