· كلما ارتفعت أسهم المتسلقين ولمع نجم الانتهازيين وطفا علي السطح كل السطحيين.. تذكرنا مجدي مهنا الذي علمنا العمق في زمن التافهين والبحث عن الحقيقة في زمن المزيفين لا ننتظر ذكري وفاته التي تحل يوم الاثنين القادم لكي نتذكره فهو يحيا بين ضلوعنا ويسبح في عقولنا ويستقر في قلوبنا ونراه في حبر أقلامنا وعلي مكاتبنا وأوراقنا.. لا أقول ذلك علي سبيل الرثاء التقليدي أو العزاء الشكلي لأنني أتعلم منه كل يوم.. لا يفارقني وجهه الذي يشع نقاء ولا صوته الذي يمطر حكمة ولا كلماته التي تفتح أبوابا للمحتاجين وتغلق أبوابا في وجه الفاسدين وتعد دستورا للإصلاحيين. لا ننتظر ذكري الوفاة لكي نتذكره، فكلما ازداد الفساد وتوحش تذكرناه لأنه رمز النقاء. وكلما انتشرت الفضائح التي تزكم الأنوف وتسقط الفاسدين تحسرنا عليه فهو رمز الطهارة. وكلما جمحت الأقلام وانحرفت الصحف وتحطمت القيم المهنية والأخلاقية شعرنا بالحنين إليه فهو ضمير المهنة الذي علمنا أن الصحافة هي ضمير الأمة.. وكلما ارتفعت أسهم المتسلقين ولمع نجم الانتهازيين وطفا علي السطح كل السطحيين، تذكرنا مجدي مهنا الذي علمنا العمق في زمن التافهين والبحث عن الحقيقة في زمن المزيفين. مقالاته عن الاستبداد السياسي والقمع الأمني والقهر المعيشي والظلم الاجتماعي مازالت صالحة لنقرأها اليوم وكأنها كتبت منذ لحظات.. حواراته مع السياسيين من كل الأطياف والبقاع وكأنه أجراها الآن علي الهواء مباشرة. لا نحتاج إلي ذكري لنتذكره فكل ما حولنا يذكرنا به وكل ما بداخلنا ينادي عليه.. أحيانا أحوله إلي دواء أو وصفة للمتألمين والفاشلين والعاجزين فأقول لهم : تعلموا من مجدي مهنا.. وأحيانا أحوله إلي كشاف ضوء أعطيه لليائسين والمحبطين والتافهين والتائهين فأقول لهم : سيروا علي درب مجدي مهنا.. وأحيانا أحوله إلي غذاء للجائعين والمقهورين والبائسين وأقول لهم: تغذوا علي أفكار مجدي مهنا. ارجعوا إلي مقالات وحوارات مجدي مهنا فهي دستور الإصلاح السياسي في مصر. الرصاصة الأولي في قضية العبارة الغارقة التي كشفت عن الزواج بين الفساد والسلطة أطلقها مجدي مهنا.. وأهم من كتب عن توريث الحكم واستبداد السلطة هو مجدي مهنا.. وأخطر الكتابات التي فضحت تزوير الانتخابات خرجت من قلم مجدي مهنا. وأهم عمود في الصحافة المصرية كان عمود «في الممنوع» لمجدي مهنا. استخلصوا الدروس حتي من الألم الذي أعياه والتعب الذي نال منه والمرض الذي هزمه فقد كتب أروع مقالاته وهو ينزف من فمه ويخفي دمه في منديل يدسه في جيبه حتي لا نشعر بمرضه.. حتي لا يؤلمنا ولا يعذبنا ولا يرهقنا.. يا أغلي وديعة استردها الله لا نحتاج إلي ذكري وفاتك لنتذكرك.