· الذي يعرف مجدي حسين، يعرف صلابته، ويعرف جموحه الفريد المبادر، ويعرف أنه أقوي من السجن والسجانين نعرف أسماء كتبة خطب رئيس النظام المصري، لكن الله حليم ستار، وقد أرادوا هم أن يفضحوا أنفسهم، وبان ذلك في حماسهم المفرط المريب لترديد عبارة "مصر أولا" المحشورة بخطاب الرئيس في عيد الشرطة. وتعبير "مصر أولا" يثير السخرية، فهو يعبر عن جهل مزاد ومنقح بحقائق الجغرافيا والتاريخ، ويتنكر لتاريخ مصر، والتي كانت تخرج من سباق التاريخ دائما كلما انعزلت داخل حدودها، وأهملت شريان حياتها إلي الجنوب، وميادين أمنها إلي الشرق، وقبل تعريب مصر بزمان وآلاف السنين، كانت مصر تتعرب بدواعي الأمن والبقاء، وقبل عروبة اللسان والتكوين والثقافة، وكانت معاركها الوجودية الكبري تدور إلي الشرق، وعلي مسارح فلسطين وسوريا إلي شرق الموصل، ومن معركة "مجدو "تحتمس إلي معركة" "قادش" رمسيس، وإلي معارك "حطين" صلاح الدين، و "عين جالوت" قطز، ومعارك إبراهيم باشا ساري عسكر عربستان، وإلي معارك جمال عبد الناصر حتي حرب أكتوبر 1973، وأبسط دارس للعلوم العسكرية يعرف هذه الحقائق والبداهات ، ويعرفها الرئيس نفسه بصفته عسكريا سابقا، وهو ما يعكس ببساطة ترادفا- بالتمام والكمال - بين مصرية مصر وعروبة مصر والتزامها الخلقي بقضية الأمة. غير أن الأسوأ من الجهل هو التدليس، فلا يصح وصف سياسة النظام بأنها تعتني بأولوية مصر، والأقرب للدقة - بالوقائع قبل الكلمات - أن سياسة النظام مشفوعة بأولوية أمن إسرائيل، وأنه يجند المقدرة المصرية لحراسة أمن إسرائيل، وهذا هو جوهر المصيبة التي حلت منذ عقد ما يسمي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والخضوع لشروط ومضاعفات المعونة الأمريكية بعدها، فقد جري نزع سلاح غالب سيناء، وبعمق 150 كيلو مترا، ثم جري نزع سيادة القرار في القاهرة، وتحولت مصر من وقتها - وبالتدريج -إلي مستعمرة أمريكية، وإلي احتياطي مضاف للمجهود الحربي الإسرائيلي، وهو ما تساندت الحوادث علي تأكيده، ومن عقد اتفاق الكويز إلي عقد اتفاق تصدير الغاز بالمجان لإسرائيل، فلم تكن من مصلحة مصرية في إضافة تصدير الغاز إلي عار تصدير البترول لإسرائيل، بل كانت المصلحة لنظام انفصل بالكامل عن الشعور الشعبي، وبدا كالرأس المعلقة بلا قواعد اجتماعية ولا سياسية، وفضل الاحتماء بالرعاية الأمريكية، ويدفع الجزية لإسرائيل، وبإقامة رئيسه - غالب الوقت - في شرم الشيخ، وهي ضمن المنطقة منزوعة السلاح بالكامل شرق سيناء، وهي ذات المنطقة التي تضم وجودا أجنبيا عسكريا مراقبا لتنفيذ شروط كامب ديفيد، وهو وجود أمريكي في غالبه، وهذه حقائق يعلمها القاصي والداني، ومنشورة في مطبوعات رسمية، وتكذب زعم النظام بأنه لا يسمح بوجود أجنبي علي أرضنا، وما من تفسير للتناقض الظاهر، إلا أن يكون النظام يعتبر أن الوجود الأمريكي ليس أجنبيا، وأن الأمريكان من أهل البيت، وأن الإسرائيليين الذين يسمح لهم بدخول سيناء بدون تأشيرة، وإلي مدي أسبوعين كاملين، وبدون حد أقصي لعدد المرات، وهؤلاء علي ما يبدو في نظر النظام ليسوا أجانب، بل أبناء العم الذين يجسدون حقيقة "أولوية إسرائيل" في مصر، وقد كان تدبيرا ذا مغزي، أن يقرر النظام إغلاق معبر رفح نهائيا، وفي نفس اليوم الذي استولي فيه جيش إسرائيل علي سفينة "الإخوة" اللبنانية، ومنعها من الذهاب لميناء غزة، والتنكيل بالمطران هيلاريون كابوجي وعشرات من مشايخ الإسلام ورموز السياسة والإعلام، والذين ذهبوا في مبادرة جريئة لكسر حصار غزة الباسلة، والتواقت - إلي حد التطابق - في التصرفين يفضح القصة كلها، ويضاف إلي واقعة ثالثة جرت في نفس اليوم، وهي اعتقال أيمن طه - قيادي حماس - عند معبر رفح، وفي طريق عودته من لقاء اللواء عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، ثم الإفراج عنه بعد تجريده من 12 مليون دولار كان يحملها لنجدة أهل غزة. نعم، إنها الشراكة الكاملة في المجهود الحربي لخنق وقتل الفلسطينيين، ودفعهم إلي الاستسلام لشروط إسرائيل، والكل يعرف الوصف الدقيق لهذه السياسة الملوثة، فالمصلحة الإسرائيلية ظاهرة فيها، ولا مصلحة لمصر من أصله، وليس صحيحا أن أحدا دعا مصر للدخول في حرب الآن مع إسرائيل، بل الصحيح أننا دعونا إلي مقاطعة إسرائيل، فوجود إسرائيل في ذاته خطر علي الوجود المصري، بينما النظام يتعامل مع إسرائيل علي أنها القضاء والقدر، ويلبس مسوح المصريين زورا وبهتانا، فما من نظام أذل مصر وخربها وأهانها كما فعل هذا النظام، ويكفي أن إيران كانت تطلق قمرا صناعيا من صناعة علمائها، وبصاروخ فضائي من إنتاجها، بينما كانت صحف وتليفزيونات النظام مشغولة بفولكلور غاية في التعاسة، وتتحدث عن مصر المحروسة بكلمة الرئيس (!) محنة القضاء قرارات المحكمة الإدارية العليا في قضيتي الغاز والحرس الجامعي في حكم العدم، فالمستشارون - وأولهم المستشار "الصغير"- يعملون منتدبين في وظائف إدارية، ويتقاضون رواتب شهرية فلكية، وهو ما يحتمل أن يجرح نقاء الضمائر، ويتزيد في الحديث عن سيادة الدولة وكأنها السيادة الإلهية، فلا راد عليها ولا معقب قضائي (!). قرارات المحكمة الإدارية العليا - دائرة فحص الطعون - أوقفت تنفيذ حكم وقف تصدير الغاز لإسرائيل، وحكم طرد الحرس الجامعي، وهي من أحكام المستشار الجليل د.محمد أحمد عطية رئيس محاكم القضاء الإداري، وهو مدينة العلم القضائي وبابها، هو الأوفر علما، والأعظم دراية بصحيح القانون، وأحكامه هي عنوان الحقيقة، ومناط اعتبار الناس، وهي وإن كانت أوقفت في التنفيذ وقتيا بحكم مشكو في حقه، فإنها لا تزال قائمة، ولم يجر إلغاؤها، وإلي أن تصدر تقارير المفوضين، وتنظر في دائرة أخري غير دائرة المستشار "الصغير". ونظن أن القضاء المصري في محنة حقيقية، فالسلطة التنفيذية تتغول، وهي تريد أن تحول سلطة القضاء إلي مرفق، وتريد أن تنزل بمكانته إلي وضع مرفق الشرطة، وباستخدام هراوة التفتيش القضائي التابع لوزارة العدل في احتواء وتطويع القضاء العادي، وباستخدام إغراء الانتداب الوظيفي - لمناصب إدارية - لتفكيك حصانة القضاء الإداري، ثم إن تدريب القضاة - الصغار بالذات - يبدو ناقصا أو معدوم الأثر، فالأغلب الساحق من أحكام القضاة تلغيه محكمة النقض، بينما تكون العقوبات قد نفذت، والبيوت خربت، وقد بادرنا بالطعن أمام محكمة النقض علي أحكام محكمة مستأنف جنح العجوزة في قضية رؤساء التحرير الأربعة، والتي قضت بغرامة العشرين ألف جنيه، وفي دعوي يصح أن يرفض نظرها - من الأصل - لانعدام صفة المدعين، وفي الموضوع بدت حيثيات المحكمة مثيرة للأسي العقلي، فقد قالت المحكمة - مثلا - إنني نشرت خبرا كاذبا حين كنت رئيسا لتحرير جريدة "الكرامة"، ولمجرد أنني قلت - في رأي لا خبر - أن جمال مبارك أصبح "الرئيس الفعلي" لمصر، مع أن خريجي المدارس الإبتدائية يعرفون أن تعبير "الرئيس الفعلي" رأي وليس خبرا ولا اسم وظيفة، فما بالك بقضاة أكملوا تعليمهم الجامعي، وينزلون بأحكامهم علي رقاب الناس. ولله في خلقه شئون. شرف مجدي حسين الزميل مجدي حسين - الكاتب المتألق بصوت الأمة - أحيل لمحاكمة عسكرية بتهمة التسلل إلي غزة لنصرة أهلها، وتقرر النطق بالحكم بعد جلسة واحدة لا غير، ودون أن يسمح لهيئة دفاعه من المحامين بإبداء المرافعات، أو الدخول أصلا لمقر انعقاد المحاكمة، وجري احتجازهم خوفا من سريان العدوي القانونية (!) وكنا نتمني أن ينأي الجيش المصري - الذي نقدره ونحترم تاريخه - عن النزاع السياسي، وأن يعترض علي تحويل المدنيين إلي محاكمات عسكرية، وحتي لو كان الأمر بقرار جمهوري، فالتهمة الموجهة لمجدي حسين هي شرف حقيقي، وهي عمل فدائي يشرف حزب العمل الذي يقوده، وحركة كفاية التي هو واحد من أبرز قياداتها ورموزها. والذي يعرف مجدي حسين، يعرف صلابته، ويعرف جموحه الفريد المبادر، ويعرف أنه أقوي من السجن والسجانين. إشارات : · ثلاث سنوات مرت علي رحيل محامي الشعب ونائب الأمة عادل عيد، وما أحوج الأمة الآن إلي شرف ونبل وكفاءة واقتدار ومواهب وشجاعة عادل عيد. · حادث الاعتداء الهمجي علي صحفي "صوت الأمة" عنتر عبد اللطيف، ورفض الشرطة تحرير محضر بالحادث في ساعته، يثبت أن الأمن محفوظ للمجرمين والإهانة مكفولة للصحفيين.(!). · صور النصاب نبيل البوشي مع الرئيس، وشراكة أمين أباظة - وزير الزراعة - للنصاب، تثبت أننا لسنا في دولة بل تحت حكم تشكيل عصابي.