في مصر بلد العجائب.. الفساد أقوي من الرقابة والقضاء والحكومة أحياناً بعد أن أصبح قاعدة وما عداه استثناء.. فرغم الضجة الإعلامية والقضائية التي أثارها رجل الأعمال أشرف العتال باستيراده شحنة قمح روسية فاسدة بلغت 152 ألف طن دخلت البلاد آمنة، ورغم اعتراض الحجر الزراعي المستند إلي احتوائها علي حشرات ضارة وبذور سامة وصلت إلي 51 بذرة في الكيلو الواحد سمحت لجنة التظلمات التابعة لهيئة الرقابة علي الصادرات والواردات بمرورها إلي أمعاء المصريين باعتبار أنها «تلتهم الزلط» بعد غربلتها في الصوامع المحلية. ولولا وصول أنباء إلي مجلس الشعب عن هذه الشحنة لسكنت كسابقيها في أرغفة العيش غير الآدمية والتهمها الفقراء والمطحونون. وظن البعض أو معظم المصريين أن هذه الواقعة ستقضي علي بؤر الفساد فيما يرتبط برغيف العيش علي الأقل «موضوع الأزمة» خاصة بعد تدخل النائب العام واحالة رجل الأعمال إلي النيابة التي أمرت بحبسه 15 يوماً بتهمة الاستيلاء علي أموال هيئة السلع التموينية قبل الافراج عنه بعد سداده 6.9 مليون دولار «قيمة الشحنة» إلي هيئة السلع التموينية. لكن هذا الظن خاب كغيره بعد أن سمحت هيئة الرقابة علي الصادرات والواردات مرة أخري وبعد مرور فترة وجيزة من الضجة بدخول شحنة قمح فرنسية غير مطابقة للمواصفات تقدر بنحو 63 ألف طن، وتجاهلت للمرة الثانية وربما المليون تقرير الحجر الزراعي باحتواء الشحنة علي 44 بذرة وحشائش ضارة في الكيلو الواحد وهو معدل أكبر من المسموح به دولياً والمقدر ب25 بذرة. الشحنة وصلت إلي ميناء سفاجا في 17 سبتمبر الماضي وقررت لجنة التظلمات الافراج عنها وارسالها لمطاحن مصر العليا والوسطي لمعالجتها وغربلتها وبعد تحليل عينات منها مرة أخري جاءت النتيجة مطابقة لنتيجة شحنة العتال. ما يعني تحدي لجنة التظلمات لقرارات النائب العام ومجلس الشعب وعدم اكتراثها بصحة المواطنين بدليل قبولها استمرار التعامل مع شركة «جلينور» الدولية ذات الفروع المتعددة والتي استورد منها أشرف العتال الشحنة الفاسدة سالفة الذكر و«الضجة» وهي بالمناسبة الشركة التي رست عليها عدة مناقصات لتوريد زيوت وأقماح لصالح هيئة السلع التموينية. عباس عبدالعزيز النائب الإخواني عن دائرة الأربعين بالسويس تقدم بسؤال برلماني لكل من رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة ود. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء ود. حاتم الجبلي وزير الصحة طالب فيه بالكشف عن حماة المفسدين والمسئول عن صحة المصريين وتساءل: لماذا تختص سفن القمح الفاسد بميناء سفاجا الواقع علي بعد 600 كيلو متر من القاهرة؟ ولماذا تخطت السفينة القادمة من فرنسا عبر البحر المتوسط موانئ الإسكندرية وبورسعيد لتدفع مليوني جنيه رسوم عبور قناة السويس؟ وأجاب: لاشك أن فساداً موجوداً في الشحنة وميناء سفاجا معاً. وأكد النائب المستقل سعد عبود علي أن دخول شحنة قمح غير مطابقة للمواصفات من نفس ميناء تفريغ الشحنة الأولي فهو أكبر دليل علي تحدي السلطة القضائية متمثلة في النائب العام والسلطة التشريعية متمثلة في مجلس الشعب. وقال النائب الإخواني حمدي حسن إن دخول مثل هذه الشحنة جريمة في حق الشعب المصري ودليل علي فساد الحكومة وهيئاتها. وأضاف أن وزير الزراعة أكد - أكثر من مرة - في مجلس الشعب علي استيراد هيئة السلع التموينية أقماحاً من الدرجة العاشرة ثم تنقيتها، ولما كانت الهيئة تستورد ملايين الأطنان من الأقماح فإن صحة المواطن بلاشك في خطر.