والحقيقة أنه اسقط مواءمة الابعاد الاقتصادية والغائية والاهداف السياسية والثقافات السائدة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالأساس المحوري بسيادة الدولة ورقيها المرهون بانطلاقات العلم في ظل منظومة تعليم تتميز بثلاث الثبات- الاتزان- إيداع المواهب! المجتمعات البشرية المتقدمة تتباين جذريا عن تلكم النامية والمتخلفة بالنسبة لقضية العلم والتعليم انضباطا سلوكيا!.. فالدول التي تتفشي فيها وبها الدروس الخصوصية والاندفاع الجنوني نحو حيازة شهادات سواء المضروبة منها أو غير المضروبة!.. وبصرف النظر عن وسيلة إدراكها! لايمكن بحال من الأحوال أن يطلق فيها العنان للقبول بالتعليم الجامعي غير المشروط بمستوي فكري معين محدداته مستقرة!.. جامعات المملكة المتحدة تختلف فيما بينها مناهج وتخصصات وطرائق قبول الطلاب سواء أكانوا من داخل المملكة أو من خارجها في جميع مراحل مستوياتها الدراسية... مثلا في الدراسات العليا لدرجة الماجستير بكليات الهندسة بالجامعات المتناظرة هناك من يقصرها فقط علي بحث يجاز وأخريات تحدد مسبقا دراسة مجموعة من العلوم في فرع معين تعلن عنه أيضا مسبقا.. ونفس الموقف له نظير في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. هناك خلافات واجتهادات كثيرة بكل الدول الأوروبية من حيث المناهج والمقررات والساعات المعتمدة أو السنوات الدراسية المحددة سلفا.. ولكن.د.أسامي نصار يري أننا في مصر بحاجة إلي التوسع في التعليم العالي والجامعي.. !! ولم يذكر لنا علي حساب ماذا ولمن ينادي بذلك؟!.. التعليم المفتوح وبصورته الحالية أصبح تجارة عالمية كاسحة تستهدف في المقام الأول الدول الغافلة المتخلفة لتجعلها أسواق رائجة لها، والأدهي أن الدكتور نصار يرجع مناداة المتشددين بحتمية احترام مبدأ تكافؤ الفرص وعدم قبول مناطحة أرباب المجاميع المتدنية في الثانوية العامة 50% بالكاد لأصحاب المستوي الرفيع لما يتجاوز 95% إلي المصالح الضيقة!!.. بل ويذهب لأبعد من ذلك ويدفع بأنهم تحت عباءة هذا الشعار إنما يسعون لتغطية تمسكهم بسلم الوظائف والمكانة الاجتماعية المرتكز علي مجموع الدرجات ومكتب التنسيق!.. وكأنهم وصلوا لذلك بمحض الصدفة وليس عن طريق الاجتهاد الفردي والمنافسة الواثقة!.. طيب يادكتور «عاوزها في المقابل تكون مرتكزة علي إيه؟!! الفلوس أم السطوة السياسية الفاسدة أم السلطوية المفسدة.. أم علي ماذا؟! ويزيد سيادته ويقول.. لأن العبرة باختيار الطالب لما يريد دراسته بالفعل.. د. نصار هذا لايصح بإطلاق بدون مايكمل النص بإضافة حسب قدراته وطبقا لمستوي ذكائه!.. مرة أخري أ.سامي نصار.. إذا جاز هذا في كليات الباليه والرقص والغناء والرسم والأشغال والألعاب الأكروباتية وفي كليات التربية التي تعرفها جيدا فهو مما لايستقيم أبدا.. أبدا مع طبيعة الدراسة بكليات الطب والعلوم والصيدلة والهندسة وما يماثلها.. لأنها تحتاج إلي قدرات ومواصفات خاصة جدا جدا لابد من توافرها فيمن يتقدم لها من يوم ولادتهم! هذه الدعوة تخريب للتعليم، فكرة الانتساب كما بدأت بالدول المتقدمة كانت لها خلفية وليدة ظروف أسرية.. مادية أو اجتماعية إلي آخره حالت دون استكمال البعض للدراسة الجامعية رغم مقدرتهم الذهنية عليها.. عندما انقشعت غمة هذه الظروف الاسرية أو الاجتماعية بعد مرور عدة سنوات أتيحت الدراسة انتسابا لمن يريد اللحاق بالركب ممن تتفق قدراتهم ونوع الدراسة، ففي هذه الحالة وللفارق في السن والخبرة الحياتية التي تكون قد اكتسبت لديهم فإنها تعوض وجود الاستاذ المحاضر! هذا التعليم المفتوح في ظروفنا الحالية هو تقنين أعتي صور الفساد الخاص بالتكوين العلمي للعقول وهو يفتح باب طريق جديد ليسرق منه الطامحون غير المؤهلين فكريا! تحول التعليم المفتوح إلي آخر مفضوح عندما تم شطب شرط السنوات الخمس وإتاحة الفرصة للالتحاق بكليات القمة في الإعلام تحديدا.. للحاصلين علي 50% فقط!.. إننا لانري أن ذلك قد تم عشوائيا بل ربما وراءه اسماء بعينها يقينا!.. ابحثوا في أسماء هولاء الذين الحقوا بهذا النوع من التعليم حاليا قد تعرفون السبب وعندها سترون العجب!! هاكم حزمة من مساوئ هذا الفكر وما يمكن أن يؤديه: 1-غروب دولة العلم والإيمان وبزوغ دولة المال والسلطان! 2- ضرب الشخصية الاعتبارية لمبدأ تكافؤ الفرص ومن يتنادي بها علي الرأس بالحذاءوعلي القفا والخدين صفعا بالقلم وفي المؤخرة بالشلوت! 3- تكريس وتوثيق ثقافة بمالي أفعل ما بدالي! 4- انتكاسة عودة الأنا العائلية والأسرية لتحتل مكان الصدارة بدلا من الأنا الفكرية! 5- شيوع ثقافة التحايل علي القانون 6- إذكاء فكرة الصراع بين أصحاب الطموح المشروع المستند علي القدرات الفطرية الذهنية والمقابل المستند إلي القدرات المالية والسلطوية! 7- تحويل الفشل المؤقت إلي مشاريع فشل مستديمة في جميع المجالات 8- شيوع ثقافة أن العلم يحدده ما في الجيب لاما في العقل! 9- عدم الإيمان بالقيم! 10- تجاهل أن النجاح بالاستعداد الفطري للذات هو نجاح الدولة وإضافة لها وأن النجاح المؤقت الظاهري بالقهر الآلي للذات هو فشل للدولة وخصم من انتاجها!.. وأخيرا وليس آخرا هذه بدعة ومصيبة جديدة في دنيا التكنولوجيا التعليمية حولته من المفتوح إلي المفضوح! إبراهيم القرضاوي