تبدو مصر كما لو كانت بلدا في انتظار حريق، وكما لو كان صيفها الحارق قد أتي مبكرا هذه المرة، وفي عز شتاء يناير.الاحتقان السياسي مفهوم، ولاحيلة للنظام القائم في حله أو تفكيكه، فبقاء النظام في ذاته سبب كاف للاحتقان، ووضعه المعلق المنفصل عن الحقائق السياسية والاجتماعية متصل، وعزلة رئيس النظام في شرم الشيخ تلخص الحالة كلها، فهو نظام يهرب من الخيبة إلي العزلة، يهرب إلي منطقة منزوعة السلاح والسياسة، وتحت حد السلاح الإسرائيلي، ويترك القاهرة والمدن الكبري والصغري لقبضة أمن متضخمة، ولقوات قمع داخلي يصل تعدادها إلي أضعاف حجم الجيش. وهذه ظاهرة ملفتة في تاريخ مصر الحديث كله، فقد صارت حرب النظام علي جبهة الشعب المصري، وليست علي الحدود والسيادة، ربما لأن وجود النظام في ذاته أعظم انتهاك لسيادة الشعب علي بلده ومقاديره، ولاتبدو من مقدرة للنظام علي تحسين وضعه السياسي، أو التوقف عن استخدام لغة القهر والعهر، أو مد جسور الحوار مع أي أحد، فقد انتهي النظام إلي وضع عائلي احتكاري، وفقد حاسة العقل، ويتحرك بغرائز البقاء وحدها، لاتعنيه شرعية ولاسلامة إجراءات ، ويمضي في سكة ليس منها رجوع.وقد تبقي نظم حتي بدون إجراء انتخابات، وليس عندنا انتخابات كما تعلم، بل مجرد نصب عام، وبتزوير فاجر قبيح بلا مثيل في أربع جهات الدنيا، لكن النظام الذي زور السياسة خرب الاقتصاد أيضا، وانتهي إلي اقتصاد معلق في فراغ، تماما كالسياسة المعلقة علي خازوق أمني، فالاقتصاد هش، ومصادره ريعية ، وأقرب الي التسول بدعاوي الاستثمار، ولاشيء آخر، فقد الاقتصاد طابعه الإنتاجي، وجري تجريف البلد، جري تجريف الزراعة والصناعة، وتكفلت شهوة النهب العام بتجريف الأصول، والنتيجة أننا إزاء خراب عام، واقتصاد كخيال المآتة، وفي ظروف الأزمة المالية العالمية تكسد موارد الريع السياحي والملاحي، وتتعجل مواعيد النهاية، ويضاف مدد مرعب لأرصدة البطالة والفقر، وفي بلد صارت صورته الاجتماعية هي الأغرب بإطلاق ، فلدينا طبقة مليارديرات في غني فاحش، لدينا طبقة أمراء مصر الجدد، وهي أغني من طبقة أمراء الخليج، وكما أن أمراء الخليج هم هبة النفط المنزوح، فإن أمراء مصر الجدد هم هبة الأرض المنهوبة، وهبة القرب من قصر السلطان ومنحه وإتاواته، وبالمقابل تبدو مصر كأنها أفقر شعوب الأرض، فثمانون بالمئة من المصريين تحت خط الفقر الدولي، والمحصلة أننا لسنا بصدد تفاوت ثروات، بل بصدد شفط ثروات، وهو مايعني استحالة الحل حتي بالمعني الاقتصادي البحت في ظل بقاء النظام ، وحتي لو وضعنا ملائكة في قصر الرئاسة.انسداد السياسة وخراب الاقتصاد خزائن بارود متأهب للانفجار، وقد بدأت مظاهر القلق مبكرة ساخنة هذا العام، بدأت بتهديدات ربما إضرابات عمال السكة الحديد، وبعودة القلق إلي أكبر تجمع عمالي في المحلة، والمتوقع أن تكون الإضرابات الكبري هي عنوان مصر المقبل، خاصة أن وعيا جديدا قد توافر في سنوات القلق الأربع الأخيرة، وأن تحركات العصيان السلمي تبدو عفية أكثر فأكثر، ففي أبريل 2008 كانت انتفاضة مصر الكبري ، وفي أجواء تأزم اقتصادي صار الآن إلي الأسوأ، وثبت أن مصر علي إنهاكها تقدر علي العصيان ، تقدر علي التظاهر والاعتصام والإضراب ، وتتقدم طلائع وعي إلي عصيان وانشقاق منظم عن نظام الخراب العام، وتنمو مبادرات إنشاء نقابات مستقلة لعمال وموظفي الضرائب والمعلمين والمصانع الكبري، وهو مايعني أن مصر أخري تقوم من رماد، حتي وإن بدت المهمة صعبة بسبب كبت الأمن وخوف الناس وفساد الإدارة والنقابات الرسمية، فقد تطورت مظاهر العصيان من دواعي القلق إلي بناء بديل اجتماعي، وإعادة تنظيم المجتمع من خارج ملاعب النظام وتحكماته وقوانينه، وتفكيك حالة التواطؤ العام، فأنت لاتستطيع هزيمة خصمك في ملاعب يخط حدودها وحده، ويملك فيها شارة البداية وصافرة النهاية، ويجعل من نفسه خصما وحكما، وتستطيع النصر حين تحدد أنت قواعد اللعبة ومواعيد الهجوم، وحين تملك مبادرة الفعل لا البقاء في خانة رد الفعل ، وحين تربط الجزئي بالكلي، خاصة في بلد جري احتجاز تطوره طويلا، وترتبط فيه قضايا التغيير الاجتماعي بقضايا الحريات، ويلزم بمد شبكة التداخل بين بدائل النقابات الاجتماعية وبدائل التغيير السياسي، وربما تكون تلك هي القيمة الكبري لمساعي بلورة ائتلاف واسع للمصريين من أجل التغيير.وربما لايكون لأحد حيلة في تجنب الصدام، ولا في تأجيل مواعيد الحريق، فالنظام تحول إلي مجرد عصا قمع ،النظام تحول إلي ثور هائج ، ويبدو مذعورا من حركة نملة في الشارع، فما بالك حين تفاجئه غضبة الجموع في المرافق والشوارع والمصانع، خاصة أنه خرج من حرب غزة في وضع المهزوم ، خرج بانكشاف سياسي غير مسبوق، فقد ضبط متلبسا بجرم التواطؤ مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي، ضبط متلبسا بالخروج عن أبسط مبادئ ومصالح الوطنية المصرية، ضبط متلبسا بمقايضة بقائه مقابل المشاركة النشيطة في دعم المجهود الحربي الإسرائيلي، ضبط متلبسا بالتورط في صفقة السياسة الفاسدة، وثبت ربما للمرة الأخيرة انخلاعه عن المعني الوطني، تماما كما ثبت فساده واستبداده منقطع النظير، وإهلاكه للحرث والنسل، وسرقة المصريين ، وقتلهم في الشوارع والقطارات والعبارات، وتعذيبهم في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة، وتيبس عظامه، وجمود قبضة يده علي الزناد في حال التخشب الرممي، وتصميمه علي حرق البلد علي طريقة نيرون روما.وبالجملة ، هذا نظام دفن بلدا، وربما لاتكون من قيامة لمصر بغير أن تزيح نظاما انتهي إلي ركام. بطولة أردوغان رجب طيب أردوغان جعل تركيا تتكلم العربية الفصحي، بينما حكام العرب عجم غارقون في جهالة العبرية(! ) بدا أردوغان في منتدي دافوس كأبطال الأساطير، وضع ساقا فوق ساق، وكأنه يشير بطرف حذائه إلي مجرم الحرب بيريز الذي كان يتحدث، ويهاجم الفلسطينيين بوقاحة، ويصور إسرائيل في صورة الضحية لصواريخ حماس، وحين جاء دور أردوغان، دهست كلماته القوية الكاسحة أكاذيب الرئيس الاسرائيلي ، وكشفت جرائم كيان الاغتصاب الإسرائيلي ، وقلب الطاولة علي رؤوس سدنة منتدي الاغنياء الذي يديره يهود صهاينة، وحين طلبوا وقف كلامه، خرج اردوغان منتصبا كنخلة واصلة للسماء من محفل الزور، وحول حفلة الصهاينة والأمريكان إلي مأتم، واستحق العرس الأسطوري الذي قوبل به من شعبه كأعظم الفاتحين ، واستحق محبة شعوب الأمة العربية المنكوبة بحكام الخيبة بالويبة.ولاتسأل عن سر بطولة أردوغان ، فالسبب ببساطة أنه رئيس وزراء منتخب من شعبه، ويستند إلي قوة شعبه ، ولايخشي أمريكا، رغم أن بلاده عضو في حلف الاطلنطي ، ويحتقر اسرائيل التي طالب بطردها من الأممالمتحدة، بينما حكامنا يخافون من اسرائيل، وحولوا قصور الحكم إلي جحور فئران، ويحكمون أوطاننا بالنصب والتزوير الفاجر، وبتفويض من العم سام! إشارات * براءة أحمد عز من تهمة الاحتكار مثيرة للسخرية، فالمال الذي اشتري بلدا لايعز عليه احتواء جهاز إداري تترأسه موظفة من نوع مني ياسين. * وبالمناسبة.. ثبت أن أحمد عز أقوي من جودت الملط رئيس جهاز المحاسبات، ربما السبب أن «الملط» لايملك غير راتبه.. وملابسه!! * وإهانة أحمد عز للملط وجهازه، وفوزه في مزاد جهاز مني ياسين، كلها طوارئ تثير السؤال المزمن نفسه عن قوة عز، وهل صار أقوي من الرئيس ونظامه؟! * حكاية نقل أهل غزة إلي سيناء كلام حشاشين، وبضاعة تصدرها إسرائيل ليشتريها أحمد أبوالغيط! منع نواب المعارضة من العبور لغزة يثبت للمرة الألف أن النظام المصري يحاصر المصريين قبل الفلسطينيين. * عمرو موسي أثبت أنه ظاهرة لغوية خاوية، وعجز عن مسايرة رجب طيب أردوغان لحظة فضح إسرائيل في دافوس. * «لآلي من الحكمة» كتاب جمعه الزميل عصام حسين في 25 سنة وتقرأه في 25 دقيقة