لابد أن نتفق علي أن الخبرة والتجربة والعلم والمعرفة عناصر مهمة يجب أن تستفيد منها المجتمعات و بالأخص مجتمعات الدول النامية وغيرها، ونسلم بأن الخبرة لا تأتي من فراغ، البعض حباه الله بالقدرة والاقتدار والموهبة علي الاستفادة من تجارب الحياة، و هي تأتي لبعض الناس الذين أراد المولي الكريم أن يطيل في عمرهم مع تعاظم السن. وهذه المقدمة لا تنال من أهمية دور الشباب، بل علي العكس، فالشباب العفي هو العمود الفقري وقوة الدفع للأمم والشعوب.ولماذا الحديث اليوم عن كل هذا لأنني استمعت إلي رجل تعدي الثمانين من العمل و هو نفس الرجل الذي خط سنة 1978 نظرية منطقة هلال الأزمات وأن جوهر هذه المنطقة هو إيران. و بعد أكثر من ثلاثة عقود من هذه النظرية ثبت أن الأمن العالمي يحيط بإيران والمنطقة المجاورة لها سواء إذا اتجهنا نحو الشرق الأوسط و العراق أو إذا اتجهنا صوب أفغانستان، و الأزمة بما لا شك فيه كامنة بإيران و المنطقة المحيطة بها. الرجل هو زيبجنيو بريجسنكي المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر وشغل هذا المنصب من 1971 إلي 1981 حدد بريجنسكي في كلمة له افتتح بها المؤتمر السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي عقد بجنيف 11-13 سبتمبر التحديات التي يواجهها الرئيس الأمريكي أوباما في التوصل إلي سلام في الشرق الأوسط. فقد أكد بريجنسكي أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما يبذل جهدا شاملا و طموحا من اجل إعادة الوصال بين أمريكا والعالم. وأضاف أن الرئيس اوباما قد حقق جهودا ملموسة ورائعة في هذا المجال بعد 7 سنوات عجاف من السياسة الخارجية الامريكية. وقال إن أوباما قد عدل الكثير من المفاهيم، فعلي سبيل المثال وليس الحصر فان الإسلام لا يمثل عدوا لأوباما. وقال إن أوباما قد حدد من بين أمور أخري أولوية تحقيق السلام بين إسرائيل و الفلسطينيين، ومشيرا إلي أن سبب المشاعر السلبية في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي تجاه أمريكا يرجع إلي تاريخ هذه القضية. وأضاف أن مشكلة الشرق الأوسط تكمن في أن هناك جانبا فلسطينيا منقسما و ضعيفا وجانبا اسرائيلياً منقسما وقويا ومن ثم أهمية إدخال مبادرة من الخارج. وقال انه في هذا الصدد سيتبين نهاية الشهر الحالي أو في الشهر القادم ما إذا كان من الممكن تحقيق فقزة إلي الأمام أم التراجع إلي الخلف فيما يتعلق بالسلام بين الإسرائيليين و الفلسطينيين. إلا أن بريجنسكي قد حدد بوضوح التحديات التي يواجهها أوباما وأولها و ثانيها وثالثها جهود جماعات الضغط داخل الكونجرس الأمريكي التي يمكن أن توقف جهداً للرئيس و تحبطه، أو تدخل علي أجندة الرئيس الجديد، و هنا قال إنني لا أتحدث عن اللوبي اليهودي فقط ولكن أتحدث عن جماعات ضغط متعددة أصبحت لها اليد العليا في الكونجرس الأمريكي. وتحدث بالمنطق فيما يتعلق بالقضية الإيرانية و ما تعني أو ما يجب أن تتخذه الإدارة الأمريكية في هذا الصدد، و قال انه سيكون هناك مجال للمفاوضات و لكن النتائج غير واضحة، والله بالضرورة فإنه يجب أن يكون محدداً من البداية أن تخصيب اليورانيوم لا يؤدي إلي التسلح. وسلم بريجنسكي أنه لا يمكن أن تبدأ المفاوضات إذا ظللنا نصفهم بأنهم "إرهابيون" ونهدد بفرض العقوبات. وفي هذا الصدد قال انه لو فرض تطبيق العقوبات علي إيران فهي يجب أن تكون "ذكية" لا تنال من الشعب و إنما تعاقب من هم في السلطة. وأشار إلي أن المفاوضات الأمريكية - الإيرانية إذا بدأت يجب أن تتضمن القضية النووية والأمن الإقليمي و أفغانستان، وقال إننا سنعرف في نهاية العام الحالي إذا كان هناك مجال لبدء هذه المفاوضات أم انه ليس لها فائدة. وقد تحدث عن جوانب أخري من الاهتمامات الأمريكية في العالم ولكني اخترت منها الشرق الأوسط و إيران علي أساس أنهما تمثلان لنا في المنطقة محور المستقبل وليس الأزمة.