أمير الساخرين»، «حكيم الثورة»، «فيلسوف الثورة»، «حكيم الساخرين»، «فيلسوف الغلابة».. ألقاب كثيرة أطلقها عليه محبوه ومعجبوه، إنه «جلال عامر» الذى رحل عنا منذ عام ولكن مازالت كلماته يتداولها العامة من كل الأعمار والطبقات فهو صاحب مدرسة متفردة فى الكتابة الساخرة. ولد «جلال عامر» فى 25 سبتمبر سنة 1952 بالإسكندرية وتخرج فى الكلية الحربية وشارك فى 3 حروب الاستنزاف وحرب أكتوبر وحرب تحرير الكويت، ولكن حرب أكتوبر كانت الأكثر قرباً لقلبه وقلمه، حيث كان قائدا لسرية بالفرقة 18 مشاة التى قامت بتحرير مدينة القنطرة شرق بقيادة اللواء فؤاد عزيز غالى يوم الاثنين 8 أكتوبر وتعد واحدة من أشهر وأهم المعارك، حيث حاصرتها الفرقة قبل اقتحامها وقال عن حرب أكتوبر: رغم أننى سكندرى أصيل مولود على بحر الأنفوشى، فإننى لم أعبر القنال سباحة أو فى قارب، لكن فى معدية على المعبر لأجد محمود مختار شقيق حسن مختار حارس مرمى الإسماعيلى وقتها وزوج السيدة رجاء الجداوى يقبل الأرض ويغنى «أدينا عدينا» واحتضننى، بينما تقذف الفانتوم علينا قنابل البلى ليصاب وأنجو، فالبلى صديقى منذ أيام الطفولة ثم تأتى قنبلة باحثة عن الأفراد «مثل مخبرى المباحث» ليصاب عبدالمسيح ورفعت وتختلط دماؤهما ونطلب لأحدهما جماعة دفن الموتى وللآخر جماعة الإسعاف دون أن يقول أحد «إشمعنى»!.. فقد كان الهلال مع الصليب ضد النجمة. احتفظ عامر بذكريات معركة تحرير القنطرة وقال عنها أرادوا أن يعرف العالم أن الإدارة المدنية قد عادت إلى مدينة «القنطرة»، فتوجهت إلى أقرب محافظة وهى «الشرقية»، وأحضرت من هناك فى سيارتى مقدم شرطة وبضعة جنود ونصبت لهم خيمة أمام المعبر رقم «48» كتبت عليها «نقطة شرطة مدينة القنطرة» وأفهمتهم أننى سأتابع بنفسى وصول الوجبات الثلاث والمياه. يُعد الكاتب الراحل أحد أهم الكُتاب الساخرين فى مصر والعالم العربى، ابتدع مدرسة متفردة فى الكتابة اعتمدت على ما يشبه التداعى الحر للأفكار وهى التكنيك المتبع فى علم النفس وكذلك التركيز والتكثيف والبعد عن الاستطراد وطرح عددًا كبير جداً من الأفكار فى مقالة واحدة وربطها معاً بشكل غير قابل للتفكيك بحيث تصير المقالة وحدةً واحدة شديدة التماسك على الرغم من احتوائها على أفكار منفصلة عن بعضها، كما يتميز أسلوبه باحتوائه على الكثير من التوريات الرائعة التى تشد انتباه القارئ وتجعله منتبهاً حتى نهاية المقال كما أنها تفتح مداركه على حقائق ربما غابت عنه وكذلك القدرة على توصيل الفكرة لجميع الشرائح والطبقات. حصل على ليسانس حقوق من جامعة الإسكندرية، كما حصل أيضاً على ليسانس أداب قسم فلسفة من جامعة الإسكندرية، وهى المجالات التى أثرت فى كتاباته، إضافة إلى ثقافته الواسعة، وموهبته فى القصة القصيرة والشعر وللراحل ثلاثة كتب هى «مصر على كف عفريت» و«قصرالكلام» و«استقالة رئيس عربى». بدأ رحلته مع الصحافة مع بداية الألفية الجديدة، وكتب فى عدة صحف حيث كانت بدايته مع جريدة القاهرة حيث كان يشرف على صفحة مراسيل ومكاتيب للقراء، واختتم عمله ككاتب صحفى فى «المصرى اليوم» بعامود يومى تحت عنوان «تخاريف». توفى يوم 12 فبراير سنة 2012 إثر أزمة قلبية أثناء مشاركته فى مظاهرة مناهضة لحكم العسكر وكانت آخر الكلمات التى نطق بها قبل وفاته، خلال مشاركته فى مسيرة بالإسكندرية «المصريين بيموتوا بعض». وكانت آخر كلماته على صفحته ب«تويتر» مشكلة المصريين الكبرى أنهم يعيشون فى مكان واحد لكنهم لا يعيشون فى زمن واحد. وللراحل أربعة أبناء هم: رامى وراجى ورانيا وريهام. وعقب رحيله نعاه ابنه رامى قائلا: «جلال عامر لم يمت، فكيف تموت الفكرة؟! الفكرة مقدر لها الخلود.. وداعا يا أبى، ألقاك قريبا» وعقب وفاته قامت محافظة الإسكندرية مسقط رأسه بتكريمه بإطلاق اسمه على أحد الشوارع بحى الجمرك بمنطقة بحرى. وعنه يقول ابنه الكاتب الصحفى رامى جلال عامر: كان ساخرا فى بيته مثلما كان ساخرا فى كتاباته ولقاءاته التليفزيونية وكان مرتبطاً جداً بالإسكندرية وعاشقا لها ولبحرها، كان مثل السمك الذى لا يستطيع الخروج من الماء. وعن علاقاته الاجتماعية يقول رامى: كان صديقاً للجميع، لم يكن له شلة معينة أو جماعة واحدة فقط لقد كان جلال عامر شخصية مؤثرة يختلط بالجماهير ويلتحم معهم ويكره فكرة وجوده فى برج عاج وانفصاله عنهم، ولذلك كانت أماكن تواجده فى المقاهى الشعبية المختلفة. كما كشف رامى عن طقوس عامر أثناء الكتابة حيث قال: كان يكره الروتين، لكن بشكل عام لم يكن يكتب سوى فى الصباح الباكر جداً، وينتهى من مقاله قبل التاسعة صباحاً، وكان عاشقاً للهدوء، يدخن السجائر بشراهة ويحتسى الكثير من القهوة.. وكان كثيراً ما يستمع إلى الموسيقى بعد كتابة المقال، وكان عاشقاً لعبدالوهاب. ومن أبرز أقواله المأثورة «ترقد الطيور على بيضها لتفقس ويرقد الحكام على شعوبهم لتفطس» و«ثلاثون عاما ظهر فيها الدش والمحمول والإنترنت واختفى الوطن» و«إذا أردت أن تضيع شعبا إشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين ثم غيب عقله واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة» و«استعان الناس بالإخوان ضد الحكومة وهم الآن يستعينون بالله ضد الإخوان» و«من أجمل الأشياء أننا نقسم على الدستور فى غيابه ثم لا نحترمه فى وجوده» و«اجتماع أمريكا والإخوان معناه أن الشيطان ثالثهما» و«متقولش إيه ادتنا مصر علشان دى كلمة عيب» وكل واحد يسأل الآن: «مصر رايحة على فين»؟! «مش تسألوا قبل ما تركبوا». نشر بتاريخ 11/2/2013 العدد 635