وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جامعة حلوان الأهلية: تقديم كافة التيسيرات للطلاب خلال فترة الامتحانات    2772 فرصة عمل برواتب مجزية في 9 محافظات - تفاصيل وطرق التقديم    بنحو 35 جنيها، ارتفاع أسعار اللحوم السودانية بالمجمعات الاستهلاكية    بيطري الشرقية: مسح تناسلي وتلقيح اصطناعى ل 6 آلاف رأس ماشية    "معلومات الوزراء" يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي    صوامع الشرقية تستقبل 575 ألف طن قمح في موسم الحصاد    رصيف بايدن!    النمسا تستأنف تمويل الأونروا    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    ما أحدث القدرات العسكرية التي كشف عنها حزب الله خلال تبادل القصف مع إسرائيل؟    رسميًا، نفاد تذاكر مباراة الأهلي والترجي في إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    إصابة 3 طلاب أحدهم ب 90 غرزة في مشاجرة أمام مدرسة بالغربية    الأمن الاقتصادي: ضبط 1710 قضية ظواهر سلبية.. و13 ألف سرقة تيار كهربائي    بعد عرضه في كان، مؤتمر صحفي لطاقم عمل Kinds of Kindness (فيديو)    سوسن بدر توجه رسالة ل ريم سامي بعد زواجها (صور)    لماذا يصاب الشباب بارتفاع ضغط الدم؟    بعد حادث الواحات.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    أستاذ طب وقائي: أكثر الأمراض المعدية تنتشر في الصيف    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    جوري بكر بعد طلاقها: "استحملت اللي مفيش جبل يستحمله"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    طريقة عمل الكيكة السحرية، ألذ وأوفر تحلية    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة والدراسات الاجتماعية بالقاهرة    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى ميلاد «جمال عبد الناصر» محاكمات الثورة.. ومحاكمات «الباب الدوار"
نشر في صوت الأمة يوم 13 - 02 - 2013

حلت ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر (15 يناير) هذا العام، فأعادت إلى أذهاننا الصورة الحقيقية للثائر، الذى ثار فى وجه الطغاة من أجل الوطن، وتولى الحكم أيضاً من أجل الوطن، فكان رئيساً لكل المصريين، وليس رئيساً لجماعة، جاهد وحكم لصالح الشعب كله، وليس لصالح جماعة من هذا الشعب، تصدى للفساد بكل قوة وصرامة، شكل محاكم ثورية حقيقية وليست صورية، حاكمت كل من أفسد وخان الوطن والأمانة وكل من سام الشعب سوء العذاب. تستدعى ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر، إلى الذاكرة محاكمات ثورة يوليو التى شفت غليل الشعب المظلوم المقهور المنهوب.
وتصدت لكل من حاول المساس بالوطن والإضرار به، فأصدرت أحكاماً وإن وصفها البعض بالقاسية، إلا أنها كانت مطلوبة ومستحقة. أما الآن وبعد ثورة يناير، فإن مطالب الثوار التى لم ولن يملوا منها بتشكيل محاكمات ثورية، تحاكم الفاسدين من أباطرة وطغاة النظام الذى قامت الثورة وأطاحت به، إلا أن دماء الشهداء مازالت «هدراً»، وأرواحهم لم تهدأ بعد، فى ظل محاكمات هى أشبه ب«الأبواب الدوارة» التى نجدها فى الفنادق، تلك الأبواب التى تدور بك فلا تجد نفسك داخل الفندق بل خارجه، هكذا هى محاكمات ثورة يناير التى شهدناها، والتى تميزت فى عدد منها بما عرف ب«مهرجان البراءة للجميع»، ورغم أن كثيرًا من أعضاء النظام السابق يقبعون فى السجون، إلا أن المواطنين لم يرضوا بها، فهم لن يهدأوا إلا بأحكام رادعة تريح الشهداء فى قبورهم.
فى السطور التالية ننشر سطوراً من صحفات محاكمات ثورة يوليو، التى عقدت فى عام 1953، وحاكمت أشخاصاً من الوزن الثقيل فى الحكم قبل قيام الثورة، حيث حاكمت إبراهيم عبدالهادى الذى شغل مناصب رئيس الوزراء ورئيس الديوان ووزير الداخلية قبل الثورة، وعددًا من الوزراء السابقين، ورؤساء الديوان، والوزراء، وقيادات حزبية، وصحفيين، ومنهم كريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق، والذى لعب دوراً كبيراً فى إفساد الملك فاروق، حيث كان يتولى حسبما قال الشهود تنظيم حفلات مجونة ومسئولاً عن علاقاته النسائية وغيرها، وكذلك كان «السمسار» أو الوسيط بين كل من يريد مصلحة وبين الملك، فكان ثابت يتولى تحديد المقابل المناسب، واستلامه ثم يقتسمه مع الملك فاروق، وبلغت سطوة ثابت أنه كان يحرك الملك، وكان يشكل حكومات ويعزل أخرى، وبيده تقريب فلان من الملك أو عقابه، وهو دور ربما يكون قريباً من الدور الذى لعبه صفوت الشريف أو زكريا عزمى فى عهد «مبارك».
وفى المقارنة بين محاكمات ثورة يوليو، ومحاكمات ثورة يناير، نجد الأولى لم تستغرق وقتاً طويلاً، وأصدرت أحكاماً نفذت بكل صرامة، وصادرت أموالاً استفادت منها الميزانية وعادت بالنفع على المواطنين، بينما محاكمات ثورة يناير أو بالأدق محاكمات «الباب الدوار» فطالت حتى مل الناس من متابعتها، وحتى مات بعض المتهمين فيها «قضاء وقدر»، واكتنفها كثير من علامات الاستفهام والشكوك التى تطعن فى نزاهتها، ولم يستفد المواطن العادى من الأموال التى لا تذكر إذا قورنت بثروات المتهمين، والتى حكم بمصادرتها أو بتغريم بعض المتهمين بها. وفصل الخطاب فى المقارنة بين محاكمات الثورتين، هو أن فى الأولى كان هناك « عبدالناصر» وفى الثانية ليس هناك «عبد الناصر».
ومن واقع المضبطة الرسمية لمحكمة الثورة عام 1953، وجهت المحكمة لكريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق، اتهامين الأول أنه «أتى أفعالاً تعتبر خيانة للوطن وضد سلامته والأسس التى قامت عليها الثورة، وذلك أنه فى غضون عام 1953 عمد إلى الاتصال بجهات أجنبية تهدف إلى الإضرار بالنظام الحاضر ومصلحة البلاد العليا».
والثانى: أنه أتى أفعالاً ساعدت على إفساد الحكم والحياة السياسية، واستغل نفوذه استغلالاً لم يرع فيه صالح الوطن فى غضون المدة من سنة 1946 وما بعدها وذلك أنه:
1- بحكم صلته الوثيقة بالملك السابق عمل على توجيهه وجهات تتعارض ومصلحة البلاد من النواحى الخلقية والمادية والأدبية، الأمر الذى كان له أسوأ الأثر فى الحياة السياسية.
2- فى عام 1949 بوصفه مستشاراً صحفياً للملك السابق سعى من جانبه للحصول لنفسه على عمولة من إحدى الشركات الكبرى فى مقابل تدخله لإبرام اتفاق فى صالح تلك الشركة مضرًا بمصلحة البلاد.
3- وفى غضون عامى 1948و1949 بوصفه مستشاراً صحفياً للملك السابق استولى لنفسه بدون وجه حق على مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، ثم ألفى جنيه من أموال مؤسسة خيرية عامة «مستشفى المواساة بالإسكندرية».
وقد استمرت محاكمة كريم ثابت 6 جلسات 4 منها علنية و2 سرية. واستغرقت الجلسات الأربع 7 ساعات و20 دقيقة، بينما استغرقت الجلستان السريتان 3 ساعات و10 دقائق.
وتم الحكم على ثابت بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبرد ما استولى عليه هو وزوجته من أموال الشعب إلى الشعب، وذلك بمصادرة كل ما زاد على أموالهما وممتلكاتهما عما كانا يملكانه قبل 27 مايو سنة 1946. وفى نفس اليوم صدق مجلس قيادة الثورة على الحكم، ثم أخطرت الجهات المختصة لتنفيذ هذا الحكم فى اليوم التالى الاثنين 19 أكتوبر 1953.
وفى المحاكمة شن ممثل الادعاء مصطفى الهلباوى وكيل النائب العام، هجوماً شديداً على كريم ثابت واتهمه بإفساد الملك فاروق، وتزيين طريق الانحراف والملذات له، وكذلك تدخله فى جميع شئون مصر وفى عمل الوزراء والمسئولين وبالغائه لدور رئيس الديوان، مما جعله يتحول إلى مركز قوة كبير لا يستهان به ويرهبه الجميع، وهو ما فتح أمامه أبواب الثراء العظيم ليكون ثروة ضخمة خلال مدة وجيزة وليتنقل من صحفى «كحيان» يستجدى الوزراء والوزارات المعونة والإعانة الشهرية، إلى صاحب أطيان وأملاك وأرصدة متضخمة فى البنوك. واتهمه الهلباوى كذلك بأنه لعب دوراً كبيراً فى الانحراف المالى الذى انغمس فيه الملك فاروق عن طريق استيلائه على أموال الجمعيات الخيرية، وأكبر مثل لها جمعية المواساة بالإسكندرية. وغير هذه من الاتهامات التى وصف بها الصحفى «التافه».
وقال الهلباوى فى مرافعته: «اليوم أقدم لكم رجلاً كان فى الست سنوات الأخيرة وإن لم يكن هو الجالس على العرش فعلاً إلا أنه كان الموجه والمحرك لهذا الجالس على العرش أو أحد كبار موجهيه على الأقل. وأن هذا الرجل الذى ابتليت به مصر والذى ظهر على مسرح الفساد السياسى كالممثل الأول كانت له اليد الطولى فى هذا الفساد الذى استشرى فى كل مرفق من مرافق البلاد. هذا الفساد الذى كان فيه هو الأستاذ الأول أو على الأقل الأستاذ الأهم لدى مولاه وسيده فاروق. فهو الذى تمكن بوسائله الخاصة هذه الوسائل التى لم يكن ليجيدها غيره تمكن أن يزيد انغماس هذا الملك فى وادى الرذيلة بكل ألوانها وثمارها واقتياده إلى بؤر الفساد. ويزين له كل شر، ويحبب له كل مجون، وهو الذى زين له الاستهتار بحقوق هذا الشعب الدستورية وبكل مقومات هذا البلد. إن فاروقاً لم يختر المتهم كمستشار صحفى له عبثاً، وإنما اختاره لأنه كشف له مؤهلات تتفق وأخلاقه هو وطبعه ونزعاته».
أقول لكم إن ما شاهدته اليوم وما شاهدتموه حضراتكم والمتهم يقدم نفسه لكم وهو يلقى بأقواله ويدلى بدفاعه، وهو يتحرك يمينًا ويسارًا، وهو يقول لكم عن تلك الصلات التى كانت بينه وبين فاروق. وعن هذه الصداقة وعن هذا الخصام. وكيف كان فى إبان هذا الخصام الشديد يهديه فاروق الزبدة والعسل وكيف كان فاروق يستلطفه. فهمت من هذا ولعلكم فهمتم جميعاً، ولعل زوار هذه الجلسة فهموا جميعاً من المتهم وهو يشرح نفسه، وهو يقدم نفسه، ولعلهم فهموا جميعاً لماذا اختاره فاروق ! ولماذا كانت بينهما هذه الصلات، ولماذا كان لكريم هذا النفوذ القوى على قلب فاروق وعلى عواطف فاروق وعلى شهوة فاروق.
عمل المتهم يا حضرات القضاة أول ما عمل صحفياً بالمقطم وبجريدة السياسة. ثم أسس بعد ذلك مجلة أسماها «العالم» سنة 1926. وكان لا يعرف من فنون الصحافة والكتابة إلا ما يتفق وعقله، وذوقه وتفاهة تفكيره. فهو لا يكتب ولا يؤلف إلا عن مقابلته لبعض الملوك والأمراء. هؤلاء الملوك والأمراء الذين لم يدفعه إلى مقابلتهم إلا غريزة عميقة فيه وهى غريزة الزلفى، والملق والرياء واستجداء المال».
هو لا يكتب يا حضرات القضاة إلا عن إبراهيم الغربى وكيف كان يعيش والبلد جميعاً تعرف من هو إبراهيم الغربى، والجيل الجديد إن لم يكن يعرفه فقد قرأ عنه. فكريم ثابت لا يكتب فى صحيفة ولا مجلة إلا عن إبراهيم الغربى. وكيف كان يعيش وكيف ترك من أموال وكيف خلف بعد وفاته اثنين وأربعين منزلاً. وكيف كان إيراده اليومى من متاجرته بأعراض النساء مائة جنيه. وكيف كان متوسط ما تكسبه المرأة أو الفتاة من مائة وخمسين قرشاً إلى مائتى قرش فى اليوم. وهو لا يكتب إلا عن أنواع الرقص فى مصر وأى الرقصات أحسن!
هذا هو العالم الذى كان يعيش فيه كريم ثابت وهذا هو الجو الذى لا يستطيع أن يتنفس وينطلق إلا تحت سمائه. وهذا هو الحقل الذى يستطيع أن يجرى فى ربوعه ويجرى فى وصفه قلمه!
وهكذا لا يهتم كريم ثابت من الصحافة ولا من رسالة الصحافة إلا بالحديث عن البغاء والرقص والزلفى للملوك والأمراء. ولعله قد أختير لهذه المؤهلات جميعاً مستشاراً صحفياً لفاروق. وبهذه الانطباعات الذهنية اصطبغت أعماله بعد ذلك حينما اتصل بفاروق. وعرف كيف يوجهه إلى تلك الهاوية التى أراده فيها. ولذلك أصبحنا لا نرى المتهم مع فاروق إلا فى نوادى القمار وسهرات الليل. وأصبحنا نسمع عن فاروق واستهتاره بأكبر مجلس تشريعى فى البلاد وهو مجلس الشيوخ، حين غضب عليه لاجتراء بعض أعضائه على المساس باسم المتهم. فى أى مكان وقع هذا الاستهتار وهذه السخرية؟ فى نادى الإسكندرية. هذا النادى الذى كان كعبة ومصلى فاروق حتى مطلع الفجر.
هكذا قال السيد إبراهيم مدكور عضو مجلس الشيوخ السابق فى التحقيق الذى أجرى مع هذا المتهم فى قضية محكمة الغدر الأولى. هذه القضية التى سجل فيها القضاء على المتهم أن فاروق اندفع وراءه وقد بلغ من تأثره به أنه جعل كرامته من كرامة المتهم. كما سجلت عليه أيضاً هذه المحكمة تدخله فى أعمال الحكومة وإفساده لأداة الحكم والحياة السياسية، وأنه هو الذى حمل فاروق على أن يطلب من رئيس الحكومة وقتئذ العمل على إخراج رئيس مجلس الشيوخ وبعض أعضائه جزاء وعقاباً لهم على مهاجمتهم لذات المتهم المصونة المقدسة كذات سيده ومولاه. وذلك أثناء مناقشة الاستجواب الذى قدم عن بيان أسباب استقالة رئيس ديوان المحاسبة محمود محمد محمود.
وقد قال الأستاذ حسن يوسف فى تحقيقات قضية الغدر عن المتهم إنه حين انفجر من تدخله فى حالة إخراج هؤلاء الشيوخ قال له: إن الديوان لا يتحمل رئيسين».
أما فى دعوى اليوم فقد شهد بأنه منذ سنة 1949 كان فاروق يباشر شئون الدولة من خارج المكتب، والشاهد يعنى بهذه العبارة أنه كان يباشرها فى نوادى القمار وملاهى المجون. كما شهد أيضاً أن فساد هذا النظام وهو مباشرة شئون الدولة خارج المكتب اقتضى أن يكون كريم ثابت أقرب الناس إلى فاروق، كما اقتضى أن يكون لكريم ثابت كل صفة بدون أى تحديد. ولا يكتفى هذا الشاهد أن يقول ما قاله من تدخل المتهم فى أعمال الديوان والحكومة. بل يقول أيضاً: إنه كان لكريم ثابت دخل كبير فى إسقاط وزارة إبراهيم عبد الهادى وأنه بصفته رئيساً للديوان بالنيابة قد فوجئ بهذه الاستقالة أو الإقالة.
وهكذا ترون يا حضرات القضاة كيف أن وزارة تستقيل أو تقال ولا يعلم بأمرها حتى رئيس الديوان المستشار السياسى الأول للملك، ذلك لأنه كان هناك فى القصر ملك آخر يوجه الملك الأصيل إلى حيث تريد شهواته وأطماعه.
وهذا رئيس حكومة سابق ورئيس ديوان سابق وهو المهندس حسين سرى يقول فى تحقيقات قضية الغدر عن المتهم: إنه كان له مركز ممتاز فى السراى وأنه حين كان رئيساً للديوان كشف أن المذكرات السرية التى كان يرفعها إلى فاروق تعاد إليه ليناقشه فيها كريم، وأنه رفض أن يتحدث معه بشأنها لأنها خارجة عن اختصاصه. ويقول هذا الشاهد فى تحقيقات دعوى اليوم: إنه استقال من وظيفة رئيس الديوان لإصرار فاروق على إعفائه من ضريبة الإيراد، ولقد اقتضى الأمر وضع تشريع بذلك وإصراره هو على عدم الإعفاء، ويقول فى هذا الصدد: إن كريماً اتصل بالوزارة الوفدية فى هذا الشأن، وأنه حين كلف بتأليف الوزارة فى سنة 1949 حدثه فاروق فى شأن كريم وأوصاه به. فطلب منه الشاهد ألا يجعل كريماً يتدخل فى أعمال الوزارة، بل طلب منه أكثر من ذلك، طلب منه أن ينبه على كريم بألا يقابله اطلاقاً. ولكن فاروق أفهمه أن المتهم هو الرجل الوحيد فى القصر الذى يفهم كيف يبلغ تعليمات الملك ويذلل جميع الصعاب.. وفى هذا الصدد يقول حسين سرى تدليلاً على مدى قوة ونفوذ كريم ثابت لدى مولاه وسيده وهو نفوذ لم يبلغ مبلغه أحد من الوزراء ولا من رؤساء الوزارات ولا رؤساء الديوان ولا من رجال الحاشية. يقول فى هذا الصدد: إن الملك كان يعترض على تعيين الدكتور طه حسين فى وزارة الوفد وأصر على هذا الاعتراض وحاول هو كثيراً بصفته رئيساً للديوان أن يذلل هذه الصعوبة فلم ينجح اطلاقاً. ولكن الذى لم ينجح فيه المستشار السياسى للملك نجح فيه صنو هذا الملك ونديمه فى سهرات الليل الحمراء، وموائد القمار الخضراء. وبمجرد تدخله لدى الملك عين طه حسين وزيراً وذابت جميع جبال العراقيل والصعاب.
يقول هذا الشاهد أيضاً إنه بالرغم مما طلبه من الملك من التنبيه على كريم ثابت بألا يتدخل فى أعمال الوزارة علم من زملائه الوزراء أنه كان يومياً يتدخل فى أعمالهم ويطلب من كل منهم طلبات استثنائية. ويقول صراحة فى موضوع آخر من أقواله: إنه بالرغم من إشراكه المتهم معه فى وزارته الأخيرة اتقاء لتدخله فى أعمال الوزارة وهو رجل غير مسئول، نبه على زملائه الوزراء جميعاً وفى حضور المتهم نفسه بألا يسمحوا لزميلهم هذا بأن يتدخل فى أعمالهم اطلاقاً.
فما معنى وما مدلول هذا كله؟ أليس المعنى الوحيد لكل هذا أن المتهم كان واضعاً أنفه فى كل عمل من أعمال الحكومة؟ وأنه كان يريد أن يجعل كل مكتب من مكاتب الوزراء ملحقاً بمكاتب القصر ولو كانت الخدم ورجال الحاشية؟ وأن يجعل الجهاز الحكومى كله لا يعمل إلا للقصر ولأذناب القصر ولخدم القصر ولعصابة القصر.
ويقول أخيراً هذا الشاهد يا حضرات القضاة وهو يستعرض الظروف التى كلف فيها الدكتور بهى الدين بركات بتأليف الوزارة ولم يشكلها، يقول: إنه يعتقد أن عدم تأليف الدكتور بركات الوزارة بعد أن كلف بذلك رسمياً ،إنما يرجع لتدخل كريم ثابت وإلياس أندراوس. وبهذا المعنى شهد أيضاً الدكتور حافظ عفيفى.
وسترون يا حضرات القضاة كيف كانت مصائر البلاد جميعاً فى أيدى هذين الصديقين، اللذين لم يتعارفا ولم يتصادقا إلا على الشر والفساد والعبث بمقدسات هذه البلاد الأخلاقية والدينية أيضاً. وإلا على العبث باقتصاديات هذا الوطن. وإلا على توجيه هذا الملك التوجيه الذى أرداه فى مهاوى الرذيلة والمجون والفساد كائناً ما كانت صوره وألوانه وفنونه.
وسترون أيضاً أن هذين الصديقين لم يعملا على تنحية بهى الدين بركات عن الوزارة إلا ليؤلف حسين سرى الوزارة حتى يدخلها أحدهما وهو المتهم، ويبقى الآخر خارج الوزارة يكتنز الأموال له ولصديقه الحميم كريم ثابت، وقد قال حسين سرى صراحة: إن هذين الصديقين كان لهما دخل كبير فى تأليف وزارته الأخيرة.
وفى هذا الصدد أيضاً يقول حافظ عفيفى: إن إلياس أندراوس طلب من الأستاذ نجيب الهلالى أن يعين صديقه كريماً وزيراً للدعاية فرفض الهلالى هذا العرض. كما يقول أيضاً: إن رغبة هذين الصديقين كانت تتجه إلى أن يعين كريم ثابت وزيراً للقصر فى وزارة حسين سرى حتى تكون الحكومة طبعاً بعد ذلك إحدى مكاتب السراى وإحدى مزارعها الواسعة وخزائنها العامرة.
نشر بتاريخ 21/1/2013 العدد 632


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.