يعد الدكتور سعد الدين الهلالى، رئيس قسم الفقة المقارن بجامعة الأزهر من علماء الدين المستنيرين ودائما تأتى كل آرائه كاشفة عن حلول لأزمة مجتمع يتاجر به أصحاب اللحى الذين يخلطون الدين بالسياسة لأغراض دنيوية ومنافع شخصية. تجار الدين هؤلاء انتقدهم الهلالى مؤكدا أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يتحدث أحد باسمه ودلل على صحة كلامه بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة فى الحوار التالى: ما رأيك فيما يحدث الآن على الساحة من تناحر بين القوى السياسية؟ - ما يحدث أمر طبيعى ومعتاد ومتوقع لأن الحياة فى مصر كانت شمولية او بمعنى آخر كانت ابوية اى ان الرئيس هو المهندس والطبيب والسياسى والصانع والخبير الأول وباقى أفراد الشعب ما عليهم الا السمع والطاعة، فكان من الطبيعى هذا بعد موت النظام فجأة ودون اعداد لجيل آخر أو لآلية طبيعية تتولى القيادة، فمثلا اب قائم على رعاية اسرته واطفاله ولم يؤهل الاولاد لان يتحملوا المسئولية وفجأة مات الاب فالبتأكيد سيرتب على هذا آثار نذاع وشقاق. ■ ما الذى يجب أن يكون عليه الدستور حتى يعبر عن جميع القوى السياسية؟ - إذا اردنا ان نبين القوى السياسية فى مصر بطريقة مبسطة وكيف ننقذ أنفسنا من التناحر وكيف نجعل من كل القوى تروساً متعاونة ومتناغمة مع بعضها لصالح مصر فذلك يأتى عن طريق الدستور بحيث لا تقوى قوى على أخرى، فلو اعتبرنا مثلا أن هناك ثلاث قوى الإسلامية والليبرالية والمسيحية فبينهم جميعا قواسم مشتركة وبينها ايضا نقاط اختلاف فيجب ان يكون الدستور جامعا للقواسم المشتركة وينأى بنفسه عن القواسم المختلفة فالكل يأمل ان يعيش فى وطن آمن على حياته وعرضه وماله وهذا قاسم مشترك بين الجميع فيجب ان يعلى شأنه فى الدستور. لكن الفصيل المسمى بالإسلامى يريد أن ينص الدستور على انه من حق المجتمع او من حق القوى المدنية ان تقوم برعاية الاسرة والاخلاق العامة فى الشارع فهذا سيمنع او سيقلل من هيبة الدولة وسيصبح من حق مجلس الشعب إصدار قانون بتنظيم هيئة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى هذه الحالة سينزعج الفصيلان الآخران فالفريق الإسلامى وقتها سيقول ان الدستور يعطينى الحق وان الدستور يكلفنى كقوى مدنية ان اقوم برعاية الاخلاق العامة وانضباط الشارع اخلاقيا واسلاميا من وجهة نظرنا فهنا نجد ان هذا الفصيل تقوى بالدستور على غير رغبة الفصيلين الآخرين وهذا يؤدى الى فتن فى الشارع. وإذا طلب الفصيل المسيحى مثلا ان يوضع فى الدستور نص تقسيم الادارة تقسيما دينيا بأن يوضع نص فى الدستور يقول ان محافظة كذا يتولى ادارتها محافظ مسيحى ومحافظة كذا يتولاها محافظون اسلاميون فإذا نص على ذلك فى الدستور فهذا يؤدى إلى تناحر وفتنة فى المجتمع فإذا رضيت كل قوى بما ترغب وتهوى فى الدستور على غير رغبة الفصائل الأخرى سيؤدى هذا الى التناحر، وكما أن المادة «4» من الدستور هناك فقرة تنص على ان يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالازهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وليس آراء الفقهاء كما ان هيئة كبار العلماء ليس فيها الا استاذ فقه او إثنين.. فالدستور به تناقض فيما يتعلق بهيئة كبار العلماء فالمادة 219 تنص على ان مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل ادلتها الكلية وقواعدها الاصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب اهل السنة والجماعة فكيف يؤخذ رأى هيئة كبار العلماء وبينهم استاذان فقط للفقه وباقى العلماء فى تخصصات اخرى فحتى لا يحدث تعارض يجب ان تكون هيئة كبار العلماء من اساتذة الفقه وليس من حق فصيل ان يدعى انه يعرف الحق المطلق او انه يعرف حكم الله عز وجل كما ان القرآن اتى يحمل وجوهاً متعددة ويرتضى لنا ان نعيش بأى من هذه الوجوه فالقرآن ورسول الله منعوا المسلمين وعلماء المسلمين وفقهاء المسلمين ان يتكلموا عن الله حكما والزمهم ان يتكلموا باسم انفسهم لا باسم الله قال تعالى «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون» فكيف بى ان اقول هذا ما حرمه الله وهذا ما أحله الله لا أتكلم باسم الله والصواب ان اقول هذا اراه حراماً من وجهة نظرى الفقهية، و كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍاً أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِى خَاصَّةِ نَفْسِهِ ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: « وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلا تُنْزِلْهُمْ ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ مَا يَحْكُمُ اللَّهُ فِيهِمْ ، وَلَكِنْ أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ ، ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدَ مَا شِئْتُمْ» ثم قال الله يغار الم تر قول سعد بن عبادة لرسول الله: لو أنى رأيت مع أهلى رجلا أنتظر حتى آتى بأربعة؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نعم» قال: لا والذى بعثك بالحق لو رأيته لعاجلته بالسيف، فقال: «انظروا يا معشر الانصار ما يقول سيدكم ان سعد لغيور وانا اغير منه والله اغير منى». وهذا دليل على ان الله يغار فكيف بنا ان ننصب واحداً من البشر وكيلا عن الله فى ارضه ووسيطا عن الله فى ارضه وعازلاً عن وحدانية العبد لربه فان وحدانية العبد لربه تستلزم انه لا واسطة بين العبد وربه. ■ ما معنى العلمانى من وجهة نظر الفقه وكذلك الليبرالى؟ - بالحديث عن المصطلحات سيتوه عامة الناس فذكر هذه المصطلحات والتلاعب بها الغرض الاساسى منها الوصول الى تأييد وحشد تحت أى راية فالحشد الطبيعى والذى يحترم فى الإسلام يأتى بالقناعة والفكر والاقبال الذاتى وليس بسرقة العقول فمن حق كل انسان ان يظهر ابداعاته ويظهر برنامجه وما يرغب فى اعطائه للناس حتى يجمع اصوات العامة وهذه هى المنافسة الحقيقية فمتى تكون المنافسة غير شريفة عندما لا أبرز منطقى ولكن اهدم غيرى فاأقول اياكم والآخرين فليس أمامكم سواى فهذه المنافسة يمقتها الإسلام. ■ وجدنا من صفات قادة التيار الإسلامى الكذب فهل من صفات المسلم الكذب؟ - ليس من صفات المسلم او غير المسلم الاصيل الكذب فالكذب صفة خسيسة انسانيا قبل ان تكون صفة خسيسة اسلاميا لأن الإسلام لم يأت بجديد عندما قال «اتقو الله وكونوا مع الصادقين» ولأن الإسلام جاء يؤكد اصالة الإنسان بالصدق بهذه الآية.. فالإنسان الخسيس سواء كان مسلم او غير مسلماً فهو اللذى يكذب وتتدرج درجة القبح للشىء بحسب درجة صاحبه فاذا كان موضع صاحبه من المفترض ان يكون من أصحاب الفضيلة فدرجة قبحها اشد فى المجتمع وعند الله وكذلك عقابها عند الله أشد. ■ ما صفات علماء السلطان من وجهة نظر اهل الفقه؟ - علماء السلطان هم العلماء الذين يبررون للسلطان كل ما يقوله.. فإن اتخذ السلطان قرارا ايدوه فيه وان رجع فى القرار ولو بعد دقائق ايدوه فيه فهؤلاء انكشفوا لدى العامة من الناس بأنهم مبررون وليسوا علماء ولكن انصح السلطان بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الصديق من يصُدقك وليس من يُصدقك» فالصديق الذى وظيفته يبرر لك ايها السلطان فهو مصدر خطر بينك وبين الله ونصيحة اوجهها للعلماء لا يصح أن يكون خطابكم موجها لطرف دون الآخر وتكونوا منحازين لطرف على حساب آخر. ■ ما هى مواصفات رجل الدين الذى يجب على الشباب اتباعه؟ - لا يوجد فى الإسلام رجل دين ومن ينصب نفسه فى الإسلام رجل دين ربما يكون من الشرك فالرجل الذى يتكلم باسم الإسلام رجل علم وليس رجل دين ومن مواصفاته ان يكون امينا وصادقا ومقبولا لدى الآخرين وما يهمنا هنا الصفات الموضوعية وهى ان يكون عالما علما حقيقيا وليس علما قشريا كل المهن طورت نفسها حتى ابدعت وفى طريقها الى الابداع الاعلى الا مهنة رجل العلم بالدين فمهنته لا تزال قزما امام تطور المهن الأخرى فمهنة الطب مثلا اصبحت فيها تخصصات الباطنة والانف والاذن. وعلى الجانب الآخر نجد من نصب من نفسه عالما اسأله فى التفسير سيجيب وفى الحديث سيجيب وفى الفقه سيجيب، وكذلك فى السياسة وهنا تكمن الكارثة فتحت دعوى الرحمة قتلنا العلم فكل أصحاب المهن الأخرى خدموا الإنسانية الا رجال العلم بالدين فهم حريصون على تجهيل المجتمع بالدين فمتى يعلم الناس ان هناك تخصصات فى الدين وفى الحديث والفقه والعقيدة والتفسير نشر بتاريخ 24/12/2012 العدد 628