اتصلت بي صديقتي القريبة جدا من نفسي مساءً بينما كنا نتحدث صباحاً و في لهجة هادئة تحاول أن تخفي خلفها بركاناً من الغضب .. شعرت به من أول "آلو " سألتني: حنان إنتِ فين ؟ وفي لهفة تمتزج بانزعاج وخوف وتوقع أجبتها:أنا في البيت ياحبيبة .. مالك ؟! قالت وتخشي إزعاجي بينما يختنق صوتها بالبكاء: لأ عادي .. مافيش حاجة عاوزة أتكلم معاكي شوية .. بادرت بسرعة وأنا أنهض من نومي : يالله يا حبيبتي منتظراكي..وصلت في دقائق بسيطة شعرت معها بأنها لا تقوي علي الصمت أكثر .. طلبت مني أن نخرج في الهواء الطلق تشعر باختناق، لم تنتظر أن أسأل ماذا حدث ! بادرت تقص علي ما ابتلاها به الله وكلما تحدثت تساقطت دموعها غزيرة، كما لو كانت تمنعها منذ شهور بل سنين هي عُمر زواجها بكت وطفلتاها أيضاً..راح صوتي ألماً علي حالها وهي تتمتع بجمال أبرزه الله بدقة و أخلاق نادرة و علي رجل وهبه الله هذه النعم وقابلها بكل جحود وتكبر وافتراء ، ومع حديثها جال بخاطري هذا الرجل الذي ملأ أحلامنا في الصغر ..صاحب شخصية قوية متزن بينما مع زوجته حنون دافئ لدرجة الانصهار .. يشعرها بالأمان الذي تركته في بيت أبيها بحثاً عنه بغزارة في دفء أحلامهما معا .. وتصطدم بعنف نفسي يختنق معه الحلم .. يبحث معه الرجل عن إثبات ذاته المريضة وقد دعمها أهله ..وعدت بأفكاري أنصت إليها وتخرج من حديثها تحذرني بين الحين و الآخر :لا تصمتي هكذا .. ولن أسمع منك عبارات العقل والمنطق و لن أهدأ..أخبرتني بأنه أراد ترويعها أكثر من كل مرة فهددها أن يذهب بها إلي المأذون و أنه سيطلقها لا محالة !! وصدقني أيها القارئ الكريم تنتمي إلي أسرة عريقة عملت في مجالات السلك الدبلوماسي والقضاء والجيش والشرطة والطب أيضاً وهذا ما أثار تعجبي ، كيف تهان بنات الأسر إلي هذه الدرجة ؟! زوجها كثير التهديد لها بالانفصال دون أيةهأسباب بل اقتادها فعلاً إلي المأذون الذي سمع حديثه الفارغ وحديثها الذي امتلأ بالصبر فصب علي الزوج ما لم يسمعه له أهله منذ ولادته ، واصلت حديثها معي : لا أشعر بأنه يمكنه تحمُّل المسئولية .. لا ينفق علي بيته نهائيا ، يغيب عن المنزل أيام وأسابيع وإذا عاد للبيت فيقيم لدي أبويه في الطابق السفلي من منزلهما ! أخبرها المأذون بأنه لا فائدة فيه لأن المشكلة لديه من أسرته .. الأسرة التي تطعمه القسوة علي زوجته وبناته ونسيت أن هنالك ربا كبيرا يقوي علي تدميره وأسرته ، استطاع الزوج الشاب أن يحول نظرات الحب العميقة والإعجاب إلي شعور بالمرارة والاحتقان ، كانت لديه القدرة الغريبة علي هبوطه من عين زوجته المحبة .. سقط من نظرها وهم في مقتبل العمر .. في مجتمعنا الشرقي الذكوري تظل الأم ترضع ابنها حقدا علي زوجته في المستقبل ! يسقيه أبوه احتقانا من أسرتها .. ويدخل الابن في حالة حرب لابد وأن ينتصر فيها.. أخبرتني ضمن حديثها جملة يرددها والد الزوج لابنه دائما يخيره فيها بينه وبينها ! ولم أستطع أن أمنع ضحكي ! هذا هراء ، تلاعب بمستقبل أسرة صغيرة يكمن حلمها في السعادة البسيطة .. ويا حضرة الزوج المحترم وأمثالك لم يعد هنالك مثل هذه الزوجة بكل معاني الكلمة ويا ليتك تتفهم نتيجة الكارثة التي ترسم ملامحها بيدك و وقعها علي أطفالك في المستقبل ، كم أتمني أن يرتكز حديث علماء الدين و أئمة المساجد علي إنقاذ الأسر الصغيرة بتوجيه مستمر من خلال خطب الجمعة و الحوارات التليفزيونية ، أتذكر صديقة أخبرتني بأنه إذا حدث خلاف بينها وزوجها تنتظر واثقة أنه سيعود من صلاة الجمعة وقد عرف خطأه .. فعودة إلي خطبة الجمعة التي تصلح الكثير من مشاكل الأسرة والمجتمع . حنان خواسك