"صدمة دولارية" عكسية

في عام 1958، أعلنت الولايات المتحدة، أن أي شخص يمتلك 35 دولارا أمريكيا يمكنه استبدالها من البنك الفيدرالي الأمريكي بواحد "أونصة" ذهب، الأمر الذي جعل جميع الحكومات على مستوى العالم، تحرص على جمع أكبر عدد من العملة الأمريكية، طالما كان لها غطاء من المعدن النفيس. لكن في العام 1971، أعلن الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، عن إلغاء تحويل الدولار إلى ذهب، فيما عرف وقتها بصدمة نيكسون، أو الصدمة الدولارية!

وفي ذلك الوقت، كانت جميع الحكومات قد تورطت بالفعل، بعد أن رسمت خططها الاقتصادية للتعامل بالدولار، بعدما صار العملة الرئيسية في الاحتياطات النقدية للبنوك المركزية، وبالتالي لم يكن هناك مجالا للتراجع، وأصبح الدولار أمرا واقعا لا يمكن استبداله بأي حال، ومن هنا بدأت الهيمنة الأمريكية، ممثلة في عملتها الدولارية، على اقتصادات العالم كله، وذلك حتى يومنا الحالي.

ولفهم الواقع أكثر، يمكننا تخيل أن أمريكا أصبحت تطبع ما تشاء من الدولارات، دون وجود غطاء لها، وتشتري بها أي شيء من أي دولة في العالم، دون أن تملك الأخيرة الحق في رفض العملة الخضراء، وكيف ترفضها وجميع الحكومات بالفعل تتعامل بها!

وفي مواجهة هذه الخديعة الأمريكية، حاولت بعض الدول، التي لا تبطن ولاء للولايات المتحدة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، تنفيذ تكتل اقتصادي جديد، يلغي التعامل، على الأقل فيما بينها، بالدولار، لتبدأ المفاوضات في 2006، قبل أن تعقد أول مؤتمر قمة لها في 2009، تحت مسمى "بريك"، وذلك قبل انضمام جنوب أفريقيا لها في 2010، ليتغير اسم المجموعة إلى "بريكس".

لكن ظلت مصر بعيدة تماما عن هذه المجموعة، رغم أنها كانت أول من فكر في تأسيس مجموعة دول عدم الانحياز، في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهي لها الأفكار نفسها التي قامت عليها مجموعة "بريكس"، لكن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد تراجع الدور المصري عالميا، بينما كان العقد الثاني مليئا بالثورات والأحداث السياسية، ليأت العقد الثالث، وتحديدا في عام 2023، وقبل أيام، لنشهد دعوة مصر من قبل مجموعة "بريكس"، للانضمام الرسمي لها، وذلك في يناير 2024، مع ست دول أخرى، وهو ما سيؤدي إلى صدمة دولارية عكسية، لكنها هذه المرة ضد أمريكا، التي ظلت لنحو خمسة عقود تضحك على العالم وتأخذ خيراته دون مقابل، إلا من ورقتها الخضراء، التي لا تكلفها إلا أوراق وأحبار الطباعة.

لا شك أن دعوة مصر للانضمام للمجموعة، له دلالات عديدة، منها تعزيز الفرص الاستثمارية والتصديرية والتدفقات الأجنبية وتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، كما أن انضمام مصر لعضوية بنك التنمية الجديد، "البنك الخاص بتجمع بريكس"، يمكن أن يوفر المزيد من الفرص التمويلية الميسرة للمشروعات التنموية، وبالتالي يمكن التخلي تدريجيا عن صندوق النقد الدولي، وسداد القروض بطريقة أسهل وأسرع، مع توافر العملة الخضراء، نتيجة تخفيف الضغط عليها، بعد العمل بالعملات الوطنية داخل تجمع بريكس.