الشيخ “رفعت" كان ضحية مفهوم ضيق وقاصر للدين، حيث إنه عاصر زمن الاسطوانة والتسجيلات الإذاعية وكان بالفعل فى طريقه لتسجيل القرآن كاملاً بصوته لولا أن هناك من قال له يا مولانا كيف تأمن على تلك الاسطوانة أنها لا تُسمع فى مكان لا يوقر فيه القرآن فلم يتحمس الشيخ الجليل للتسجيل.. قيل أيضاً إن هناك خلافاً فى الأجر حال بين الشيخ وتسجيل القرآن فى الإذاعة المصرية الوليدة عام 1934 لأنه وافق فى نفس الفترة الزمنية على تسجيل صورة “مريم" لإذاعة البى بى سى اللندنية وكان يعتقد أن هذا محرم لأنهم غير مسلمين إلا أنه سأل شيخ الأزهر الذى أباح له التسجيل.. ورغم ذلك فأنا لا أستبعد التفسير الأول لأن من المعروف أن الشيخ “رفعت" كان من الممكن أن يحيى ليلة بتلاوة القرآن لعائلة فقيرة لمجرد أن هذه كانت هى وصية المتوفى ولهذا فقد يتسامح مادياً مع الإذاعة المصرية ويسجل القرآن لا أستبعد أن العقول التى تكره دائماً المستحدثات العلمية وتناصبها العداء والتى ترى دائماً أن الجديد ينبغى أن يواجه بنظرة التحريم. أتصور أن الشيخ رفعت تعرض لذلك النوع من المنع الذى يستند إلى مبدأ لا تقربوا الشبهات فاعتبر أن الاسطوانة أو تسجيل القرآن على أشرطة إذاعية من الممكن أن تؤدى إلى عرضه فى أماكن غير لائقة بجلال القرآن ولهذا فإن ما تبقى من تسجيلات على ندرتها فى الإذاعة تمت معالجتها هندسياً كما أن الشيخ الراحل “أبو العينين شعيشع" شارك فى استكمال بعض الآيات التى من الممكن أن تضيع فيها بعض الحروف لأن هذه التسجيلات التى أعدها الهواة كانت فى الهواء الطلق وتمت فى مرحلة لم تكن التسجيلات الصوتية بهذه الكفاءة ولم يكن الشيخ “رفعت" على علم بذلك وكم فقد الإسلام بل والبشرية صوت الشيخ “رفعت" بسبب تلك النظرة القاصرة. ولم نفقد فقط صوت الشيخ “رفعت" بل إن “أم كلثوم" كانت تتمنى تسجيل القرآن كاملاً بصوتها وهى بالطبع استندت إلى ثقافتها وتدرب صوتها على الأداء القرآنى كما أن لها تسجيلاً لآية من الذكر الحكيم فى فيلم “سلامة" ولم يعترض وقتها أحد فى منتصف الأربعينيات متعللاً بأن صوت المرأة عورة ولكن الأزهر الشريف اعترض على رغبة “أم كلثوم" التى امتثلت إلى الأزهر.. الموسيقار “محمد عبد الوهاب" وثقافته أيضاً دينية وكان يحفظ القرآن الكريم على يد شقيقه الكبير الشيخ “حسن" إلا أنه لم يجد ترحيباً من الأزهر.. كان قد تردد قبل ثلاث سنوات أن “نجاة" تريد تسجيل القرآن وأنها تقدمت للأزهر بهذا الطلب وعندما استفسرت مباشرة منها عن صحة هذا الخبر حيث أن الفنانة “نجاة" معتزلة ليس فقط الغناء ولكنها معتزلة أيضاً التواصل الإعلامى إلا أنها قالت لى وقتها إن الخبر لا أساس له من الصحة وإنها على حد قولها لم تشأ تكذيبه لأن الخبر الكاذب يموت مع الزمن. فى السنوات الأخيرة لدينا أكثر من مطرب فكر جدياً فى تسجيل القرآن بصوته مثل “على الحجار" و“محمد الحلو" وأخيراً إيهاب توفيق". لست أدرى ما هو موقف الأزهر ولكن من الواضح أن كل المحاولات السابقة باءت بالرفض بالطبع لو ثبت أن هناك خطأ ما فى الأداء لا يجوز طرح الأسطوانة أو الشريط للجمهور ولكن هل المطرب ليس من حقه لكونه مطرباً أن يسجل القرآن بصوته؟! وهل تسجيل القرآن يعنى فى نفس الوقت اعتزاله نهائياً الغناء.. أسماء الله الحسنى سبق وأن أداها الشيخ “سيد مكاوي" و“هشام عباس" ولم يعتزل أى منهما الغناء بعد ذلك بكل أطيافه. أتصور أن الأزهر الشريف ينبغى ألا يفرض قيوداً على من يريد تسجيل القرآن إلا فقط حسن الأداء ويكفى أن نعلم أن أفضل من قرأ القرآن الشيخ “محمد رفعت" درس وتمرس على أداء المقامات الموسيقية.