لا ينطبق عليهم وصف الملكيين أكثر من الملك، بل هم الملكيون ضد الملك، والمقصود هنا هؤلاء الذين يتصورون أنهم يدافعون عن الرئيس السيسى، وهم كالدببة التى تقتل صاحبها، يزورون صورة الرئيس، ويريدون جعله "مبارك" آخر، يخشى النقد، ويحب النفاق البدائى على طريقة ابن الدولة أو "ابن الدايرة". وقد صدمهم الرئيس السيسى عندما رفض صيحات النفاق، وفجاجات الطواقم الأمنية فى احتفال الدولة بعيد العمال، واستهجن وصفهم له بأنه "منقذ" البلد، ورد الاعتبار للحقيقة، وأكد أن الشعب هو المنقذ، وأن الشعب المصرى الذى ثار لمرتين، يمكن له أن يقوم بثورة ثالثة، وهذا الاحترام للشعب هو الذى جعل من السيسى قائدا حقيقيا، فالسيسى هو الوحيد فى نظامه الذى لا يغفل "العروة الوثقى" بين الثورتين، هو الوحيد فى نظامه الذى يذكر ثورة يناير مع ثورة يونيو فى ذات الجملة، ولا يكتفى كمرءوسيه بالتوقف عند 30 يونيو، وتصويرها كما لو كانت ثورة أو انقلابا على 25 يناير، أو كرد اعتبار لنظام مبارك، ورغبة فى وصل ما انقطع مع زمن الانحطاط والنهب العام، فثورة 30 يونيو هى بنت ثورة 25 يناير، ولم يكن للثورة أن تقوم دون نقد الرئيس وتحطيم الأصنام، فالرئيس أى رئيس ليس إلها ولا نبيا ولا سيدنا الحسين ولا السيدة زينب، الرئيس موظف عام، عليه أن يتحمل ضريبة النقد، وكلما زادت السلطة الممنوحة زاد حق وواجب النقد، والكاتب شىء آخر غير "الباشكاتب"، الكاتب طاقة نقد بصيرة نزيهة عارفة، و"الباشكاتب" أشبه بكاتب العرائض على أبواب المصالح الحكومية، يكتب ما يملى عليه، وقد كتب كثيرون ما كان يملى عليهم أيام مبارك السوداء، ويريدون تكرار السيرة البائسة نفسها مع السيسى، ودون إدارك لطبيعة شخصية السيسى النافرة من النفاق، ولا إدراك لمصر نفسها التى اختلف جمهورها، ونفذ صبر ناسها بعد ثورتين عظيمتين، وصارت تركل بالأقدام كل أفاق أثيم. لقد احترقت الصور وشاهت الوجوه، ولم يعد أحد يقبل تكرار اللعبة اللئيمة ذاتها، أو الاختباء وراء "أكليشيهات" من نوع الأمن القومى والحرب ضد الإرهاب، فجماعة المنافقين المحترفين أخطر ما يهدد الأمن القومى، وجماعة الفاسدين المترفين أخطر ما يهدد حرب مصر ضد الإرهاب، وتزوير صورة السيسى أكبر خيانة للرئيس، فالسيسى ليس مبارك الذى نافقوه بذات الألفاظ والمصطلحات و"الأكليشيهات"، السيسى قائد وطنى، ومبارك لم يكن كذلك أبدا منذ تولى الرئاسة، والسيسى ابن تقاليد النهوض والكفاءة والالتزام، والسيسى عنوان النزاهة الشخصية، وليس "أبو الفساد" كما كان مبارك، والذى خدم هؤلاء فى معية مماليكه، وانتفخت ثرواتهم برعاية أجهزة أمنه، وتصوروا أنفسهم كتابا وصحفيين وإعلاميين وقادة رأى عام، بينما هم قبضة هواء وطبل أجوف، و"أراجوزات" فى سامر انفض شعبيا بعد الثورتين، واللتين هما ثورة واحدة متصلة، أتى بعدها السيسى إلى الرئاسة، وبتفويض جوهرى واحد، هو القطيعة التامة مع ما كان قبل الثورة، وعدم السماح بعودة فلول الإخوان ولا فلول المخلوع مبارك. نعم، غلمان مبارك الأب والابن أعظم إساءة للرئيس السيسى، وقد نافقوا مبارك وسايروه وقادوه إلى حتفه، ويتصورون أن بوسعهم تكرار لعنة التأييد المميت مع السيسى، خاصة أن الثورة تبدو متعثرة ويتيمة، لم تقتص أبدا من الذين عاندوها وخانوها، ولم تهل عليهم تراب النسيان، ولم تطهر الإعلام من جماعات المنتفعين، وهم الذين لم يردوا للشعب ما سرقوه، ولا اعتذروا للناس عن حملات التضليل التى شاركوا فيها بحماس لافت، وتصوروا أن كل شىء ينسى بعد حين، وأن ذاكرة الشعوب قصيرة كذاكرة الأسماك، وأن بوسعهم السباحة من جديد فى بحر الضلال والنفاق، مع أن الرئيس لا يطلب خدمات أحد، بل تشينه خدمات هؤلاء بالذات، والذين تعودوا العيش فى حمى أجهزة اللهو الخفى، أو على موائد فتات رجل أعمال من إياهم، وانظر قليلا من فضلك فى دفاتر السيرة الشخصية والمهنية، ولن تتعب فى البحث عن الحقيقة الخارقة للعين، فأغلب هؤلاء يعملون ويراكمون لحم أكتافهم وأصداغهم من العمل فى فضائيات وصحف وأحزاب مليارديرات النهب، وقد سيطر هؤلاء على غالب مجالات الكلمة المرئية والمسموعة والمقروءة، ونشروا حالة مفزعة من الخبل و"الهطل" فى الإعلام المصرى، وجعلونا "مسخرة" للعالمين، وتصوروا أن بوسعهم احتواء الرئيس، وتقييد تحركاته وقراراته، ومنعه من المساس بامتيازات البيروقراطية العفنة ومليارديرات المال الحرام، ودفعه للتصالح مع الفساد، بدعوى أولوية الحرب ضد الإرهاب، مع أن الفساد أخطر من الإرهاب، فالإرهاب يقتل أشخاصا، والفساد يقتل البلد. والرئيس السيسى لا يحتاج إلى نفاق المنافقين، ولا إلى وسطاء بينه وبين الشعب، فلدى الرجل شعبية هائلة غير مسبوقة منذ زمن جمال عبد الناصر، وقد يغضب الناس أو يسخطون لألف سبب واقعى فى حياتنا الآن، قد يغضبون من السيسى نفسه، لكنهم يأملون فيه خيرا، ويريدون التفاتا وانحيازا أعظم لهموم الفقراء والطبقات الوسطى، ويريدون تحطيم تحالف مماليك البيروقراطية والنهب، يريدون كنس الفساد وتوزيع الشعور بالعدالة، ودك معاقل الظلم وإنصاف المظلومين، فالعدل أساس الملك، والشباب ثروة مصر العظمى، وعشرات ملايينهم تحتاج إلى فرص عمل وحياة حرة كريمة، وليس إلى حكومات تخدع الناس بتصريحات ووعود الذهب "الفالصو"، ولا إلى أجهزة تقمع الشباب، وتحاسبهم على كل آهة غضب أو زفرة ضيق سلمى، فقد فات الزمن الذى كان ممكنا فيه تكميم الأفواه، والكاتب الحق هو الذى يلتفت إلى غضب الكادحين والمهانين، الكاتب الحق هو الذى ينتقد وينحاز لغضب الناس، وليس الذى ينافق طمعا فى رضا الحراس، والرئيس الحق هو الذى يلتفت إلى النقد ويتقبل صحيحه، ويكسب ناقديه ويرجم المنافقين، فالنفاق يخصم من شعبية الرئيس.