في العصر الحديث سمعنا عن أفراح تقام بملايين الجنيهات، ملابس من أسبانيا وراقصات من بلغاريا ومطربين ب«الدستة» وطعام من هنا وأموال تنفق هناك، البنود كثيرة ومن يملك سدها لا حرج عليه ولا لأحد أن يلوم فعلته، ولكننا لم نسمع قبل ثلاثة أيام عن حفل زفاف على جثث الملوك الأجداد، لم نسمع يوماً أن أحداً تجرأ واستأجر معبد من بابه ليحتفل بزفاف نجله، لم نكن نتوقع أن نستيقظ ذات صباح على صور شباب وشابات يتراقصن ويقبل كل منهما الآخر على وقع الأغاني الشعبية وبالقرب ملوك يمثلون رأس حربتنا في الترويج لمقوماتنا السياحية. «الحاذق وشتا» عائلتان لهما باع طويل في مجال السياحة والبترول، لهما العديد من الاستثمارات في هذين القطاعين، إلا أن صيتهما وسيرتهما لم تكن على لسان العامة قبل هذا الأسبوع، الذي شهد تنظيمهما حفل زفاف محمود الحاذق، ابن شقيق رجل الأعمال عماد الحاذق، على عروسته جنان، نجلة رجل الأعمال هشام شتا لمدة 3 أيام بمحافظة أسوان وسط حضور كوكبة من نجوم المجتمع من مختلف المجالات.
جانب من فرح الحاذق وشتا
قبل الحفل بشهرين تعرضت المحافظة لحالة طوارئ غير مببرة فظن الأهالي أنه هناك زيارة من أحد القيادات بالدولة أو مؤتمر ستعقده المحافظة لجذب مزيد من الاستثمارات للمحافظة السياحية الشهيرة، فالشوارع الرئيسية مغلقة لرفع حالتها، والميادين أعمال النظافة فيها لا تنقطع، والمواصلات العامة محددة بأوقات معينة، وكلما سأل المواطنون عن سبب هذا، كانت الإجابة: «عندنا حدث مهم».
قد يعجبك: ولاد مين فى مصر.. حفل زفاف الحاذق وشتا يستفز المواطنين ويُغلق أسوان لمدة شهرين (صور)
الحدث المهم ليس إلا حفل زفاف على الطريقة الملوكي كما كنا نسمع في الأساطير قديما، عائلتان من أكبر عائلات مصر قررا نقل أصدقائهم وأهلهم من داخل مصر وخارجها إلى محافظة أسوان لإقامة حفل زفاف من ثلاث ليال متصلة، على أن يتم تقسيم الليالي بين المعابد والمواقع الأثرية وأحد الفنادق الشهيرة، وقتها تخيل المواطنون أن ما يسمعوه لا يتخطى الشائعات التي لا تنقطع منذ قيام ثورة يناير، وأن أعمال الإشغالات بالمحافظة ما هي إلا تنفيذ لخطة المحافظ التي تحدث عنها في بداية عهده لرفع كفاءة الشوارع استعداداً للموسم السياحي، إلا أنهم مطلع الأسبوع الحالي اكتشفوا أن كل ما سمعوه ليس إلا جزء بسيط من الحقيقة.
معبد فيلة الذي يقع وسط مياه نهر النيل ويحج إليه السياح من كل حدب وصوب، وقع تحت أثر احتلال العائلتين فأقيم بداخله واحدة من الليالي الثلاث، أضواء مسلطة على الآثار، أماكن مخصصة للتراقص على جثث سكان المكان الأثري الرفيع، مكبرات صوت توقظ الفراعنة من سباتهم، فتحول المعبد إلى ما يشبه الملهى الليلي، وبات المشهد برمته مستفزاً وعاكساً للطبقية الضاربة بجذورها في المجتمع المصري.
قبل ثلاثة أسابيع، كان قد أقيم حفل مشابه بمعبد الكرنك، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب النشطاء بإحالة المسئولين عن الأمر للتحقيق، نظراً لخطورة إقامة مثل تلك الحفلات بالمواقع الأثرية، ومدى انعكاس ذلك الأمر على صورة مصر السياحية.
الضريبة التصاعدية لتحقيق السلام الاجتماعي يقول رئيس قسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة الإسكندرية الدكتور علي الحبالى: «إن كلما مر الوقت على المجتمع المصري كلما برزت الطبقية بصورة صريحة وواضحة، ففي آخر 10 سنوات كان المجتمع ينقسم إلى ثلاث طبقات الأغنياء – الوسطاء – والفقراء، و الآن أيضًا نعيش في ثلاث طبقات لكنها تنقسم إلى الأغنياء والفقراء وشديدي الفقر».
وأكد على الجبالي ل«صوت الأمة» أن حفل زفاف معبد الفيلة الذي تكلف أكثر من 25 مليون جنيهًا خير دليل على انتشار الطبقية لأن مراسم احتفاله أقيمت في الوقت الذي يلجئ فيه أبناء الطبقة الفقيرة إلى الاكتفاء بعقد قران في بيوت أهاليهم، لافتًا إلى أن مثل هذه الأمور تؤدي إلى انتشار البغيضة والحقد بين أبناء المجتمع. وأشار رئيس قسم الاجتماع بجامعة الإسكندرية، إلى غياب القواعد والقوانين التي تنظم توزيع الأموال بين طبقات المجتمع، حتى لا يحصل البعض أموال باهظة يدفعها الفقراء في المجتمع، لافتًا لضرورة تعديل نظم دفع الضرائب إلى الضريبة التصاعدية للمحافظة على السلام الاجتماعي .
رجال أعمال ذهب علقهم في سياق متصل يقول النائب محمد سليم عضو مجلس النواب عن دائرة أسوان ل«صوت الأمة» إن هذه الحفلات سفه ليس له أي قيمة سواء إضاعة الأموال في الهواء، لافتًا إلى أمكانية حل مشكلات "العنوسة" بهذه الأموال.
وأكد عضو مجلس النواب عن دائر كوم أمبو بأسوان، على ضرورة الوعي بكيفية تصريف الأموال بما لا يؤثر سلبًا على المجتمع، ففي حين اندثار الطبقة المتوسطة يظهر حفل زفاف على مدار ثلاث أيام ، واصفًا مقيمي الحفل بأن «عقلهم ذهب منهم».