العبقرية قد لا تكون دائما فى اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، لكنها قد تتجلى فى اختيار الشخص المناسب فى المكان المناسب أيضا. هكذا فعل هشام رامز محافظ البنك المركزي، عندما منح الدكتور رانيا المشاط وكيلة البنك المركزى لشئون السياسة النقدية، ملف الدولار كاملا، بعد استقالة نضال الأعصر نائب المحافظ للسياسة النقدية نهاية العام الماضي، والذى كان مسئولا عن ملف الدولار، (بلغ ثمانية جنيهات فى السوق السوداء) حتى تاريخ تركه للخدمة، وقيل وقتها أن الحد الأقصى للأجور كان دافعا للاتجاه نحو المرتب الأعلى فى مكان آخر. لم يمضs على تولى المشاط ملف السياسة النقدية (الدولار) فى مصر أكثر من أربعة أشهر، حتى أصدر المركزى العديد من القرارات التى استغربها العديد من المراقبين والاقتصاديين ورجال الأعمال والمستثمرين، فقد كان التفكير خارج الصندوق إحدى سمات المشاط، والتى حصلت على موافقة محافظ البنك المركزى على هذه الخطوات قبل تنفيذها بالفعل. ولأول مرة من سنوات طويلة، يتراجع سعر صرف الدولار فى السوق الرسمي، بعد أن عاشت أجيال وماتت أجيال وهى تعتقد أن الدولار لا يعرف سوى الصعود فقط فى خانة سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري. ورغم المفاجأة التى وضعت علامات الذهول على وجوه المراقبين، إلا أن هشام رامز كان الوحيد الذى لم تظهر عليه علامات الذهول أو المفاجأة، فهو يعرف كيف يدير فريق العمل الذى يدير واحد من أهم القطاعات الاقتصادية فى مصر. المشاط التى تلقت أول صدمة فى حياتها عندما كانت بعمر ال 16 سنة وقت أن انهت شهادة دبلومة بعد الاعدادية تؤهلها للجامعة فى سنة واحدة، وكانت تحلم بالحصول على الدكتوراة فى سن قياسى، فوجئت بقرار من وزير التعليم العالى يحدد دخول الجامعة بعد ثلاث سنوات من الحصول على الإعدادية، وبدلا من أن تدخل كلية الاقتصاد جامعة القاهرة، حيث والدها الدكتور عبدالمنعم المشاط وكيل الكلية، دخلت كلية الاقتصاد بالجامعة الأمريكية. تفاصيل القرارات التى اتخذها البنك المركزى منشورة ومعروفة، ورغم أنها دفعت إلى استقرار الجنيه المصرى، واستعادته لجزء من هيبته المفقودة حتى ولو بخمسة قروش لصالح الجنيه، أمام الوحش الكاسر (الدولار)، إلا ان هذه القرارات فتحت عليها وعلى البنك موجة من الهجوم شنه أباطرة السوق السوداء، والمنتفعين من عمليات «تخزين» الدولار، فضلا عن مستوردى السلع «التافهة». لكن وحتى كتابة هذه السطور ما زال هشام رامز صامدا أمام حملات التشويه، بفضل مساندة القيادة السياسية لقراراته واختياراته، لكن يبدو أن هؤلاء وجدوا فى الدكتورة رانيا المشاط ضالتهم، وقرروا شن حملات من نوعية كيف لامرأة أن تقود السياسة النقدية، ثم بدأوا فى استخدام عبارات «لا بارك الله فى أمة تحكمها امرأة» وهو حديث موضوع، لكن السلفيين لا يتوروعون أحيانا فى استخدام أى شئ طالما يحقق مصلحتهم، ويكفى أن نعلم أن أغلب شركات الصرافة، وبالتالى تجار السوق السوداء «من ذوى التوجهات السلفية والإخوانية. الدكتورة رانيا المشاط اعتذرت عن الإدلاء بأى تصريحات من أى نوع فى شأن السياسة النقدية للبنك المركزي، وطلبت منى الرجوع لمحافظ البنك المركزي، وهو أمر احترمته، رغم عدم اقتناعى به. المشاط شخصية قريبة جدا من شخصية العظيمة أم كلثوم، فهى تستطيع أن تستخدم الظروف المحيطة بها مهما كانت وتطوعها لمصلحتها، وأهدافها، فيخرج العمل مميزا، ناجحا، من حيث لا يتوقع المنافسون أو قل الخصوم فى أحيان كثيرة. وما علمناه من المصادر المقربة من المشاط، أنها سألت قبل أيام عن استمرارها فى المنصب، رغم الحد الأقصى للأجور، الذى لا يمنح من هم على نفس درجتها الوظيفية وخبراتها وشهاداتها نفس ما يحصل عليه فى المؤسسات المالية الأجنبية، فردت المشاط وقالت، إذا كان رئيس الجمهورية لا يحصل على ما يستحقه من راتب، وإذا كانت مصر تحتاج منا جهد واخلاص، فكيف نخذلها فى مثل هذا الوقت العصيب الذى تمر به، طبعا لن استقيل، رغم العروض المغرية التى تحاصرها.