ما أجمل أن يعترف الإنسان بالخطأ فرداً كان أو جماعة، وما أسوأ ألا يعالج أسبابه وآثاره، والأسوأ من كل ذلك أن يكابر الإنسان دفاعاً عن هذا الخطأ وتبريره، وخصوصاً التذرع بالمناطق الرمادية في السياسة أو سوء استخدام المبادئ أو القواعد الفقهية أو الشرعية الجميلة في الدين، ومنها القاعدة التي تنص علي: تحصيل أكبر المصلحتين أو دفع أكبر أو أسوأ المفسدتين؛ فالخطأ القاتل لا يكمن في هذه القاعدة الجميلة ولكنه يكمن في الفهم والتطبيق علي أرض الواقع، فضلاً عن أن العقول والأفهام تتباين في ذلك تبايناً واسعاً في ضوء اختلاف القدرة علي الاستنباط والحكم علي الأمور. نقترب من الانتخابات الرئاسية كل ساعة، وسط تغيرات حادة في المواقف، وشراسة وافتراءات واتهامات صحيحة أو باطلة أو ضعيفة، ظهرت أحياناً في المناظرة المثيرة بين أكثر المرشحين شعبية للرئاسة في مصر، أحدهما ينتمي إلي الثورة والثوار وهو د.أبو الفتوح، والآخر ينتمي إلي منظومة الإدارة والحكم السابقة علي الثورة، منظومة مبارك وهو السيد عمرو موسي.. كما زادت الأوضاع سوءاً وحدة بسبب الاتهامات الأخيرة للمرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق، التي وجهها له النائب الشجاع عصام سلطان بإهدار المال العام لصالح جمال وعلاء مبارك، وقد دافع شفيق عن نفسه مصوباً سهاماً مسمومة إلي النائب الشجاع، وهنا تكثر الاتهامات لأنها حروب تكسير عظام، ومنها الشجار والمعركة التي دارت بسبب شفيق نفسه في فرنسا، إذ اشتبك أنصار المرشح الرئاسي المحترم حمدين صباحي مع أنصار الفريق أحمد شفيق عند التصويت أمام السفارة المصرية في باريس، ورأت الشرطة الفرنسية ما لم تره من قبل في انتخابات الرئاسة بين ساركوزي وهولاند في الأسبوع قبل الماضي، وهذا ضمن إنجازات المصريين في الخارج وربنا يسترها أيام الانتخابات في الداخل.. وقد صرح د. أبو الفتوح مؤخراً-حسب مصادر إعلامية- بأنه حال فوزه بمنصب الرئيس، لن يبقي المشير طنطاوي ولا أعضاء المجلس العسكري في مناصبهم، وأرجو ألا يستفز ذلك هؤلاء القوم رغم أن الهدف هو الاستفادة من الكفاءات الجديدة ويحظي أبو الفتوح بشعبية كبيرة تؤهله للإعادة علي الأقل إذا كانت الانتخابات نزيهة ولم يكن هناك تزوير فاضح. ومن المفاجآت في الانتخابات انضمام بعض قيادات إخوانية إلي حملة دعم أبو الفتوح وطالبوا الإخوان بسحب د.مرسي، وطبعاً لن يستجيب الإخوان لهذا المطلب في هذا الوقت الحرج، وقد يعود د.مرسي نفسه إلي الإعلان عن أخطاء أخري ارتكبها الإخوان ولكن بعد فوات الأوان.. فاجأ الدكتور محمد مرسي - مرشح الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة للانتخابات الرئاسية في مصر المشاهدين في قناة cbc في الأسبوع الماضي باعتراف نادر وخطير، رداً علي سؤال من مقدم برنامج- مصر تنتخب الرئيس- عن ثلاثة من أخطاء الإخوان المسلمين منذ ثورة يناير 2011. كان الخطأ الأول الذي ذكره الدكتور محمد مرسي، تسرع الإخوان وإعلانهم ألا يكون لهم مرشح في الانتخابات الرئاسية. كان ذلك الخطأ يوم 2011/2/ 10 أي قبل تنحي مبارك بيوم واحد، ونتيجة لقاءات سرية لم تعرفها معظم القيادات الإخوانية ولقاءات علنية مع نائب الرئيس عمر سليمان، لكن الإخوان برروا ذلك الخطأ مراراً وتكراراً وخصوصاً علي لسان د.غزلان عضو مكتب الارشاد شفاهة وكتابة- بالظروف الداخلية والخارجية، وظلوا يبررون ذلك حتي قبل أيام من ترشيح الشاطرقبل مرسي، ثم تغيرت التبريرات، وزعم نفس الأشخاص بأن الظروف قد تغيرت بما يسمح بترشيح أحد الإخوان للانتخابات الرئاسية، وجاء اعتراف مرسي صدمة لبعضهم وزيادة في التقدير لمرسي عند بعضهم الآخر، لأن الناس- عموم الناس إلا قليلاً- يحبون الوضوح والشفافية ويستجيبون للعواطف كثيراً وخصوصاً عندما قال لهم مرسي؛ "خير الخطائين التوابون" وهو حديث صحيح ولكنه في السياسة دغدغة للعواطف. ويبدو أن الإخوان تعلموا الدرس نوعاً ما، فمن المرات النادرة، أقرأ في جريدة الحرية والعدالة يوم الاثنين 14 مايو 2012 عمودا للدكتور حمزة زوبع بعنوان: أخطاء الإخوان وجرائم الآخرين، ومما جاء في هذا العمود بالنص: جادلني البعض قبل يومين حول أخطاء الإخوان، ورأي وهو محق أنه ما كان ينبغي للإخوان أن يأمنوا جانب العسكر، وأن يعلنوا عدم ترشحهم للرئاسة، وأنهم أخطأوا في تشكيل اللجنة الدستورية وفي الثقة في حكومة الجنزوري وكلها كما أوضحت لهم أخطاء مبنية علي حسن الثقة في الآخر وليست عن سوء قصد وإصرار" انتهي كلام د. زوبع وأنا أقول بكل وضوح إن الذين دافعوا عن هذه الأخطاء وغيرها سياسياً وإعلامياً وتربوياً، ولا يقبلون النقد الذي وجهه لهم الآخرون، إنما ارتكبوا أخطاء واضحة بل إن بعضهم وضع نفسه في خانة من كان مع الناس، إن أحسنوا أحسن وإن أساءوا أساء، وهذا لا يليق بدعوة كبيرة امتدت عمقاً وسعة في الأرض، ولا يليق بقيادة يزين لهم بعضهم كل شيء ويبررون لهم كل شيء، واليوم اختلف المنظر السياسي عند الإخوان تماماً وانقلب الموقف المتشدد للبرلمان ضد الجنزوري وحكومته وتوقفت الملاحقة وإجراءات سحب الثقة، وكل ذلك لا يمكن تبريره بالتغيير الوزاري المحدد، ولا ندري أين قرار حل البرلمان وما إذا كان لا يزال في أدراج المحكمة الدستورية أم تم سحبه من الأدراج إلي طي النسيان.. أما الخطأ الثاني الذي اعترف به د.مرسي «فكان يتعلق بتكوين الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. وكما قال كان يجب أن يراعي في هذا الشأن المزاج العام أكثر»، هذا اكتشاف خطير ولكنه جاء متأخراً بمدة طويلة مما عطل صياغة الدستور، ونتائج ذلك خطيرة علي انتخابات الرئيس بما فيهم د.مرسي في إطار انتخابي صعب دون صلاحيات واضحة.. أخطاء بعضها فوق بعض، إن تعطيل صياغة الدستور والصراع حول تشكيل اللجنة او الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، لا يصب أبداً في صالح الوطن ولا الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وتقع مسئولية التعطيل هذه علي كل من اقترح أو دعم هذا التوجه المعيب الذي أهمل ابتداءً أهل الخبرة والتجربة، اعتماداً علي الأغلبية الساحقة دون النظر إلي أنه من الواجب، أن نبحث عن أمهر الأطباء لعلاج المرض وخصوصاً إذا كان مرضاً عضالاً كالدستور، عموم الناس حتي مع أرقي التعليم والتخصص، لا يستطيعون علاج المرضي إن لم يكونوا من الأطباء بل من أهل التخصص الطبي الضيق. أما الخطأ الثالث الذي أشار إليه د.مرسي فيتمثل في: عدم القدرة لضيق الوقت في القيام بالدعاية الانتخابية والوصول إلي كافة فئات المجتمع". هذه هي الأخطاء الثلاثة التي أكدها د.مرسي في حديثه إلي قناة CBC والاعتراف بالخطأ فضيلة، ومن الضروري التصحيح، وعندما قلنا ذلك من قبل، كابر فيه مكتب الارشاد يقيادته النافذة الضيقة وهذا من ضبابية الرؤية، فالفتنة إذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم وإذا أدبرت علمها العالم والجاهل، ولن تستطيع حركة كبيرة مثل الإخوان أن تتبين الطريق تحت قيادة هكذا دأبها التردد والتخبط والارتباك وخصوصاً في الظروف والمواقف السياسية والأمنية الحرجة، كان هذا هو دأب القيادة في معالجة موقف الإخوان من استمرار الثورة وحسن توجيهها، وموقفهم من الوفاق أو الصراع مع المجلس العسكري وموقفهم كذلك في المواقف الحرجة مثل أحداث ماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد ومجلس الوزراء وتهريب الأمريكا، إذ لا يكفي في مثل هذه الحالات الإدانة كما كان الوضع قبل الثورة، وهي جرائم وأفعال لا يحلها تجميد جلسات مجلس الشعب أو التصويب نحو الحكومة التنفيذية فحسب إن الذي يسعي لأستاذية العالم يجب أن يكون النموذج المقنع في أحرج اللحظات والمواقف.. هذا الخطأ الثالث ليس خطأً حقيقياً لأن الإخوان أكثر التنظيمات الإسلامية والأحزاب السياسية انتشاراً في المدن والقري، ولكن المشكلة فيما يتعلق بهذا الأمر تكمن في شدة المنافسة علي كرسي الرئاسة وتكمن في الخطأ الأول الذي ذكره د.مرسي المتمثل في تردد الإخوان وإعلانهم بلا مبرر بأنهم لن يرشحوا أحداً للرئاسة ثم التردد لعدة أشهر قبل أن يرشحوا الشاطر ثم مرسي، هناك أخطاء كثيرة وقع فيها الإخوان وسيقعون فيها شأنهم شأن بقية البشر، ومن هذه الأخطاء التنافس مثل بقية المرشحين دون الاهتمام بأخلاقيات الترشح مهما كان دعم أو اختيار المنصب الذي يتم التنافس عليه، والخطأ الآخر يتمثل في التحزب مثل الآخرين الذي ينتج عنه إهمال الأصلح للمنصب في ضوء التوقيت والخبرة والتأهيل المناسب، واعتبار أن د.مرسي هو المرشح الإسلامي الوحيد الذي يستطيع إنقاذ مصر مما هي فيه، أو اعتبار أخطاء الإخوان أخطاءً عن حسن النيه و اخطاء غيرهم اجراما و الخشيه الكبري الان ليست في هذه الاخطاء تكمن في تشرذم المرشحين المحسوبين علي الثوره مما فقدينتج عنه تفوق اهل النظام السابق و جينئذ نبك علي اللبن المسكوب دون فائئده و الله الموفق. نشر بالعدد 597 –تاريخ 19/5/2012