إلي آخر ما تم نشره في المقال علي ذات الوجه والمنوال.. ولانني لا أعرف شخص المقصود الذي يقصده الدكتور رشاد كما لا أعرف ما إذا كان فرداً أم مجموعة .. فإنني أكتب هذه النصحية لفضيلته وسأعتبرها النصيحة الأخيرة لإدارة الإخوان المسلمين وقبل أن أخطها سوف أسوق لفضيلته المقدمات التالية: فأما عن المقدمة الأولي فإنه لا يجوز الخلط بين انتقاد إدارة الإخوان وبين جماعة الإخوان المسلمين نفسها .. فالذين ينتقدون في وسائل الإعلام إنما هم ينتقدون إدارة الإخوان لجماعتنا وذلك باعتبار أن الجماعة بالمعني الواسع هي ذلك الكيان الذي يحمل أفكاراً سامية للإمام البنا وللأستاذ التلمساني ... ومن بينهما الأستاذ الهضيبي وهي أفكار لم يخالفها من جاء بعدهم وكانت من أشهر العبارات لهم جميعاً إننا لا نريد أن نحكم بالإسلام ولكننا نريد أن نُحكم بالإسلام.. بضم النون .. فإذا ما دارت الأيام ووجدنا من يتولي أمور الجماعة يدفعها دفعاً إلي الصدام مع مجتمع بأكمله تحت سلوك لا يختلف اثنان علي إدراكه وهو سلوك الاستحواذ والانفراد بالحكم ... فمن حقنا جميعاً أن ننصح الإدارة بأن هذا التصرف ليس من ثوابت الإخوان وبمعني آخر يكون تصرف إدارة الإخوان غير دستوري بالنسبة لجماعة الإخوان... حتي لو وافقهم فيه الآلاف فموافقتهم لا تعني الرضاء بالأمر بقدر ما تعني الالتزام بالأمر ... وهو أمر شرحه يطول.. أما المقدمة الثانية ... فإن إدارة الإخوان لا ينبغي أن تطالب من تركوا إدارة الإخوان المسلمين أو هجروها أو تم فصلهم منها أن يتركوا إدارة جماعة الإخوان المسلمين وشأنها ذلك أن الجماعة تضم من ينتمي إليها ووافق علي مسلك إدارتها كما ينتمي إليها من خرج منها ورفض أسلوب إدارتها سواءً بسواء ... وذلك لسببين .. الأول منهما أن إدارة الإخوان ليس منوطاً بها إدارة الجماعة وإنما المنوط بها هو تحقيق المشروع الإسلامي الذي تؤمن به الجماعة بالمعني الواسع ... ويكون من حق من ارتبط بالتنظيم أن يصحح هذا المسار كما أن هذا الحق لمن ترك التنظيم سواء بسواء ... لاننا جميعاً ندافع عن مشروع واحد ولسنا أمام حالة من حالات التعصب الكروي فنشجع اسماً مجرداً ونتحمس له ... ولكننا نتحرك من واقع فهم متكامل لمعني " عباد الرحمن " من الذين ينتظرون أن يمن الله عليهم ويجعل منهم أئمة ويجعلهم الوارثين ..... وإننا قد رأينا في جماعة الإخوان المسلمين هذا الأمل .... فالتزمنا بها وأيدناها إلا أن الالتزام كان للمبادئ وليس للإدارة فإذا ما حادت الإدارة عن المبادئ فعلي الجميع أن يعملوا علي تقويمها وأن يضع لها طريقاً للنجاة ... وهذا واجب شرعي.. أما المقدمة الثالثة... فقد يكون الذين يواجهون إدارة الإخوان علي صواب فيما يقولون ... وقد يكون بعض ما يقولون به هو من باب الخطأ ... أو حتي قد يكون كل ما يقولون به هو الخطأ عينه ... إلا أن هذا لا يبرر أبداً اتهام النوايا بأنها تحمل الغل والحقد أو اتهام بعض المذيعين بأنهم يريدون شراً بالإسلام.. إلي آخر ما ورد بالمقال من اتهامات.. واعتقد أيها الدكتور الحبيب أن أسلوب اتهام النوايا قد انتهي عصره وأعتقد أيضاً أن الرأي لا يناقش إلا بالرأي ... واعتقد أولاً وأخيراً أن الإسلام قد نهي عن اتهام النوايا ... ولم يلجأ رسولنا الكريم «صلي الله عليه وسلم» إلي اتهام النوايا حتي وهو يناظر الوليد بن المغيرة نفسه ... لقد انتهي يا أخي ذلك الفهم الذي يحتكر الحق والحقيقة أو يخاطب المخالفين بصوره تحذرهم من يوم الحساب وكأنهم ارتكبوا أكبر الكبائر حينما اختلفوا مع إدارة الإخوان .. ومن أجل ذلك كنت أتمني ألا أقرأ في مقالكم عبارة نصها " أنسيتم يوم اللقاء ؟ ... أنسيتم يوم الحساب.. أحسب أنكم نسيتم كل هذا؟" ذلك أننا نستطيع أن ندرك من خلال هذه العبارات أن سيادتكم علي يقين من أن هؤلاء المنتقدين لإدارة سيادتكم للجماعة ... سوف يتقابلون مع نتيجة جرمهم يوم القيامة .... وأنهم يفعلون ما تشيب له الولدان من آثام وذنوب ... وهذا اليقين الذي تحمله الفاظكم يساوي عند أهل المنطق ما يسمي باحتكار الحقيقة ... مع أنه كان من الأولي بفضيلتكم أن تذكر رأيا واحداً لهؤلاء الذين تركوا إدارة الجماعة ثم نادوا بشيء تنكره الشرائع .. أو العقول ... ثم يتم الرد عليهم بحجة تقبلها الشرائع والعقول .. أو أنك قد لا يمكنك الرد عليهم ... ويشعر القارئ بأن العقل والمنطق مع من خالفك الرأي وليس معك ... وهذا هو المنهج المقبول .... الذي تعلمناه من الإسلام ومن مجدد هذا القرن الإمام حسن البنا وأنظر إليه وهو يجادل دعاة القومية ودعاة الوطنية .. جدلاً رفيعاً ينتهي إلي الإتفاق حول معني ما يقولون رغم أنهم كانوا يهاجمون دعوة الإخوان ... أما المقدمة الرابعة .. فإني أسأل بدوري الدكتور رشاد بيومي حول ما إذا قال أحدهم وهو يستنكر علي إدارة الإخوان سياسة اختيار الأقرب دون اختيار الأكفأ.. وأن انفاق أموال المسلمين التي سلمت إلي هذه الإدارة لا ينبغي أن تتم إلا وفق قواعد إسلاميه لا تفرق بين من ينتمي إلي الإخوان وبين من لا ينتمي إلي أي جماعة أو حزب.. وإنه كان الأولي بنا ونحن دعاة الإسلام أن نتحيز للشعب المسلم فنختار علماءً يقودون الأمة في كل الفروع ... وأن نظهر بياناً رائعاً في إنكار الذات فنقدم هؤلاء الذين أصبحنا نطلق عليهم لفظ " هم " في جميع النواحي وأن نجعل العالم يشاهد نموذجاً في الاختلاف البناء داخل البرلمان يجمع بين العقول ولا يجمع بين الانتماءات .. وأننا بذلك قد تناقضنا مع المشروع الإسلامي ومع تعاليم الإسلام؟! فهل يعد ذلك الشخص حاقداً نسي يوم الحساب .... ؟! وأسألكم أيضاً حول الذي يطالب البرلمان بإلغاء القوانين سيئة السمعة التي تجيز السرقة وتتناقض مع الشريعة الإسلامية مثل المرسوم بقانون رقم 4 لسنة 2012 الذي يجبر الدولة علي التصالح مع اللصوص ... إذا ما دفعوا قيمة المسروق بسعر وقت السرقة وغير ذلك من التشريعات المشابهة .. فهل يعد ذلك الشخص حاقداً نسي يوم الحساب ؟!! وأسألكم أيضاً حول الذي ينبه إدارة الجماعة إلي أن خطر الاستحواذ الذي مارسته الإدارة في البرلمان ثم في اللجنة التأسيسية ثم في مطالبتها بالوزارة ثم في استهدافها الرئاسة قد يؤدي إلي عزلة الجماعة عن الواقع بسبب خطأ إدارتها فهل يعد ذلك الشخص حاقداً نسي يوم الحساب؟! وأسألكم أيضا حول الذي ينبه إدارة الجماعة إلي أن خطراً شعبياً بدأ يحيط بنا وبالمشروع الإسلامي وأن هذا الخطر لن يدفعه أحد إذا جاء ... فالخطر الشعبي يسمي عند فلاسفة علم الاجتماع " الاعراض الجماعي " وهو خطر لا تفصيل فيه ولا تدقيق وإنما يتم علي مستوي العموم وبتعميم يتفق مع طبيعة العامة والبسطاء ... فهل إذا نصحكم أحد بذلك يكون آثماً وحاقداً وعليه أن ينتظر يوم الحساب؟! وهل إذا مالام عليكم أحد أن المادة " 28 : التي اعترضنا عليها جميعاً ... وانتبهت إدارة الإخوان مؤخرأ إلي خطورتها حينما أصابت سمومها خيرت الشاطر .. كانت من صنع الإخوان المسلمين .. أو علي الأقل كانت محل رضاء إدارتهم .. وأن الأستاذ صبحي صالح هو أحد صانعيها والمدافعين عنها وأنها كانت ضمن الاستفتاء الذي جندت إدارة الإخوان جموع الشباب والشيوخ لإقناع الناس بالموافقة عليها فهل إذا ما نبهكم أحد إلي ذلك الأمر فأصررتم عليه ثم استبان لكم الخطأ فلم تعتذر الإدارة إلي الشعب فهل لو لام عليكم أحد ذلك وطلب منكم اعتذاراً لانكم لم تدرسوا الأمر دراسة كافية فهل يكون بذلك آثما وحاقداً وعليه أن ينتظر الحساب؟!! أعتقد يا سيدي أن الخلط بين إدارة الإخوان وبين جماعة الإخوان المسلمين هو نوع من التترس سببه رفض إدارة الإخوان للنقد فلم يقل أحد علي جماعة الإخوان إلا أنها تحمل بين دفتيها الشاب النقي والشيخ التقي ... والمرأة الصابرة ... وهذه هي الجماعة .. أما الإدارة فمن حق الجميع أن ينتقدها وأن يخلعها وأن يهز الثقة، بها متي رآها تحتاج إلي هز الثقة بل أن يطرح الثقة عنها نهائياً إذا ما رآها تستحق عقاب سحب الثقة وينبغي أن نربي رجال الإخوان علي ذلك و أن ندربهم علي الفصل بين الإدارة وبين الجماعة وان نعلمهم قدسية الانتقاد وروعة بناء الرأي.. ذلك كان أول ما تعلمناه من الأستاذ "عمر التلمساني" رحمه الله ومن الشيخ "الغزالي" رحمه الله ومن فقيه الأمة الدكتور "يوسف القرضاوي" .... وهو نص محاضرة الأستاذ "مصطفي مشهور" رحمه الله في نقابة المحامين عقب توليه رئاسة مكتب الإرشاد وما كان يلقنه لنا المستشار "مأمون الهضيبي" رحمه الله .. فقد كان قولهم جميعاً إن مواجهة الحاكم عند الخطأ هي واجب شرعي يأثم تاركه وتعلمنا منهم أن الرأي واجب عند المسلمين وهو ما يتميز به الإسلام علي غيره من الشرائع العصرية التي جعلت من الرأي و التعبير مجرد حق يمارسه من يريد أن يمارسه.. أما المقدمة الأخيرة ... فإني أتصور أن مهاجمة بعض شباب الإخوان لكثير من إخوانهم الذين تركوا الجماعة إنما تأخذ مددها من استشعارهم بأن الهجوم قد يرضي الآخرين من قياداتهم أو أن المنتقد لإدارة الجماعة يرتكب جرماً في حق الجماعة ... وأن مثل عبارات المقال الذي تفضلتم بكتابته قد يشجع الشباب علي مخالفة منهج الرد الموضوعي فيتهمون بعض شيوخهم الذين تركوا إدارة الجماعة بأنهم في حالة حقد أو غل وأنهم سوف يجدون عقابهم أمامهم يوم القيامة وأنهم آلة في يد أعداء الإسلام والمذيعين الذين يضمرون شراً للإسلام إلي آخر ما ورد بالمقال.. بل أتصور أن اتعرض أنا أيضاً لكثير من الهجوم بسبب هذا المقال ... ذلك أني قد تجرأت وانتقدت كلمات الدكتور "رشاد بيومي" مع أن مقامي أقل من ذلك بكثير.. وأنا والله يا دكتور أكن لك حباً شديداً ... ولم يمنعني ذلك من رفض مقالك بالكلية لثقتي أنك لن تغضب.. بل وإنما أدرك أن حبك لي سوف يزداد.. بالرغم من دفاعي عن الذين قصدتهم في مقالك مع أني قد أكون واحداً منهم ومع ذلك فموضوعيتي في انتقاد إدارة الإخوان، بل في مطالبتي لها بالتنحي الكامل خالية من أي لفظ خارج ومفعمة بحبي لهم ولكن حبي للجماعة وخوفي عليها أشد .. مما يجعلني أثق في أني لست مما تعنيهم في مقالك.. وربنا يستر. نشر بالعدد 597- تاريخ 19/5/2012