مؤشرات عدة تؤكد تباين المواقف التركية السعودية في العديد من ملفات المنطقة بالفترة الأخيرة، لاسيما بعد تحول وجهة نظر تركيا جذريًا إزاء الملف السوري، والتفاهمات التي جرت بين روسياوتركياوإيران حول مستقبل الوضع في سوريا، الأمر الذي يراه متابعون بأنه له تأثير واسع على علاقات أنقرةوالرياض في المرحلة المقبلة. فواقع الأحداث في ملفات منطقة الشرق الأوسط وتصاعد الدور الروسي فيه وخاصة في الملف السوري يشير بوضوح أن المنطقة تتجه إلى مستقبل بعيد كل البعد عن طموحات الرياض. فمسألة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد التي كانت تطمح السعودية في تحقيقها، أصبحت أمرًا مستبعدًا لاسيما بعدما اتفقت موسكووطهرانوأنقرة على تبني صفقة ظهرت ملامحها في الصحف ووسائل الإعلام تتحدث عن إنشاء مناطق حكم ذاتي في إطار كيان فدرالي برئاسة الأسد. هذه الصفقة ترفضها شكلًا وموضوعًا المملكة العربية السعودية حيث مازالت تتمسك بموقفها الداعي إلى الإطاحة بالرئيس بشار للقبول بالعملية الانتقالية في سوريا، ودعم المعارضة السورية وهو ما يصعب تحقيقه خاصة بعد تراجع الدور الأمريكي في سوريا، والانتصارات التي حققها الجيش السوري في مدينة حلب خلال الفترة الماضية والتي كانت محورًا للتفاهمات الروسية التركية الإيرانية على خلفية التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار بمدينة حلب ثم امتد ليشمل باقي المناطق السورية . وإزاء الدعوة الروسية الرسمية للسعودية وقطر للانضمام لمحادثات استانة بكازاخستان لم تلقى موسكو أي ترحيب أو موافقة، وقال مندوب روسيا الدائم لدى الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، إن دولته سترحب بمصر والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت إن قرروا الانضمام للجهود الروسية التركية لتسوية الأزمة السورية وخاصة في التحضير إلى اجتماع أستانة الذي سيجمع وفدي نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والمعارضة السورية للتفاوض بشكل مباشر. وعلى الرغم من خروج عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي بعد ساعات قليلة من هذه الدعوة الروسية ليؤكد أن سياسة بلاده تجاه سوريا كانت تجنح دائما إلى الحلول السياسية والسلمية ، إلا أن لم تترجم هذه التصريحات الإيجابية إلى رد رسمي بقبول التطورات الأخيرة في الملف السوري أو علمية وقف إطلاق التي تم تنفيذها على الأرض. وفي ضوء الرفض السعودي لقبول نتائج تطورات الملف السوري، وتحولات الموقف التركي الذي فضل العمل في سياق مصالحه القومية على الاعتبارات الإيديولوجية، حيث تحول موقفها من باب التصدي إلى إنشاء الأكراد حكمًا ذاتيًا على الحدود التركية، مقابل التنازل عن الحفاظ على أيدلوجيته الداعية إلى إسقاط الأسد كونه أحد أفرع جماعة "الإخوان" التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد هناك وهو ما استدعى تنسيقًا مع إيرانوروسيا، شعرت السعودية بخيبة أمل كبيرة جراء التغيير الحاصل في توجهات تركيا من التنسيق مع الرياض إلى التنسيق مع طهرانوموسكو حول الملف السوري وقضايا الشرق الأوسط. وكانت الرياض تراهن على مواقف أنقرة منذ صعود الملك سلمان عبد العزيز إلى الحكم، إزاء ملفات المنطقة لاسيما وأن العلاقات السعودية التركية بدأت في الازدهار خلال العام الماضي بشكل ملحوظ، وكان التعاون العسكري أبرز ما شهدته هذه العلاقات، فقد شاركت القوات الجوية السعودية في مناورات "نور 2016" و"نسر الأناضول"ومناورات" EFES 201 الذي يعتبر من أكبر التمارين العسكرية في العالم، وكلها جرت في الأراضي التركية، كما شارك الجيش التركي في المناورات العسكرية "رعد الشمال" في السعودية. وفي نفس الإطار كانت تعول الرياض على أن تكون تركيا قوة عسكرية مهمة في التحالف الإسلامي الذي ترعاه والتحالف الدولي في اليمن، إلا أن خيبت أنقرة طموحات السعودية في هذا الإطار وابتعدت عن الدعم العسكري لعملية عاصفة الحزم، وإن كانت أيدتها سياسيًا وهو ما لم تنتظره الرياض، حيث كانت تتوقع الدعم العسكري والانخراط في التحالف الإسلامي الذي دعت له. لم يكن الملف اليمني والسوري هي الملفات الوحيدة التي توضح العلاقات المتذبذبة بين السعودية وتركيا وأن كان السوري الأهم، فكان الملف العراقي هو الآخر من بين الملفات التي تحولت فيها السياسة الخارجية التركية في الفترة الأخيرة، وهو ما ظهر في الاتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ففي الوقت الذي تشير فيه التصريحات الرسمية العراقية نحو الرياض إن العلاقات بينهما ليست على ما يرام خاصة بعدما دعا العبادي المملكة إلى حل مشاكلها بعيدا عن العراق، خرج وأكد أردوغان أن تركيا سخرت كل مجهودتها وإمكانياتها كلها مع العراق في حربه ضد "داعش"، وهو ما يشير بوضوح خروج الملف العراقي هي الأخرى من قائمة التنسيق السعودي التركي. كما أن جماعة «الإخوان» هي الأخرى تعد بؤرة خلاف بين السعودية وتركيا، وعلى الرغم من أن نظام الحكم في الرياض بعد رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز لدية مرونة أكثر في العلاقات مع الجماعة إلا أنه ما زال يعتبر الجماعة تنظيما إرهابيًا في السعودية، وهو ما يتعارض مع الحكومة التركية التي تقدم دعمًا كبيرًا لها في مصر والأردن وتونس.