"الجنسيةالمصرية صفة غالية، وشرف لا يدانيه شرف، يترتب عليها تمتع الشخص بحقوق المواطنة والمشاركة في إدارة الشئون العامة للوطن، وهي تستلزم الولاء العميق والتام للوطن" الفقرة السابقة جاءت علي لسان هيئة المحكمة التي أصدرت حكما في مجلس الدولة يلزم وزيري الداخلية والخارجية بسحب وإسقاط الجنسية عن المصري المتزوج من "إسرائيلية" وعددهم «غير الدقيق» يصل إلي 30 ألف مصري. ربما يكون هذا الحكم واضح الدلالة بداية خيط يقودنا إلي دراسة ما آل اليه شبابنا، أو بالأحري ولاء شبابا لتراب هذا البلد.. وربما أيضا يكون أسهل الاشياء هو اختزال الموضوع في اتهام هؤلاء الشباب بالخيانة والعمالة و.و.و. ولكن هذا لن يكون إلا دفنا للرؤوس في الرمال المتحركة التي ستغرق فيها وتغرق معنا أحلام شباب في عمر الزهور يسعي فعلا لخدمة هذا البلد وممارسة حقه الطبيعي في الحياة الكريمة. بالتأكيد خصوصه عدائنا التاريخي مع الكيان الصهيوني يزيد من حجم الصدمة.. ولكن أين كنا عندما صدر تقرير من دائرة الإحصاء المركزية في "إسرائيل" يؤكد أن 13% من العاملين المدنيين في جيش العدو.. أكرر جيش العدو من المصريين. أين كنا عندما رأينا المئات من زهرة شبابنا يغامرون بأرواحهم قبل آلاف الجنيهات التي دفعوها لعصابات تهريب البشر من أجل الوصول إلي بلد آخر هربا من واقع مرير يحيط بهم ويحبط أحلامهم في الزواج أو العمل أو أي حق في حياة طبيعية، أن عدد هؤلاء الضحايا حسب تقرير حقوقي أصدره مركز "أولاد الأرض" بلغ 153 قتيلا و 158 مفقودا في العشرة أشهر الأولي فقط من العام الماضي. ماذا فعلنا لظاهرة "تغول" الشرطة في تعاملها مع المواطنين حتي أصبح التعذيب في مصر ظاهرة بلا رادع تثبتها أحكام القضاء وتوثقها المراكز الحقوقية في تقاريرها ولكن لاشيء يتغير والانتهاكات تمارس علي نطاق واسع داخل أقسام ومراكز الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة إضافة إلي السجون حتي طالت كل أطياف المجتمع وطبعا أغلبهم من الشباب سواء كانوا متهمين أو تدور حولهم شبهات بارتكاب جرائم وأحيانا كثيرة لمجرد أنه صادف في طريقة رجل شرطة أرادو أن يمارس عليه ساديته. ماذا فعلنا ونحن نشهد الشرطة تحتجز النساء من أهالي المطلوبين وبدون تفكير في أثر ذلك علي نفسية وولاء أولاد هذه الأسر وهل يمكن أن يستمر تعلقهم بوطن يهانون فيه إلي هذه الدرجة غير الآدامية. لا يمكن أن نلقي باللوم كله علي المشكلة الاقتصادية أو روافدها من بطالة وتأخر سن الزواج و.. إلخ لأن مصر مرت بفترات كثيرة في تاريخها ربما كانت الأزمات أشد والموارد أقل ولكن لم يحدث أبدا أن تأثر ولاء المصريين وحبهم لبلدهم، قبل حرب أكتوبرمثلا وهي فترة عاصرتها وشهدت فيها أزمات لكل السلع التموينية وطوابير علي أغلب المواد الغذائية بل طوابير للحصول علي كبريت أو سجائر أو غيرها من مفردات يومية..ولكن الأزمات كانت علي الجميع.. لم تكن هناك طبقة تصرف الملايين علي أفراح أولادها ولم تكن هناك مارينا ولا مراقبا ولا القطامية هيلز وغيرها من مناطق أولاد الذوات بينما قطاعات واسعة من الشعب تسكن المقابر وتنهار عليها صخور المقطم لأن حكومتنا أصبحت حكومة علوية تختص فقط بتسهيل الحياة علي طبقة من المحظوظين. لم يكن الشباب يري الفاسد نجما إعلاميا أو سياسيا ولا يري الملايين والمليارات تنهب وهو يعامل معاملة الحيوانات من قبل رجال السلطة. ياسادة.. يامصريون ياحكومة ويامعارضة.. يامن تنظمون الوقفات وتحشدون المظاهرات من أجل تعديلات دستورية أو استقلال الجامعة أوضد الفساد أو حتي التوريث.. كل هذا جميل وهام لأي بلد، وضروري لأي وطن.. ولكن عندما يكون هناك وطن من الأصل، هل يمكن أن تتفق فكرة الوطن والمواطنة مع ما يحدث لشبابنا علي تراب هذا الوطن.. هل يمكن أن نطالب أهالي الغرقي هربا من مصر بحب مصر، والتغني بنيلها ونيلتها وربما بقائد طلعتها الجوية؟ هل فكرتم في احساس شاب من صعيد بلدنا رأي أمه أو أخته تهان علي يد الشرطة طلبا لهارب أو بحثا عن سلاح مزعوم،. أو شاب في أي مدينة مصرية أخذوه من الشارع ليعلقه المخبرون علي شباك غرفة رئيس المباحث بأحد الأقسام سعيا وراء اعتراف كاذب. ماذا سيفعل هؤلاء الشباب عندما يتم تجنيدهم للدفاع عن وطن لم يعرفوا فيه إلا المرارة والمهانة والانكسار.. إن ما يحدث هو عملية تجريف كامل لوطنية المصريين والخطورة أن آثار ذلك ستمتد لأجيال.. هل يمكن أن يحدث تقدم لأي بلد وأبناؤه يكرهون اليوم الذي ولدوا فيه علي أرضه؟ ألم يلاحظ أحد أن الشباب الذي تبتلعه الأمواج في محاولات الخروج من البلد دفعوا آلاف الجنيهات ثمنا لشراء وطن بديل؟.. بالتأكيد كان يمكن استخدام هذه الآلاف لخلق أي فرصة عمل داخل مصر.. لكن الحكاية أن الهروب من هذا الجحيم هو الهدف الأول لهؤلاء الشباب قبل البحث عن فرصة عمل. البلد يدمر والكل مسئول.. هناك من يغتاله بكرباج في يده وآخر يفعلها باصدار قوانين وخلق بنية تساعد علي الفساد، والأغلبية تشارك في الاغتيال بالصمت والنكوص والغناء: وطنيتنا.. وطنيتنا.. حماها الله.! حروف في أحد أفلامنا الحديثة يحث والد"محمود حميدة" إبنة "أحمد حلمي" علي تقديم مشروعه لشركة أجنبية بدلا من البقاء في هذا البلد قائلا: ماتقوليش مصر هي أمي.. أمك نايمة في الأوضة التانية !! ساهر جاد