غرقت الاحياء الشرقية في مدينة حلب في شمال سوريا الجمعة في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات سورية وروسية، متسببة بدمار هائل ومقتل نحو ثلاثين مدنيا بعد ساعات من إعلان الجيش السوري بدء هجوم في المنطقة. ورغم اجتماع في نيويورك بين وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يبدو المجتمع الدولي عاجزا عن إعادة إرساء هدنة انتهت الاثنين بعد اسبوع من تطبيقها في مناطق سورية عدة بموجب اتفاق اميركي روسي. وتتعرض الأحياء الشرقية في حلب والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ العام 2012، لغارات كثيفة بشكل متواصل منذ ليل الخميس، تنفذها طائرات روسية وسورية، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان. واحصى المرصد مقتل "27 مدنيا على الاقل بينهم ثلاثة اطفال الجمعة جراء ضربات شنتها الطائرات الروسية والمروحيات السورية" على أحياء عدة. وافادت حصيلة سابقة للمرصد بمقتل 11 شخصا. وقال مراسل لوكالة فرانس برس في مناطق المعارضة في حلب ان "القصف عنيف جدا" ومتواصل. وبات متطوعو الدفاع المدني مع كثافة الغارات عاجزين عن التحرك خصوصا بعدما استهدفت الغارات صباحا مركزين تابعين لهم في حيي هنانو والانصاري، وفي ظل شح الوقود، وفق ما ذكر مراسل فراس برس. وتسببت الغارات بدمار كبير، بينها ثلاثة ابنية انهارت بكاملها على رؤوس قاطنيها جراء غارة واحدة على حي الكلاسة. وقال مراسل فرانس برس إن جرافة واحدة كانت تعمل على رفع الانقاض، فيما يقف عمال الاغاثة مذهولين محاولين رفع الركام بأيديهم بحثا عن العالقين تحته. وقال مصدر في الدفاع المدني في شرق حلب لفرانس برس "لم يعد لدينا الا الفي ليتر من المازوت وبدانا نقنن استخدامه". من جهتها، افادت منظمة اطباء بلا حدود ان المستشفيات التي تدعمها "تلقت في يومين 145 جريحا"، مضيفة "نعلم بان الجرحى والمرضى في العديد من الاحياء لا مكان يذهبون اليه وهم ببساطة متروكون للموت". وندد الائتلاف السوري المعارض في بيان بتنفيذ "نظام الأسد والاحتلال الروسي حملة إجرامية من القصف الجوي المسعور، مستهدفاً الأحياء السكنية المحاصرة لمدينة حلب"، منتقدا صمت المجتمع الدولي. على جبهة اخرى في حلب، افاد المرصد بمقتل "15 مدنيا بينهم 11 طفلا جراء غارات روسية على قرية بشقاتين في ريف حلب الغربي" في حصيلة جديدة. كما قتل 11 شخصا على الاقل في غارات نفذتها طائرات لم تعرف هويتها على مدينة الباب تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية شمال شرق حلب. وفي محافظة حماة (وسط)، افاد المرصد بمقتل 18 مسلحا من فصيل مقاتل بعد استهداف طائرات حربية مغارة كانوا يتخذونها مقرا. - تمهيد لهجوم بري- ويأتي هذا التصعيد بعد إعلان الجيش السوري مساء الخميس بدء هجوم على الاحياء الشرقية في حلب ودعوته المواطنين الى "الابتعاد عن مقرات ومواقع العصابات الإرهابية المسلحة". واوضح مصدر عسكري سوري في دمشق الجمعة لوكالة فرانس برس ان العمليات البرية في حلب لم تبدأ بعد. وقال "حين أعلنا بدء العمليات البرية، فهذا يعني أننا بدأنا العمليات الاستطلاعية والاستهداف الجوي والمدفعي، وقد تمتد هذه العملية لساعات أو أيام قبل بدء العمليات البرية"، مشيرا الى أن "بدء العمليات البرية يعتمد على نتائج هذه الضربات". وذكر أن الضربات الجوية منذ الخميس تستهدف "مقرات قيادات الارهابيين". ويصنف النظام السوري كل المجموعات التي تقاتله من الفصائل المعارضة والجهادية بانها "إرهابية". واكد ضابط سوري على جبهة حلب لفرانس برس ان "القوات البرية لم تتقدم ميدانيا بعد". وبحسب مصدر عسكري ثان في دمشق، فإن "هدف هذه العملية هو توسيع مناطق سيطرة الجيش" في حلب. وتبحث الاممالمتحدة وفق ما اعلن المتحدث باسم مكتبها لتنسيق الشؤون الانسانية ينس لاركي الجمعة عن طريق بديل لارسال مساعدات الى الاحياء الشرقية، حيث يقيم نحو 250 الف شخص في وضع "مأسوي". وشكل ايصال المساعدات بندا رئيسيا في اتفاق الهدنة التي انهارت الاثنين بعد سريانها لاسبوع في مناطق عدة بينها حلب. وتبادلت موسكو وواشنطن راعيتا الاتفاق الاتهامات بعرقلة تنفيذ وقف اطلاق النار. - فشل دبلوماسي جديد - في موازاة ذلك، لم تنجح الجهود الدبلوماسية في نيويورك في إحياء وقف اطلاق النار. والتقى وزير الخارجية الاميركي نظيره الروسي الجمعة واكتفى على الاثر بالحديث عن "تقدم محدود جدا" و"اجراء تقييم لبعض الافكار المشتركة بطريقة بناءة". من جهته، شدد لافروف على ضرورة الحفاظ على الاتفاق الاميركي الروسي في شان الهدنة لكنه اكد "عدم القدرة على تحسين الاوضاع الانسانية من دون اقتلاع الجماعات الارهابية". واعتبر ان الازمة السورية لن يتم حلها ما لم تكبح الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الفصائل التي تقاتل الى جانب تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة. وكان وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت اتهم النظام السوري ب"لعب ورقة تقسيم سوريا" من خلال استعادة السيطرة على كل المناطق "المفيدة" في البلاد لافتا الى ان "داعميه يدعونه يفعل ذلك". واوضح محلل سوري قريب من دمشق لوكالة فرانس برس ان "المعارك (في حلب) بدأت اثر فشل الاجتماع الدولي"، مضيفا "انها مفاوضات بالنار في حلب". واضاف "على الاميركيين ان يفهموا انه طالما لم يفوا بالتزاماتهم (اتفاق الهدنة) وتحديدا لناحية فك الفصائل (المعارضة) ارتباطها بجهاديي جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، فإن الروس والجيش السوري سيتقدمون".