بداية أحب أن أحيي كل الشخصيات الوطنية المحترمة التي وردت في بلاغ غريب، وقع عليه (732 شخصاً) دفعة واحدة!! يتهم هذه الشخصيات.. (بالتحريض لإسقاط الدولة وإثارة الفتن ضد المجلس العسكري!!). مصدر قضائي عسكري كان قد صرح بأن النيابة العامة أحالت البلاغ للقضاء العسكري للاختصاص!.. وحتي إن غضوا النظر عن الموضوع ولو مؤقتاً فالاتهام يظل قائماً "كسيف مصلت، لحين استخدامه في أي وقت، يراه أهل التسلط مطلوباً، كأسلوب من أساليب القمع والإرهاب!. ولا يوجد هذيان وهراء أكثر من صيغة ذلك الاتهام، واتهامات مماثلة مستمرة، عبر أدوات مشوهة قميئة، من نوع الذين يقال زيفاً إنهم (732 شخصاً!)، ومن نوع الصحف الصفراء، والقنوات التليفزيونية الصفراء مثل قناة "الفراعين" لصاحبها المدعو "عكاشة" غريب الأطوار حقاً، وضيوف برامجها من نفس الشاكلة تماماً مثل المدعو "مرتضي" الذي وصل به الجنوح أو الجنون لفكرة أن يترشح لرئاسة مصر!!.. وأحب هنا في تحيتي إلي الشخصيات الوطنية النبيلة (المتهمة بأقلام وألسنة هؤلاء)، أن أقول عنهم إنهم: قائمة الشرف.. وأننا كلنا معهم في صفهم، وفي صف كل اسم ورمز وطني مضيء، وأن اذكر أسماءهم هنا بالاعتزاز والتقدير: (علاء الأسواني ممدوح حمزة جورج إسحاق يسري فودة ريم ماجد زياد العليمي نوارة نجم وائل غنيم أسماء محفوظ بثينة كامل أبو العز الحريري..). شاعر الثورتين: أكثر ما استمتعت به من حوارات في الأيام الأخيرة، حديث للشاعر عبد الرحمن الأبنودي مع المذيعة مني سلمان في قناة الجزيرة. والحوار يمكن الرجوع إليه، لكنني هنا أؤثر أن أشير في كلمات، إلي المتحدث، أكثر من الحديث. شاعرنا الأبنودي، حالة نادرة بحق. من حيث كونه، مع استمرار الرحلة والشعر والعمر، تزداد موهبته حيوية وتألقاً، وليس كما يحدث لكثير من المبدعين في مصر وفي كل مكان من العالم، إذ تخفت الموهبة شيئاً فشيئاً. حتي توفيق الحكيم ويوسف إدريس حدث لهما ذلك، فالنصوص التي قدماها في الحقبة أو المرحلة الأخيرة ليست بنفس توهج وحيوية ما كتباه في مرحلة الذروة. لكن الأبنودي يماثل الحالة النادرة لنجيب محفوظ في الأدب، ومحمد حسنين هيكل في الفكر السياسي. أعمالهم جميعاً، كلما تقدم العمر، أكثر توهجاً ونضجاً، عمقاً وألقاً!. ولكي ندلل أكثر، فمن زملاء الأبنودي في رحلة شعر العامية الكبري سيد حجاب وأحمد فؤاد نجم متع الله تعالي المبدعين الكبار الثلاثة بوافر الصحة وطول العمر إن حجاب ونجم لا يقلان عن الأبنودي شعرية ومن حيث مدي النبوغ في الابداع والتعبير والتصوير والتفكير. كلهم مع الشعب، وكلهم مع الشعر. في أبهي المستويات والمواقف. لكن ماذا يقدم حجاب ونجم اليوم مقارنة بما يقدم الأبنودي؟. نجم لم يعد يستطيع، في حقبته الأخيرة، أن يقدم شعراً إلا نادراً جداً. أما حجاب فهو يقدم الكثير، لكن من دون تلك القدرة القديمة علي التعبير والتصوير، سواء مثلاً في قصيدته الطويلة "الطوفان" قبيل ثورة 25 يناير، أو قصائده عن الثورة بعد قيامها، كلها "نظم" من العقل أو الذهن، أكثر مما هي "شعر" من الروح والوجدان. وحده الأبنودي جمع بين رؤية العقل، وتحليله المتعمق المدرك اللماح، وبين وهج وجمال وتدفق بل فيضان الشعر. لكننا لا نقصد أي لوم أو مؤاخذة لنجم أو حجاب، فحالهما هو الطبيعي والمنطقي والقاعدة، بينما الأبنودي هنا هو من حالات الاستثناء. وقد صدر له ديوان (الميدان)، وفيه قصائده عن ثورة يناير، وهي قصائد فذة، من ارفع مثال وطبقة في الشعر بأية مقاييس. والأبنودي في حديثه مع الاعلامية المصرية النابهة مني سلمان، تكلم حديثاً موضوعياً راقياً رائعاً، عن (ثورة 52) و(ثورة 25 يناير) معاً، وهو الذي قدم أروع الثمار والأشعار في الثورتين معاً. ولذلك فأني أحب أن أطلق عليه، بالاضافة إلي لقب (الخال) الحبيب المحبب إليه وإلينا أيضاً لقب: (شاعر الثورتين). نشر بتاريخ 19 /3/2012