هل تستطيع الدعاية الصاخبة أن تنقذ عملاً فنياً من السقوط؟ أم أنها تجعل هزيمته ساحقة ماحقة علناً وعلي رءوس الأشهاد؟! تطالعنا إعلانات هذا الفيلم وهي تتساءل بقوة وإلحاح السقوط قدر أم اختيار؟ وبعد أن تجرعت الفيلم لقطة لقطة وعلي مضض أقول لكم بضمير مستريح أن إجابة السؤال هي السقوط فيلم اسمه "ركلام"!! إننا بصدد عمل فني - المفروض أنه كذلك - اعتقد صناعه أنهم من الممكن أن يخدعوا الجمهور الساذج - هكذا تصوروه - وذلك بتقديم مشاهد متتابعة من الاغتصاب وأخري من القوادة وثالثة من التعاطي من الممكن أن تؤدي إلي تهافت الجماهير وجاءت النتيجة مخيبة لكل التوقعات، حيث احتل الفيلم ذيل القائمة في الإيرادات!! لا شك أن هناك فصيلا قويا في مجلس الشعب المصري لديه ثأر دفين مع الفنانين وبعضهم يحرم الفن والمعتدلين منهم يرددون تلك المقولة الشهيرة "حلاله حلال وحرامه حرام" وهو تعبير كما تري فضفاض تستطيع أن تضع تحته كل أنواع الفنون الأخري لتصبح بنسبة ما قابلة للإباحة وبنفس النسبة قابلة للتحريم.. من المؤكد أنه حتي المعتدلين في مجلس الشعب الذين لديهم قدر من التسامح في التعامل مع الفن من الممكن أن يحظوا بحماية شعبية لو أنهم رفعوا شعار محاربة التردي الفني الذي تعيشه مصر وضربوا مثلاً بفيلم "ركلام". "ركلام" وهو تعبير شائع في أوساط عالم "الكباريهات" والمقصود به فتيات الملهي الليلي اللائي عليهن مجاراة الزبائن ودفعهم لشراء زجاجات الخمر وينتقلن بعد تلك المداعبات مباشرة إلي عالم الدعارة ويمنحن أجسادهن لمن يدفع. هل الفيلم يريد إدانة المجتمع كما تقول الدعاية المصاحبة للفيلم؟ الحقيقة السينمائية من خلال الشريط لم نر فيها شيئاً من كل هذا ما رأيته يقدم الكثير من المشاهد تستطيع أن تعتبرها من المحفوظات السينمائية "الكليشيهات" بغرض التحرش بالزبائن لدخول السينما بتلك - الرشة الجريئة - من المشاهد الساخنة لعل وعسي يقبل الجمهور ولكن لا لعل ولا عسي لأن مؤشر الشباك خيب كل التوقعات.. الفيلم افتقد تواصله مع الناس ورأيت عدداً من رواد السينما وهم يغادرون دار العرض آسفين علي ضياع وقتهم في هذا الهراء قبل أن ينتهي النصف الثاني من الأحداث!! أكثر فنانة دفعت فاتورة سقوط الفيلم هي لا شك "غادة عبدالرازق" فهي لا تزال تسعي لكي تُصبح نجمة شباك في السينما إلا أنه من الواضح أنها لا تعرف ما هي خارطة الطريق التي كان عليها أن تسلكها وبالتأكيد ضلت الطريق مع "ركلام". تعتقد "غادة عبد الرازق" أن هناك من يترصد لها ويريد الإطاحة بها بعيداً عن النجومية التي عرفتها في السنوات الأربع الأخيرة وهي بالفعل واجهت أكثر من عائق إلا أنها استطاعت أن تقفز فوقه وربما كان أقسي ما واجهها هي تلك القائمة السوداء التي تصدرتها بعد ثورة 25 يناير ورغم ذلك في العام الماضي عرضت مسلسل "سمارة" وفيلمين "بون سواريه" و "كف القمر" إلا أن النجاح السينمائي لم يتحقق.. كان لها عدد من الأفلام مع المخرج "خالد يوسف" الذي شكلت معه ثنائياً في أفلام "حين ميسرة" و "الريس عمر حرب" و "دكان شحاتة" و "كلمني شكرا" وصولاً إلي "كف القمر" لم تكن هي البطلة ولكنها كانت لها مساحة إبداعية حتي في "كف القمر" الذي لم يحقق نجاحاً جماهيرياً في شباك التذاكر وشهد وصول "غادة" و "خالد" إلي خط النهاية إلا أنها كانت هي الأفضل بين كل من شارك في الفيلم، حيث كان الرهان في أغلب هذه الأفلام علي الممثلة "غادة". فيلم "ركلام" يتناول حكاية أربع فتيات كل منهن تبحث عن وسيلة للحياة ولكنها بسبب الفقر وسوء نوايا الآخرين لا تجد غير العمل في "الملهي الليلي" ومنه إلي الدعارة وهكذا تصبح الفرصة مهيأة لكي ندخل إلي عالم القوادين ويقدم المخرج صراعا بين أكثر من قواد وقوادة وتواطؤاً من أجهزة الشرطة وتلاعبا بين المحامين في العثور علي البراءة بسبب عدم توفر بعض الأدلة التي تُسقط مثل هذه القضايا وتنتهي الأحداث والسيدات الأربع في القفص بعد أن حكمت المحكمة حضورياً علي المتهمات بالسجن وهن "غادة عبد الرازق" و "رانيا يوسف" و "إنجي خطاب" و "دعاء سيف". حضور الرجال في الفيلم الذي كتبه "مصطفي السبكي" هامشي جداً فهو صراع نسائي بالدرجة الأولي.. الفيلم قائم كسيناريو علي "الفلاش باك" العودة للماضي حيث تبدأ الأحداث بلحظة القبض علي بطلات الفيلم متلبسات في جريمة الدعارة وفي الزمن السينمائي من التخشيبة إلي جلسة النطق بالحكم تسرد قصة حياتهن.. تتداخل الأحداث والمفروض أن الجمهور عليه أن يتعاطف مع النساء ولكن الذي أفسد كل ذلك هو أن الناس لم تشعر بأي من الفتيات كضحايا ولكنهن مذنبات بل إن حكم المحكمة بالسجن أربع سنوات لم يشف غليل المشاهد الذي كان يتوقع عقاباً أشد.. ولهذا خسر الفيلم معركته من البداية لأن الجمهور من الممكن بالطبع أن يتعاطف مع فتاة ليل وقبل أن يحاكمها أخلاقياً يوجه إدانته للمجتمع ولكن السيناريو لم يتمكن من اكتساب الجمهور إلي ملعبه وفقد الفيلم ضربة البداية. في قانون الدراما ينبغي مراعاة الجرعة وفي الفيلم التجاري إذا لم تستطع أن تضبط تلك الجرعة من المشاهد الجنسية سوف يشيح الجمهور بوجهه عن الفيلم وهذا هو ما حدث.. إن المخرج أسرف كثيراً وهو ينتقل من مشهد جنسي إلي آخر لا يقل عنه ضراوة ومن حوار يحمل تجاوزاً في عدد من كلماته إلي جملة أخري أشد سخونة وضراوة وخدشاً للحياء من الجملة الأولي كل ذلك وهو يعتقد أنه يثير شغف الجمهور أكثر وأنه يضمن أن يأتي إليه خاضعاً قانعاً بكل هذه المشاهد.. الجرعة الزائدة كانت هي السبب الرئيسي في إحجام الناس بالإضافة إلي أن الممثلتين "إنجي خطاب" و "دعاء سيف" كانتا في حالة ضعف شديد في الأداء ولم تستطيعا أن تقفا فنياً أمام كل من "رانيا يوسف" و "غادة عبد الرازق" وهي بالطبع مسئولية المخرج الذي لم يعرف كيف يوجه الفنانتين الجديدتين وأيضاً لم يضبط الجرعة. في علم الاقتصاد قانون اسمه "تناقص الغلة" وهو يعني أن هناك أرضاً تحقق مقداراً من الحصاد يتوافق مع عدد العمال الذين ينبغي لهم أن يساهموا في زراعة الأرض ويحدث التناقص في الحالتين إذا زاد حجم العمالة عن المطلوب أو نقصت وأطلقوا عليه "تناقص الغلة" لأنه بعد أن يصل إلي الذروة ويزيد عدد العمال يتضاءل النتاج وهذا هو بالضبط ما وقع فيه المخرج "علي رجب" في فيلمه الروائي التاسع كان يسرف في تلك المشاهد معتقداً أنها سوف تثير نهم الجمهور!! المخرج "علي رجب" شكل في بداية مشواره نوعا من الثنائية مع الكاتب "بلال فضل" وقدما أفلاماً بعضها كان يحمل مشروعاً لعمل فني جيد حتي لو لم يكتمل مثل "صايع بحر" و "بلطية العايمة" ولكنه هذه المرة لم يكن يراهن سوي علي الجمهور وانتصر الجمهور وكسب الرهان بإحجامه عن الذهاب إلي دار العرض ولاقي الفيلم ولا يزال هزيمة نكراء وتحملت "غادة عبدالرازق" النصيب الأكبر من تلك الهزيمة لأنها ترقص فنياً علي السلم لا تعرف خطوتها القادمة هي أيضاً مثل بطلات الفيلم لم تكن ضحية بل هي المذنبة الأولي لأنها وافقت علي الفيلم ولا تزال تنتقل من حوار تليفزيوني الي حوار صحفي ولا هم لها سوي الاشادة بالفيلم بدلا من ان تعترف انها ارتكبت خطا سينمائيا وبدفاعها تحيل الخطأ الي خطيئة !!