اليوم.. يتم الرئيس مبارك عامه ال81، وهو عمر كاف لكي يستريح ويترك السلطة، ويقضي بقية عمره يتمتع بما حققه من ثروة. لكنني أعتقد أن مبارك لن يترك السلطة إلا مع آخر نفس في حياته كما قال هو بلسانه وهذا أمر غريب وعجيب لا يخضع لأي دستور في العالم.. ولا يخضع لنواميس الحياة.. إذ أن طبيعية الحياة لا تستقيم إلا بضخ دماء جديدة. وأعتقد أن حاشية مبارك من الأفاقين والفاسدين والمنتفعين، وأصحاب المصالح، يحرصون علي أن يظل مبارك في سدة الحكم مائة عام قادمة، لأن بقاءهم مرهون ببقاء مبارك في السلطة، وهم يحققون من ورائه منافع طائلة، عمولات وتوكيلات وتسهيلات تفوق المليارات من الجنيهات. والحاشية الفاسدة تصور لمبارك أن الشعب المصري يقبل يديه كل صباح، لأن مبارك مازال رئيساً لمصر، وأن مصر تشرف برئاسته لها.. والحاشية الفاسدة تصور لمبارك أنه إذا ترك السلطة ستنهار مصر، وسيصيبها الخراب والدمار، وسينهش في لحمها الأعداء المتربصون بها علي الحدود، وهذه خرافات تصنعها وتسوق لها الحاشية الفاسدة للرئيس.. فمصر عظيمة ومليئة بالكفاءات القادرة علي إدارة شئون الدولة، وانتشالها من الخراب الذي نعيش فيه. إن مبارك حكم مصر 28 عاماً بقانون الطوارئ، وحكم بدستور معيب أتاح اختياره 4 مرات «24 عاماً» بأسلوب غير ديمقراطي.. ثم رشح نفسه لفترة خامسة في انتخابات هزلية عام 2005، شارك فيها عدد من المتنافسين علي مقعد الرئاسة.. ليظل علي عرش مصر ست سنوات أخري! لذا نقول لمبارك عليك أن تترك السلطة لتستريح، ونستريح.. والأسباب التي تدعونا إلي أن نقول ذلك إن مصر أصابها الجمود والشلل، سياسياًواجتماعياً واقتصادياً، وأن مصلحة الوطن ومستقبله أهم منا جميعاً، وأن التغيير هو سنة الحياة لا جدال في ذلك. ثم نتساءل: لماذا لم يختر مبارك نائباً له منذ 28 عاماً حتي اليوم؟.. رغم أن الدستور الحالي يلزم الرئيس باختيار نائب له، وهذا النائب له وظيفة، وهي أن يتولي رئاسة الدولة بنص الدستور في حالة غياب الرئيس أو مرضه، وبالتالي فإن منصبه ليس شرفياً ولا شكلياً، ولكنه منصب ضروري ولازم حتي لا تتعطل مصالح البلاد أو يتعرض أمنها للخطر في حالة عجز الرئيس عن القيام بمهام منصبه لسبب أو لآخر، مثلما حدث وسافر الرئيس لإجراء جراحة في عموده الفقري بألمانيا، أو عندما سقط مغشياً عليه في مجلس الشعب. فلماذا أمسك مبارك عن اختيار نائب له طيلة ال28 عاماً من حكمه؟ إن في هذا الإمساك انتهاكاً صريحاً للدستور وتعريض مصالح الأمة للخطر، وهذا السلوك المتعمد من الرئيس لا يجد في الواقع ما يبرره، فالقول إن سيادته لم يجد في الثمانين مليوناً من شعبه من يصلح لمنصب النائب قول لا يستحق الرد.. وإن كان يستحق الأسي والأسف. هذه الأسباب الدستورية التي تجعلنا نطالب بتغيير نظام الحكم تدعمها وتزكيها أسباب سياسية شديدة الأهمية. فعلي الصعيد الداخلي، لم ينجح نظام مبارك طيلة ال28 عاماً في إحداث إصلاح اقتصادي، ورغم طول المدة، فقد كانت المحصلة هروب الاستثمارات وتزايد البطالة، وتراكم الديون الداخلية والخارجية، واشتداد العجز المالي، وتدني الصادرات، وظهور التضخم، وتآكل الدخول، وانهيار مستويات المعيشة، وارتفاع معدلات الفقروالمرض، وفوق هذه القائمة المفجعة من السلبيات، انهيار إداري كامل وفساد عريض لم تعرف مصر له نظير طوال تاريخها. أما الصعيد الخارجي، فلم يكن حصاده السياسي أفضل من الصعيد الداخلي، فقد فقدت مصر مكانتها السابقة علي الصعيدين العربي والعالمي.. وبدا وزنها الحقيقي بعد الغزو الأمريكي للعراق، والعدوان الإسرائيلي الأخير علي غزة. وأصبحت دول أخري كتركيا وإيران مؤهلة لأدوار فعالة في المنطقة لا تستطيع مصر بأوضاعها الهزيلة القيام بها. إن مصر في حاجة إلي دماء جديدة قادرة علي العطاء.. ولا خوف من غيبة البديل الآن، فالبديل ليس غائباً، ولكنه مغيب بوجود الديكتاتورية.. ولن يوجد البديل إلا يوم أن تجري انتخابات حرة وحقيقية في إطار دستور ديمقراطي صحيح، لأن الشعب هو الذي سيأتي بالبديل.