يعتقد الكثيرون ان مشاهد قطع الرقاب المنتشرة لداعش هي ثقافة غريبة علينا أو أنهم لم يسبقهم أحد اليها!! والأمر على عكس ذلك تماماً!! فللأسف ان هذه الثقافة والعقيدة منا وفينا الا أنه لم يكن هناك توثيق اعلامي لها بالسابق أو أنها كانت على منوال أقل بكثير مما هي عليه الآن.. ولأن كل شيء في الدنيا يتطور فقد تطورت هذه الثقافة والممارسة عند هؤلاء حتى أصبحت كما نراها الآن!! - في كتب التاريخ ان جيشاً من المتشددين دينياً في نجد في عام 1920 دخلوا على مسجد في منطقة الشعيبة في مدينة حائل واطلقوا النار على كل من كان فيه ولم يخرج من أهل المسجد أحد أبداً بل ووصل الذبح الى محيط المسجد.. والمؤرخون يسمون هذه الواقعة «بذبحة أهل المسجد» وقد وثقها الشاعر ساكر الخمشي اذ كان أبناء عمومته من ضمن المقتولين في المسجد.. وثقها بقصيدة تتناقلها الأجيال قال فيها (ذبحة هل المسجد ركوع وسجاد.. يأتي لها من بعد ذلك منادي.. يا مذهب طوّح ورا الأربعة غاد.. أفنى عباد الله على غير قادي) ويقصد ان مذهب القتلة خرج عن المذاهب الأربعة المعتمدة. - وقد وثقت الشاعرة نزيلة الاسلمية مذبحة أخرى تسمى في التاريخ مذبحة الجليدة اذ دخل ذات الجيش المذكور على قرية الجليدة وأبادوا أهلها حتى كانت جثث الضحايا بالمئات وليمة للذئاب ومن قصيدة الاسلمية تقول (تسعين قرم كلهم دنوة لي.. ضحوا بهم عوجان الألسن قبالي).. لقد قتل تسعون رجلا من أهلها أمام عينيها!! - في عام 1977 اختطفت جماعة التكفير والهجرة في مصر المرحوم محمد الذهبي وزير الأوقاف السابق وقتلوه رمياً بالرصاص في عينيه لأنه ناصب فكرهم العداء. - يروي لي أخي المرحوم الدكتور غازي أنه عندما كان يدرس الطب في جامعة الاسكندرية اجتمع مجموعة من الشباب المتشددين في ساحة الجامعة وأحضروا طالباً مسيحياً وقاموا بقطع شرايين يده حتى نزف ومات بحجة أنه تحرش ببنت مسلمة في الجامعة أو نزع عنها حجابها!! - أذكر في احدى سنوات الحج وعندما كان الحجاج الايرانيون يرون ضرورة المظاهرات في الحج لاعلان البراءة من الشيطان الأكبر ويقصدون أمريكا وكانت تقع اشتباكات سنوياً بينهم وبين أفراد الشرطة لمنعهم من المظاهرات والمسيرات في موسم الحج.. أذكر دخلت مخيم حملتنا في منى واذا بحاج كويتي يرتعد خوفاً وكأنه يهذي من الرعب وحوله أصدقاؤه يهدون من روعه.. سألتهم ما الحكاية؟ قالوا: انه وفي طريق عودته من المسجد الحرام الى منى وقعت تلك المظاهرات وانه شاهد بعينيه مجموعة من الحجاج الايرانيين ينحرون رجل شرطة سعودياً نحراً بالسكين!! - لعل كتب التاريخ مليئة بمثل هذه الحوادث ولعل ذاكرة النسيان استوعبت الكم الأكبر منها.. ولأنه لم يكن في السابق توثيق بالتسجيل والتصوير ولم تكن هناك وسائل تنقل ما يحدث في حينه.. لذلك غابت تلك الحوادث عن أذهاننا.. الا ان الحقيقة التي لابد من مواجهتها ان ثقافة القتل والنحر منا وفينا.. وحتى نكون صادقين في محاربة هذه الظاهرة لابد من محاربة بذرتها.. فالانسان لا ينشأ مقتنعاً بوجوب قتل من خالفه الرأي أو الدين.. لكنه يبدأ ببذرة التطرف والاقصاء واحتكار الحق المطلق.. ثم يتطور الامر والفكر – كما هي عادة الامور – الى ان تصل الى ما نراه اليوم. - حتى نصدق في محاربة الظاهرة يجب ان نحارب البذرة ونستأصلها.. وهنا مكمن الصعوبة.. لاننا فعلاً غير مقتنعين بمحاربة تلك البذور لأننا نؤمن بها!! اقصاء الآخرين.. احتكار الحق.. عدم استيعاب وجود من يخالفنا الدين والمذهب والرأي وأحقيته في ذلك.. كل هذا.. نحن نؤمن به ونطبقه ونحيا من خلاله.. لذا تصعب علينا محاربته.. ومنه.. منه فقط تتولد أعمال القتل والنحر.. هذه المسألة على بساطتها وعلى منطقية ترتيب نتائجها على مقدماتها الا ان عقولنا مازالت لا تستطيع هضمها. - القتل والنحر.. منا وفينا.. فلنواجه أنفسنا بتلك الحقيقة المرة. محمد صالح السبتي