استشهاد شابين فلسطينيين في اشتباكات مع الاحتلال بمحيط حاجز سالم قرب جنين    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    ننشر نتيجة انتخابات نادى القضاة بالمنيا.. «عبد الجابر» رئيسا    حالة خوف وقلق في مدينة رفح الفلسطينية مع تهديد الجيش الإسرائيلي.. تفاصيل    دينا فؤاد : تكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    بعد التخفيضات.. تعرف على أرخص سيارة تقدمها جيتور في مصر    عز يسجل مفاجأة.. سعر الحديد والأسمنت اليوم السبت 27 إبريل في المصانع والأسواق    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    الصين تستضيف حماس وفتح لعقد محادثات مصالحة    هجوم صاروخي حوثي على ناقلة نفط بريطانية في البحر الأحمر    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    الأهلي ضد الترجي.. موعد نهائي دوري أبطال إفريقيا    الأهلي يساعد الترجي وصن داونز في التأهل لكأس العالم للأندية 2025    "في الدوري".. موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد الفوز على مازيمبي    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    كولر : جماهير الأهلي تفوق الوصف.. محمد الشناوي سينضم للتدريبات الإثنين    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    نظر محاكمة 14 متهما في قضية "خلية المرج".. السبت    اليوم.. مرتضى منصور أمام المحكمة بسبب عمرو أديب    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    أحمد عبدالقادر: نعرف الترجي ويعرفنا.. وأتمنى أن يكون نهائي مميز    حمزة عبد الكريم أفضل لاعب في بطولة شمال أفريقيا الودية    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار النخبة مع فائز الحداد / الحلقة الثانية - عبد الستار نور علي

الحلقة الثانية : وفيها يجيب الشاعر فائز الحداد على أسئلة الشاعر العراقي المغترب في السويد الأستاذ عبد الستار نور علي ( تجد في نهاية الحلقة نبذة موجزة للتعريف به)
أ. د. إنعام الهاشمي - الولايات المتحدة : أولاً أرحب بأول الطلّ الشاعر القدير الأستاذ عبد الستار نور على الذي سيشاركنا هذه الحلقة من حوار النخبة
وأعيد التحية والتقدير للشاعر المتفرد العرّاب الفائز الحداد...وأقدِّمُ له شكري وأعجابي بما جاءَ في الحلقة الاولى من حوارِ النخبةِ التي أعطتني الشعورَ أنَّني ازددتُ ثقلاً بما حملتُه معي من فكرِهِ في محاورتي له. وكلّي ثقةٌ أنَّ القرّاءَ قد وجدوا فيما زوَّدَنا به من معرفة في الحوار ما يستحق ُّلوقوفَ والتأمُّلَ والإعجاب ،
اليوم نضيفُ لمائدةِ المعرفة فكرأً آخرَ يزخرُ بجواهرِها وله من الثقافةِ والعلمِ مايكفي ليجعلَ منه سنبلةً ذهبيةً تنحني بملء كبريائِها وتتواضعُ بكل شموخِه، ذلك هو شاعِرُنا الجليل عبد الستار نور علي.
هو كنملةِ سليمان لا يهزُّ الارضَ بخطوةِ قدمِه ولكنَّه يهزُّ العروشَ بحِكمةِ كلمتِه؛ ولستُ بمجامِلَةٍ في قولي هذا ! أوَّل تعرُّفي عليه كان يومَ كتبَ رسالة مفتوحةً لي اعتراضاً أو ردّاً على مقالٍ كتبته حولَ تاريخِ التعليقاتِ وبداياتِها في الانترنيت ، وحين دخلتُ صفحته لقراءة الرسالةِ تركتُ تعليقاً له وظننت بادئ الأمر أنه قد ترفعّ عن ترك التعليقِ على صفحتي ولكنّي وجدتُ في الرجلِ كلَّ التواضعِ الذي يتوِّج ثقته برأيِه وتراجِعه حين يثبتُ له خطأ اعتقاده، ويومها زرعَ احترامَه في نفسي، ويوماً بعد يومٍ أجده يوثّقُ حسن ظتّي فيه وإجلالي له بما أراه من سلوكِه مع الآخرين.
الأستاذ الجليل والشاعِر القدير والرقيق في ذات الوقت، قد تفاجأ بماقلتٌ لك عنك، فلم أدخلُ صفحتكَ مادِحة إلا ما ندر في ملاحظةٍ عن قصيدة لك ، وقد عنيتُ كلَّ كلمةٍ قلتُها؛ ولو كنتُ ممَّن يحسنونَ تدبيجِ الكلامِ لقلتُ أكثر..
أمدُّ لقدومِك البساطِ السومريِّ الأحمر الذي أحتفظُ به " للجمعةِ والعيدينِ وملاقاةِ الخليفة!"
سؤال 11- الشاعر عبد الستار نور علي : . يقول افلاطون بأنّ الشعراء حين ينظمون يخرجون عن حدود العقل والطبيعة وانهم يغدون مثل الكهنة في معبد ديونيسيوس . فهل شاعرنا فائز الحداد يجد نفسه في هذه المقولة خارجاً عن حدود العقل والطبيعة ، لأننا نلاحظ في شعرك ما هو مناجاة وكأنك أمام محراب مقدس
جواب 11 – الشاعر فائز الحداد : أرحب بكل جلال الكلمة بأستاذي الأديب الكبير عبد الستار نور علي لمشاركته في حوار النخبة .
يا سيدي أنت سيد العارفين بأن علاقة الشعر في الفلسفة وعلاقته باللاهوت ومن ثم المنزلات السماوية علاقة وطيدة وقديمة وقيمة جدا.. فالشعر باعتقادي هو أبو الآداب والعلوم ، وقد سبق الفلسفة وكل المعارف الأخرى فأول نص فلسفي كتب شعرا وهلم جرا في الملاحم الشعرية والمدونات التاريخية الأخرى تمثيلا لا حصرا .. وقد صدق أفلاطون في مقولته التي أوردتها وكان دقيقا جدا، إذ نعرف المنزلة الرفيعة التي خص بها أفلاطون الشعراء
تاريخيا سبق ديونيسيوس ( 429 – 347 ق . م ) أفلاطون بتقسيمه للكلام إلى اسم وفعل ([i]) وحافظ أرسطو ( 384 – 322 ق . م ) على تقسيم أفلاطون للكلام إلى اسم وفعل وأضاف عليها قسماً ثالثاً يتميز عن سابقيه ... ويمكن مراجعة كتاب د. أحمد الجمل ( التحليل الصوفي للنص السرياني ) .
وهنا أتساءل .. هل هناك محراب أقدس من محراب الشاعر حين يكتب " تنزيله الأرضي"
كمدون مقدس ؟ وقد قلت في أحد نصوصي مجازا .. لولا الأنبياء لاختار الله الشعراء، غير أني على غير يقين بأن الشاعر حين يكتب شعرا يكون ( خارجاً عن حدود العقل والطبيعة ) فبذلك قد نحيله إلى خارج الوعي وربما الجنون مثلما ذهبت إلى ذلك مدارس التحليل النفسي في النقد أي بمعنى أن الشاعر عيّنة بشرية مجنونة وما يكتبه شعرا هي أعراضه وما يكتب عنه من نقد نفسي هي الوصفة الطبية لهذا الخارج عن حدود العقل والطبيعة ، لذلك فشلت مدارس التحليل النفسي في النقد منذ فرويد فشلا ذريعاً وواجهت في موضوع ( نقد النقد ) تسفيها وتخطيئا لجل ما كتب في ظلها من نقود وأتذكر بأن القاصة والروائية العراقية الكبيرة لطفية الدليمي قد تعرضت لهذا الموضوع في إحدى دراساتها .. كما أن علم النفس ذاته لم يستقم علما كباقي العلوم الصرفة وهذه طامته الكبرى في اختلافه بمعنى الإخفاق أمام علم الاجتماع .. ولهذا أجد بان الشعر يُكتب بالوعي المتجاوز الاستثنائي وليس باللاوعي مثلما توهم الكثيرون من النقاد النفسانيين ..
أما عن تجليات الشاعر في مناجاته الواسعة في مقاصده الشعرية لغائب أو مخاطب مقصود فهذا جزء من مكونات الشاعر في محرابه حين تسمو روحه الشعرية بفيض أحاسيسه ليجسد في القول الشعري ويرسخ ما هو مقدس عنده دون غيره بعد المقدسات السماوية .
سؤال 12- الشاعر عبد الستار نور علي :. يقول برغسون "بأنّ اللغة فاشلة للتعبير عن النفس وأنها ليست من طبيعتها ، النفس متحولة وغامضة واللفظة واضحة متحجرة ." والقارئ العابر لنصوصك يجد فيها غموضاً يستعصي عليه فكّه ، فهل طوّعتَ اللغة لكي تنجح في التعبير عن مكامن النفس الغامضة أم أنّ النفس هي التي لوّت عنق اللغة لتعبر عن نفسها (النفس) ؟
جواب 12 – الشاعر فائز الحداد : لعمري هذا سؤال من أنضج ما واجهني وربما لن يواجهني مثيل له في سعته وفي دقتة مناحيه ومراميه .. لكني سأختصر بما يفيد ويوحي ..
هذا قول نسبي ما قاله برغسون "بأنّ اللغة فاشلة للتعبير عن النفس"
العيب في تقديري ليس في اللغة للتعبير عن النفس ولكن العيب في مستخدم هذه اللغة ربما.. فالنفس في غموضها وحركتها المتحولة تواقة إلى من يعبر عنها ويحسن هذا التعبير بكفاءة ، لهذا أرى في اللغة التي أعنيها شعرا هي لغة ملائكية حية ومنطلقة ومعبرة ولا يقربها التحجر أبدا .. نعم قد تكون غامضة بحسب جنس اشتغالها الإبداعي ومستوى منتجها في التكوين والوعي إذا آمنا بأن بأنها أداة تعبير جميلة ووسيلة إيصال وتواصل مع الآخر بمستويات شتى .. ولكن على أن لا يبقى تصورنا يراوح في دلالات اللغة التعبيرية الساذجة لا الشعرية الخلاقة، وبظلها نعرف الشعر بأنه إحساس وحسب ونمضي؟. وعلى الآخر أن يبني قناعته وفق هذا التصوّر بأن الشاعر إنسان حساس ويمضي أيضاً؟!..
ومن خلال اللغة التي نعنيها شعراً : أجد من المناسب أن نقف عند ما اصطلح عليه أسلافنا، ومن نجلّهم تماماً، وهذه الوقفة أدعوها لأن تكون خارج خارطة مقننات اللغة في نحوها وصرفها، كقوانين رياضيات الإعراب وغيرها، أي أن نحسم فضل اللغة في التعبير كأداة ووظيفة، وما أقصده هنا في التعبير هو مقدار الشعرية في اللغة، لأن الشعر يتجاوز حدود التعبير الكتابي كإنشاء، إلى مفضيات جمالية التعبير في اللغة أي في الصورة المرئية والمحسوسة معاً، كالنص الشعري والنص المفتوح ودلالات القراءة الصورية للتنقيد الشعري، ناهيك عن تشظي المعنى إلى شعرية اللوحة وجمالية العمارة، وشعرية الأداء الصامت ولغة العيون
وغزل الماء للأشياء وغير ذلك من أمثلة لا تعد ولا تحصى. وعلى هذا الأساس أقول: إن لغة الشعر بعضها ما ندوّنه كتابياً والآخر ما نقرؤه بصرياً أو نحسّه دون أن نلمسه ونراه، فهل يمكن أن نعرف الشعر بتعريف مجرد بائس وبكلمة أو كلمتين؟
من هنا أعلن عقد الوصل ما بيننا كمنحازين للشعر، وما سنعمده بالتواقيع ونسجل له اعترافاً منصفاً وأخلاقياً بأنه الصفوة بكل ما تعنيه هذه الدلالة من معنى، وأرجو منها أن تكون رؤية في تأسيس لغة نقدية جديدة أيضا، يكون الشعراء أساسها في ترسيخ منهجية القراءة ب (فهم النص)، لأنها وحدها من تكفل تحليلاً وتأويلاً نصياً كي يكون النقد في موقعه الصحيح ، بعيداً عن إرهاق النص بما لا يحتمله ولا يتحمله من افتراضات وفرضيات المناهج النقدية، فلا نقدية دون فهم لتضاعيف النص وإدراك أسراره ومعرفة سابرة لجرس المفردة في الجملة، والجملة في وحدة الموضوع .. لذلك فأصحاب الشأن أدرى بشؤونهم حتى في ذلك المنطوي على الغموض أو التورية والترميز والاستعارة وغيرها وإن كان يتهمنا بعض (المتناقدين) باصطلاح (المعميات) لجهل معرفي منهجي يفصح عن عيب قرائي بائن.
أجل الغموض جزء من مكونات ومكنونات النفس وهي أيضا جزء من أسرار لعبة الشاعر واكتشافها يجب أن يمر عبر قناة قرائية منتجة وواعية وليس ساذجة ولا استعمالية ، فالشاعر يجب أن يلوي عنق اللغة لتبوح نفسه بما تريد ويجب أن يكتب بمستوى فهمه لغة وإبداعا وعلى القارئ أن يرتفع إلى مستوى الشاعر كي تصح المعادلة بين المرسِل والمستقبِل تعاكسا وترادفا فالشاعر ليس مسؤولا عن محو أمية القارئ فهذه المسألة تضطلع بها جها ت مسؤولة عن ذلك وأجد النقد في مقدمته .
سؤال 13- الشاعر عبد الستار نور علي : قرأنا لك سابقاً قصائد كلاسيكية عمودية موزونة مقفاة وكنتَ بارعاً فيها ، كما قرأنا لأخيك المهندس فؤاد وهو يذكر أنك تركت العمود مبكراً مقرراً أن تجد لنفسك منهجاً شعرياً مختلفاً ليكون لك صوتك الخاص ، وهذا أمر محمود مطلوب للشاعر الحقيقي بلا شك ، فهل أنت مشتاق الى العمود أم أنّ المناسبة فرضت شكل القصيدة وكانت المناسبة في مهرجان مركز النور في العراق ، والقصيدة ألقيتَها بين أحضان الهور في ميسان
جواب 13 – الشاعر فائز الحداد : "هاي وين صدتها أستاذي ؟.. بس أنت صياد المعنى فلا حاجة للسؤال ههههه "
باعتقادي الشاعر شاعر من البيضة واصطلاح الشاعر هو واحد في كل زمن ومتى ما أمتلك أدوات التعبير سيكتب بها وبنفس البراعة .. وبالنسبة لي : أجل كتبت الشعر الشعبي في بداياتي وكنت عموديا بعد ذلك ولي مجموعة شعرية كانت ستصدر عن اتحاد الكتاب العرب 2007 وسحبتها قبل طبعها بفترة ولازلت أحتفظ بها مع كامل الموافقات المختومة بختم الاتحاد ولازلت مؤمنا بأن الشعر العمودي سيبقى وسيرافق الشعر الحر وما سيأتي ما بعده من تجديد ولكن أي عمودي منه ؟؟ أعتقد ذلك الذي يضارع شعر المتنبي ومن على شاكلته قلت سيبقى لعلاقته الوثيقة بالغناء وبالإنشاد الديني ..
أذكر وأنا ما زلت صبيا .. كنت أحضر بمعية أبي مجالس الدراويش وهم ينشدون لازمه واحدة ( الله حي الله حي ) في حلقة الذكر وهناك مقرئ يقرأ على نغم من المقامات المعروفة أبيات من الشعر العربي، كان هذا يشدني كثيرا وأشعر بأنه هو من يحيي ويقود هذه الجمهرة فحفظت عنه أبيات ثم كتبت على منوالها في الوزن ولكن بقافيات جديدة وكنت أغنيها، وانتظرت إلى يوم الخميس فذهبت مع أبي إلى ( التكية ) وبعد اشتداد حماس الدراويش قرأت صائحا منشدا بنفس مقام القاري ( ربما أردت قيادتهم ) وبشعر جديد وبصوت طفولي رفيع وعالٍ فصاح خلفي أكثر من واحد (الله _ أعد ) ولكن بعد نهاية حلقة الذكر شكا القارئ تصرفي لأبي فعنفني .. بعد تلك الحادثة اكتشفت موهبتي في الشعر وحب الموسيقى فكتبته عموديا وتعلمت العزف على العود بمعيته .
نعم .. لقد تركت العمود مبكراً مقرراً أن أجد لنفسي منهجاً شعرياً مختلفاً عسى أن أبلغه لكنني واثق بأن ليس هناك من مستحيلات أما المؤمن بمشروعه والعازم على اثبات شخصيته الشعرية المختلفه بدلالة نصه وبمعرفياته التي يجب ترافق نصه كثقافة ومرجعيات ..
(لأن لي أملا أبقى أعيش به أن أبلغ الشمس مهما ضاقت السبل ) .. وإذا أردت الحقيقة .. أجل أشتاق للعمود أحيانا ولكن كاشتياقي للغناء فأغنيه وأغادر لكن الجمهور يطلبه مني كثيرا في المهرجانات بعد انتهائي من قراءة الشعر الحر خصوصا الغزل منه أما بخصوص قصيدة " هور الحمار " فلم اقرآها عند الهور في الناصرية بل كتبتها في السيارة عند رجوعنا بعد انتهاء مهرجان النور ونشرت فيما بعد، ولكن صدقني ما أردت نشرها لولا إلحاح بعض الأصدقاء النوريين.
سؤال 14- الشاعر عبد الستار نور علي : يكثر في نصوصك الاقتباس من المقدسات ، فهل لتاريخك العائلي ونشأتك الدينية كما علمنا أثره في تسللها بحيث نكشفها بوضوح وجلاء ؟
جواب 14 – الشاعر فائز الحداد : المقدس بمعنى الإله والمعبود والأديان والكتب السماوية والمقدس بمعنى الظواهر والرموز تجد لها حيزا كبيرا من الاحترام والتقديس بالنسبة لي ولكن ليس بمعنى الانقياد الصنمي والعبادة العمياء .. فالله بمعنى الحق بائن وجلي دون حاجة لوسيط فلا واسطة بين الخالق وعباده والباطل بمعنى الكذب والدجل والشعوذة بائنة أيضا .. وبناءً على هذا فالشعراء هم في مقدمة العباد في توظيف ذلك في أقوال ورموز وسيميائيات تجمع بين هذا وذاك للدلالة على المقدس الذي يحمله الشاعر في نفسه ويعبر عن في شعره في كل زمان ومكان .
لاشك أن للخلفية البيئية والعائلية والمناطقية شأنها في روح ونفس الشاعر بما تتركه من آثار عليه، فتربتي تتراوح بين البدوية والحضرية..ولقد نوهت عن ذلك تلميحا في جوابي على سؤال سابق من أنني نسخت عن أبوين زاهدين ومن عائلة متدينة تؤدي الفروض جميعها صغارا وكبارا ولم أتعلم في مدينتي ( الفلوجة ) الرائعة الغافية على كتف الفرات غير ( الدين والطين ) وفي هذه البيئة تعلمت عن أبي الإنشاد الديني فقد كان رحمه الله قارئا للمواليد النبوية وصوته جميل ومن رواد الجوامع والتكايا حتى أنه في وفاته حظي بخطبة توديعية خاصة بعد الصلاة عليه من قبل الشيخ المعروف جمال النزال . لكنني كنت شقيا وأختلف عن أخوي ّ، الكبير فاروق والصغير فؤاد اللذين كانا مواظبين على الذهاب إلى الجامع مع أبي ،في حين شغفت أنا بالشعر والموسيقى وكنت مع صحبة لي نعمل المقالب لبعض الدراويش ونعبث كأطفال وصبية بما لا يرضي أهلنا فننال على ذلك جزاء ما نستحقه ، ولكن للأمانة كان والدي عطوفا ولا يؤذيني ولا اذكر أنه عنفني كثيرا وكان يدعو لي بالهداية والطاعة دائما .. فهو معروف بكرمه الكبير أيضا وعطفه على الفقراء فقد رعى رجلا أعمى وكنت أظنه في طفولتي عمي وأخ أبي وعاش هذا الرجل في بيتنا منذ صغره حتى وفاته وقد زوجه مرتين ..
نعم لعائلتي المتدينة وقع كبير في تكويني كشاعر وإنسان رغم أني لم التزم دينيا كإخوتي لكن هذا الوقع كان موحيا لي ودافعا لتوظيف الرمز الديني في جل قصائدي ولو أنه متطرف أحيانا .
سؤال 15- الشاعر عبد الستار نور علي : اسمتك الاستاذة د. إنعام الهاشمي "شاعر الثلاثية المقدسة " وهي (يوسف) و (المجدلية) و (كأنّي أقبلكِ في الصلاة) ، ألستَ معي بأنّ هذا النعت قد يحصرك في ثلاثية دون غيرها من النصوص الكثيرة الراقية التي لا تختلف مبنىً ومعنى عن الثلاثية ، مع الأخذ في الاعتبار أن الاستاذة الفاضلة د. الهاشمي ذكرت أنها احتارت في الثالثة بين نصين ايهما تختار ثالثة المقدسات وهما "آخر المريمات" و " كأني أقبلك للصلاة" ، فاختارت الثانية ؟
بمعنى أنّ لك أكثر من مقدسة ؟
جواب 15 – الشاعر فائز الحداد : الحقيقة يا سيدي إن الأديبة الكبيرة د إنعام الهاشمي أهم محطة كبيرة في روح ومنجز فائز الحداد .. فهذه الإنسانة الصادقة والواثقة من أدواتها وأدبها لا تتعامل مع الإبداع بعلاقات أخوا نية ولا إقطاعية ولا شللية كما هو سائد الآن في العلاقات بين أدباء وشعراء المواقع وبعيدة كما أجدها عن كل ظواهر المجاملات و( العركات ) والخصومات الذاتية لا الأدبية ، وهذا القول ينصرف عليك أنت أيضاً أيها الأديب الكبير مع قلة معروفة دون أدنى مجاملة .
حقاً هي نعمة من نعم السماء التي ترحم عبادها وتبعد عنهم الجاحدين للحق والظالمين لأبناء جلدتهم... وأنت تتذكر الحملات المسعورة والظالمة التي قادها ضدي نفر من الأدباء والذين كنت أجلهم لأدبهم وليس لشخوصهم المريضة وإذا بها تنتفض وتنتصر للحق وتقول رأيها المنصف بكل شجاعة عن تجربتي مترجمة لي نص ( الجنرالة ) في زمن أعتى خضم محموم وشخصاني حاقد في أغلبه في تلك الحملات الظالمة ، ترجمته بمقدمة رائعة وترجمة راقية فوجئت بها وربي ، وكنت لا أعرف د. إنعام إلا قارئا محبا لرأيها ولكتاباتها وترجماتها وكم وددت أن أشكرها مباشرة ولكن ظلت الرسائل الأدبية بيننا إلى زمن الثلاثية التي أبلغتني بأنها عازمة على ترجمة هذا المشروع والنصوص التي اختارتها هي وبذائقتها القرائية الشخصية وقد أحسنت وأبدعت وتشرفت بتسميتها الثلاثية المقدسة لفائز الحداد.
المقدس لدي مثلما عبرت عنه أستاذتي الهاشمي هو مقدس بمعنى علماني لا تديني ولا طائفي فأنا أجد ظلال الرموز الدينية المقدسة مشخصنة فيمن أحب وأقدس كاستعارة وتشبيه وتشبه حتى ، كالحبيبة والأم اللواتي يشتركن في هذا التعبير فلك هذا المقطع مثالا
(من تلك التي أهداها الله مفتاح جناته ونام ..
من أنزلتك عبدا تحت حلمتها..
تسخن وجهك ليلا لتعلن الحرب في الظهيرة
إن اختيار النصوص للنقد والترجمة هو من حق الأديب الناقد والمترجم ولا من حقي أن أشير له إلى نص دون غيره فهو حر وله مقاساته وذائقته وشروطه ، وبالنسبة لاختيار الدكتورة الهاشمي أجده من أنضج الاختيارات ، وتتذكر يا أستاذي حين قلت لك أنا خائف من نص ( يوسف ) حين أرسلته إليك قبل نشره وباركته أنت في رسالة راقية ووصفته بالنص الكبير والمذهل وأحتفظ برسالتك الغالية على قلبي لحد الآن .. أما عن اختيارها دون غيرها للثلاثية فلا اعتقد ستلغي أهمية بقية النصوص بل ستعزز ثقتي بأن نصوصي الأخريات سيأخذن الطريق إلى الاهتمام والدراسة والبحث .
وأترك للدكتورة إنعام شرح اسبابها في اختيار قصائد الثلاثية.
بأن لي أكثر من مقدسة .. صحيح جدا فهن مدني اللواتي أرخنني بالجراح والدموع وما زلن يطاردنني كمدان ومتهم لهذا كان ( مدان في مدن ) فلهن وقع تقاسيم مقام البيات الذي يذبحني حين أعزفه ويأخذني بعاصف البكاء فما كان لي إلا أن أأرخهن شعرا وبوفاء عال ٍ وعلى نغم النهاوند .. وخذ مقدمة مجموعتي النثرية الأولى ( قبعة الأفعى ) الصادرة عام 2000 مثلا ..
يكفي بأنك قد ولدت ِ على يدي .. فأنت غرسي
وحين أبحت ِ لي حق الرحيل ..
ذبحتك فأضعت نفسي
شاعر الثلاثية المقدسة هو وسام أحمله على صدري وأعتز به أيما اعتزاز رغم أن زملائي وزميلاتي أطلقوا علي ألقابا كثيرة ولعلك تقرأها على ما أعتقد ك ( الجبل ، السندباد ، أبا نثر ، راجمة الورد العرّاب ) والأخير العرّاب أطلقته علي أيضا د. إنعام وأعتز به لثقتها وثقة الآخرين بما أكتب وأتمنى أن أحظى برضاهم جميعا بمنجزي المتواضع .
سؤال 16- الشاعر عبد الستار نور علي : نجد أنك تخرج عن طبيعة اللغة بلاغة وتصويراً وبمنهجيتها وثباتها المتوارث ، واعتقادي الراسخ أنك متمكن من اللغة ، فهل اعتمدت على المنهاج اللغوي لتبني منهاجاً آخر يراه البعض غامضاً معقداً ، فقد قال أدونيس "هدم الأصل يجب أنْ يُمارسَ بالأصل." فهل أنتَ معه ؟
جواب 16 – الشاعر فائز الحداد : أولا .. أنا مؤمن بأن اللغة هي أداة للتعبير ليس إلا .. يطرقها الشاعر كوسيلة ليبوح من خلالها وليس لها علاقة بالعملية الإبداعية فالمبدع من يفجر مكنوناتها ويخرجها من قاموسيتها للتوظيف الشعري أو السردي أو الصحفي فيجب أن تكون بلاغة الشعر أعلى بلاغة في اللغة فالشعر صفوة وهذه الصفوة هي من تخلق البلاغة ..اللغة القديمة تعبر عن هوية أسلافنا العظام فمتى يصبح لنا هويتنا اللغوية التي تعبر عنا ..؟
ولا أخفيك سرا أنا من الداعين إلى اللغة الجديدة التي تمنح النص الحديث روحه الجديدة وقد كتبت عن ذلك كثيرا .. فمن غير المعقول أن نبحث عن جماليات العمارة في النص بأدوات بناء قديمة ومفردات لا تؤدي جرسها في الفعل الشعري فمثلا لماذا كل هذه الممنوعات من الصرف ..؟ ولماذا أدوات الجزم التي تجزم بحذف حرف العلة وتتناقض مع لفظ مجزومها أي نكتب ( لم أر ونلفظها لم أرى مخففة ) هذه معوقات للإبداع تعيق الشاعر وتؤثر سلبا في كتابتها في الإرسال
والاستلام معا فإذا كنا نعتد بالإبداع ونستهدفه علينا أن لا نعتد بالثوابت كون الإبداع متحرك ومن المفروض أن يتطور مع تطور الحياة ولماذا وضعوا جوازات للشعر العمودي ويحرمون علينا جوازاتنا التي نريدها في النص الحديث فحين قلت ( شرينيني أريد له أن ينصرف مثل قبليني ) ولو شعريا _ انقلبت علي الدنيا ، لكن بالله عليك كم نحتاج من المفردات كي تفصح عن معنى "شرينيني" ؟ لقد واجهت السهام لوحدي صامدا وقد أعنتني أنت فوضحت واقترحت وسيحفظها لك للتاريخ.. والسؤال كم من الشعراء الآن قد سلك هذا الطريق بعدي وأعتمد ما قدمت عليه وأقول هذا بافتخار ودون غرور والجدال سيطول ويطول ، ولكن أسأل هنا هل اللغويون وعلماء اللغة هم أحرص منا نحن الشعراء على لغتنا ؟ لا أعتقد.
إن ثوابت للغة وما يخص الشعر في تقديري يجب أن تعتمد رياضيات النحو في المرفوع والمنصوب والمجرور تحديدا وما عدا ذلك فلا أعتقد بأنها ستخدم لا اللغة ولا الإبداع نهائيا فاللغة يجب أن تتطور مع تطور الزمن بمعنى أن تواكب حركة تطور الشعر وما يتصل به .
أدونيس الكبير له رأيه فيما يرى ويفكر ويقول ومنهجه قام واعتمد على الرؤيا والانفتاح ولكن ما يقوله ليس تنزيلا وقانونا بالنسبة لي ولا يجب علي أن أسجن به أو ألتزم به كدستور فذلك يعني التناقض مع التطور، وهو الصنمية و التحجر بعينه ، فالشعر مشروع فردي بحت وسيبقى كذلك إلى أن تصيح الساعة ، كما وليس هناك من مرجعيات بالشعر و أستذة ولا مشيخة ولا إقطاعيات أو شلليات ، فكل هذه الخرافات بدع زائلة والباقي هو النص والقصيدة وهما دليلا المبدع في حياته .
إن ما لأدونيس الكبير يبقى لأدونيس لا لي ولا للآخرين .. ويعلم الكثيرون بأن من أراد أن يحاربني بأدوات أدونيس محاججا ومادحا له ومعترضا وذاما لي ، هو لا يعترف أصلا بالحداثة ولا بكل ما أنجزه أدونيس وكالذي يعتمر عمامة قديمة على ( شورت ) قصير لكنه أراد ( كلاما باطلا مفاده باطل ليخدم مشروعه المستهلك ) .. ولي أن أقول إن صح ما قيل ( بأن لكل شاعر لغته ) بأن لي لغتي وسأكتب بها وفق ما أؤمن لأنها تمثلني ( بكل عيوبي المفترضة ) إن كانت هناك من عيوب ..! ( فيا لجمال عيوبي المبتكرة ويا لغموضي المحدث الجميل ، الذي يعبر عني شعرا وأدبا ).
سؤال 17- الشاعر عبد الستار نور علي : بالتأكيد أنّك قد اختلفتَ بإصرار وثبات وهذا واضح مما نقرأ لك دائماً ومن بيانك في الاختلاف ، مع أنّ الكثيرين من الأدباء والمبدعين يخالفونك بل يرفضون ما أنت مُقدِمٌ عليه مستندين إلى غموض نصوصك واستعصائها على التلقي مثلما اعتادت الذائقة العربية وتربّت عليه من المُستسهَلات والثابتات غير المتحوّلات ، فما موقفك من ذلك ؟
أشكر لك سعة صدرك وأعتذر من إثقالي عليك بأسئلتي وجشعي في فتح نوافذ روحك وقلبك وإبداعك .‏
جواب 17 – الشاعر فائز الحداد : يا سيدي أذا كان ما اكتبه غامضا فماذا يقال عما يكتبه البعض الآن والذي يصل إلى حدّ الهذيان ؟ واسمح لي بسؤال .. هل اطلعت على ديوان ( خزائيل ) مثلا .. للشاعر العراقي المبدع خزعل الماجدي ؟ مع اعتزازي به واحترامي له ، أرجو أن تطلع عليه .. ولو أن المثل ( يضرب ولا يقاس عليه ) . وهنا لا أريد أن أحيلك إلى قراءة بعض النصوص التي نشرت وتنشر لأنك حتما قد وقفت على بعض منها ولا أعني التي جاءت تقليدا لنصوصي ونسخا مشوها عنها أو الذي صنعه البعض فقدم شاعرا مزورا وصورته منسوخة الكترونية للإساءة لي ولمشروعي والتي تشير إلى اسمي ونصوصي تحرشا بغية جري إلى مواضيع تخالف الأدب ولا تخدم إلا فشلهم المريع في الحداثة ..
إن الاختلاف لا يعني التعادي أو خلق الخصومات أو الشتائم ولا يقود إلى الإساءة للآخر ، على غرار ما يظن ويفعل ذلك البعض وبوسائل غير أدبية ترفعت عن الرد عليها حينها لأني أعرف بالنيات مسبقا . فالمقصود في إجابتي هنا هو إنني أعتز بمن سبقني ومن يعاصرني وبمن سيأتي بعدي كوني جزءا من الكل في وحدة الكل ولا أدعي التفوق على أحد . نعم أعترف بان نصوصي فيها شيء من الغموض لكنها تعمل وفق منظور الصورة المركبة المترابطة في النص الحديث . ونعم تحتاج في بعضها إلى سبر ووعي تحليلي لفك رموزها لكنها غير مستعصية كما ورد في سؤالك ، وأنا في ذات الوقت لست بحاجة حتى إلى قراءة منتجة على غرار ما قاله لي ناقد معروف ( أريد أن أكتب عن نصوصك لكني بحاجة لأن تشرح لي ما يعتاص عليّ ) فأي ناقد هذا ؟ وربي لا أريده لا قارئا ولا يشرفني نقده ، لأني لن أكون تقريريا ولا تسجيليا يوما ما ولا أكتب ما يستسهله القارئ كوجبة سريعة .. وما أكتبه أعتز به لأنه سيبقى معبرا عن مكوناتي اللغوية والشعرية ممثلة بمشروع الاختلاف الذي لا أحيد عنه أبدا . مع احترمي لجميع آراء زملائي إن كان رافضا مشروعي أو مؤيدا له فكل قارئ وأديب له خصوصيته في الفهم والتصرف وفق ما يرى ويشاء ، لكن حسبي دائما بالرأي الناضج والمنصف فهو مضارعي وندّي الذي أحترم..‏
أنا أشكرك جزيل الشكر الأستاذ الشاعر والأديب الكبير عبد الستار نور علي هذه المشاركة الراقية في حوار النخبة .. مع اعتزازي الكبير .
فائز الحداد
العراق
_________
تعقيب _ إ. د. إنعام الهاشمي : أستميحُ شاعرَنا الفائز الحداد وشاعرنا الجليل عبد الستار نور علي عذراُ في شرح وجهةِ نظري حول اختيارِ قصائد الثلاثية المقدَّسة رغم أنّ قصائدَ الحداد الأخرى تزخرُ بالرموزِ المقدَّسة.
نعم أتفقُ معكَ شاعرنا الجليل أن قصائدَ الحداد زاخرةٌ بالقدسيات وأذكرُ منها قصيدتين عن سيّدنا الحسين ؛ الأولىَ عمودية المبنى بعنوان "دماؤك العراق .. يا سيدي الحسين" وهي التي أشرتُ إليها في‎ مقدمة ‏الثلاثية المقدسة وأسميتُها مجازاً قصيدةَ الحسين، وبعد ذلك نشِرت له قصيدةٌ نثرية حداثية بعنوانِ "الحسين" وهي مختلفةٌ تماماً عن الأولى إلا بروعتها فكلتاهما رائعةٌ بخصوصيَّتها فهو دوماً يسابِقٌ نفسَه ليتفوق عليها، قتطفُ من الأولى الأبيات التالية:‏‎

‏ (من أول ِِ الدهر ِ حتى آخر الزمن‎ ِ ‎
‏ تبقى الحسينَ لكلِّ الأرض ِ يا وطني‏‎
ما سرُّ جُرحِك َ ، طولَ العمر ِ‎ أحمله ُ‎
‏ من خامة ِ المهد ِ حتى خامة ِ الكفن ِ‏‎
كم كربلاءَ حملنا فيكَ يا‎ وطناً‎
‏ الله يا وطني، يا عيني يا وطني‏‎
شهيدُ اسمك مذبوح ٌ بألسنةٍ‎
‏‎ تخشاكَ صدقاً على إطلالة ِِ الحَزن ِ‏‎
تلك السيوف ُ التي أدمتك َ يا أبتي‎
‏‎ ألقت برأسي على سجادة ِ الفتن ِ‏‎
نفسُ الأكف التي ريق َ الحسينُ بها‏‎
‏ تريقُ‏‎ ألفَ حسين ٍ ، يا أبا الحسن ِ‎
هم راكعون الى التيجان ِ يا أبتي‎
‏ يا من بعمرك‏‎ َ لم تسجد الى الوثن )‏‎

ِ‎
والقصيدة الثانية وجدتُها قِطعةَ مكمِّلة لسابِقتها بأسلوبٍ‎ مختلفٍ ولكنَّه أخّاذٌ بمشاعِرِه وبتركيباتِه وجُمَلِه ... هاتين القصيدتين تدخلان القدسية من باب آخر وهو الباب الديني الذي يزخر به الأدب العربي وخصوصاً بشقّ العمودي، إلا إن فائز الحداد يلج هذا المدخلَ من بابٍ مختلف يظهرُ فيه التجديدُ في الأسلوبِ والمعاني وتركيباتِ جمله ، وأقتطف من الثانية ما يلي:

(ما لك .. إلا أن تكون الحسين
بذرة النبوءات في ضمير العرش
وبيان الحق في الحكمة القتيلة
هل لك أن تكون غير الحسين ..
بوابة الفتح للشهادة ، و قبلة السيف للجراح‏‎ ؟
أشك .. ويقيني دمي
أراك فاغرا بشفة الماء ، كلما قبلني الفرات
و ما عاد فراتا بعدك !
خذ إصبعي أزميلا لأنحت جرحي ..
وأنت تحمل قلب الله بصدر زينب
مآذن ذبيحة ..
الكل قتلى بعدك .. إلا ضميرك الذي لا يصاب
‎ هل خالجتك المنايا دامية بفرس نافرة ، على أرض عاقرة ..
وأنت تلوك .. ا ل آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
يا قلبي عليك بألف دمعة نبي ..
‏ هاشمي يذبح بعيون مكة .. بشفار الرعيع ؟؟)
لم يفتني الالتفاتُ لهاتين القصيدتين ولكنهما خارجَ نِطاقِ الثلاثيَّةِ المقدَّسة ِالتي تركِّزُ على استخدامِ التعابيرِ الدالَّة على القدسيَّة بمفهومٍ عِلماني. وقد وجدتُ أنَّ هاتين القصيدتين تقعان ضمن ما اسميتُه "حسينيات فائز الحداد"، فإن جادَ يراعُه بثالثةٍ الحسينيّات، ربما ينتج عن ذلك مشروعٌ ترجميّ يوازي الثلاثيّة المقدَّسة. أما لماذا اخترت القصائد الثلاث في الثلاثية فأقول:
الأولى "يوسف" هي أكثر قصائده قوةً في تمثيلِها للمقدَّساتِ، وفيها يظهر تجانس و تَماهي ذات الشاعرِ مع الشخصية المقدسة، تليها في ذلك "المجدلية" حيث تدخلُ الحبيبةُ كعنصرٍ ثالث ٍمع ذات الشاعر الحبيب متماهية مع الشخصيّة المقدَّسة "المجدلية"، وهذان خياران يفرضان نفسيهما؛ أما الثالثة "كأني أقبلك في الصلاة" فهي تشتركُ مع قصائدَ أخرى في استعمالِها للرموزِ القدسية ولكنَّها تبقى أكثرَ القصائِد قرباً للقصيدتين الأخريين ، وفيها يتخلصُ الشاعرُ من الشخصياتِ الرامزة للقدسيَّة ويبقي على الحبيبِ والحبيبةٍ ومحرابِهما ورموزهِما المقدسة التي تفوقُ في حضورها ما في أيٍّ من قصائدِ هِ الأخرى رغم احتواء الكثيرِ منها على الرمزِ المقدَّس.
لعلي أوضحت هنا سببَ اختياري لقصائدِ الثلاثيةِ، أما لماذا ثلاث وليست أربعُ قصائد مثلاً أقول إن الارتكازِ ليس بحاجةٍ إلى أكثر من ثلاثِ أثافي! وهل سيحدد الشاعر بهذه الثلاث؟ بالتأكيد لا، ما رأيك بالثلاثية الحسينية مثلاً؟ أو الثلاثية المقدَّسة الثانية؟
أقفُ هنا و أتقدم بشكري وتقديري للشاعر القدير والإنسان بخلقه الراقي لاستجابته للدعوة ومشاركته في حوار النخبة بعمق أسئلته وثراء معرفته وفكره المميز..
وماذا أقول لشاعرنا العرّاب الفائز الحداد؟ يعطيك العافية وطول التفس فنحن مازلنا في بداية المشوارِ باقة نرجس لكل منكما؛
حرير و ذهب( إنعام)
الولايات المتحدة


نبذة موجزة عن المشارك في حوار النخبة
عبد الستار نورعلي

من مواليد بغداد باب الشيخ 1942
خريج كلية الآداب جامعة بغداد 1964
عمل في سلك التدريس لمدة خمسة وعشرين عاماً
مقيم في السويد منذ عام 1992
يكتب الشعر والمقالة النقدية والسياسية والترجمة في الصحف والمجلات العراقية والعربية منذ عام 1964 ، وعلى مواقع الانترنيت حالياً.
صدر له في السويد:
1. على أثير الجليد: مجموعة شعرية بالعربية والسويدية
2. في جوف الليل: محموعة شعرية
3. باب الشيخ : مقالات
4. شعراء سويديون دراسات ونصوص
5. جلجامش: مسرحية شعرية للشاعر السويدي أبه لينده ترجمة
له عدة مخطوطات تنتظر النشر :
1. الكرد الفيليون تاريخ ومعاناة
2. شعراء سويديون دراسات ونصوص الجزء الثاني
3. منْ شعراء العالم : ترجمة
4. سفر التكوين : محموعة شعرية
5. بلا عنوان: محموعة شعرية
6. مقامة المتهجّد : مجموعة شعرية
7. الرواية الأولى : مجموعة شعرية تضم قصائد السبعينات والثمانينات
وله كتابان تحت الطبع من اصدار وزارة الثقافة العراقية:
1. برومثيوس حبيساً : مجموعة شعرية
2. في رحاب الكلمة : مقالات نقدية


سيتم نشر الحلقة الثالثة من حوار النخبة خلال الأيام القليلة القادمة وفيها يجيب شاعرنا الفائز الحداد على أسئلة الأديب الصحافي أحمد عبد الهادي رئيس حزب شباب مصر ومرشح حزبه لرئاسة الجمهورية ورئيس تحرير جريدة شباب مصر.


لقراءة الحلقات الكاملة من الحوار إضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.