علينا أن نفهم المنطق الذى يحكم القوى الدولية فى إدارة الملفات، فعندما تفكر الدول يصبح منطقها سياسات وحركتها أليات ونظامها قوانين، لذلك فإن حسابات الدولة هى حسابات تتعلق بحركة تدافع اجتماعى وسياسى لا يمكن حسمها على طريقة " يلا بينا نعمل "، والحقيقه أن حركة الأحلاف تأخذ وقتاً أكبر مما يظن البعض، وتسبقه احداث وردود افعال، وتصاحبه فك علاقات سرية و صناعة اخرى وتصفيات حسابات فيما خلف الكواليس. يقول زكريا محى الدين نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة سابقاً فى محاضرة استراتيجية عام 1962 متحدثاً عن " لعبة الأمم ": (إنها لعبة تختلف عن غيرها من انواع اللهو واللعب مثل البوكر أو الحرب أو التجارة فى عدة نواح مهمة وهى) : أولاً : لكل لاعب فى هذه اللعبة أهدافه الخاصة التى تختلف عن أهداف الآخرين، كما أن تحقيق هذه الأهداف هو مقياس نجاحه. ثانياً: كل لاعب فى هذه اللعبة مجبر بظروفه داخل بلاده على القيام بأعمال وتحركات ضمن مجال اللعبة دون أن يكون لها علاقة باسباب النجاح بل يمكن أن تقلل من فرصة النجاح نفسه. ثالثاً: فى لعبة الأمم لا يوجد فائزون البته، بل الكل خاسرون، لهذا لم يكن حرص كل لاعب على النجاح بقدر ما هو تجنب الضياع والخسارة. إن الهدف المشترك لجميع اللاعبين فى " لعبة الأمم" هو رغبتهم فى المحافظة عليها مستمرة دون توقف. ذلك لأن توقف هذه اللعبة " لعبة الأمم" – لا يعنى سوى شئ واحد ألا وهو " الحرب". أنتهى. جزء كبير من اللعبة الدائرة فى العالم يقوم على منطق توازنات زكريا محى الدين، وهو حالة ظاهرة أمامنا اليوم فى تحليلنا للعبة التوازنات بين القوى الكبرى والدول الاقليمية وحتى الدول الصغيرة، فمثلاً عندما امعنت النظر فى التقلبات التى تشهدها العلاقات الايرانية الاسرائيلية والعلاقات المثلثية بين الولاياتالمتحدةوايران واسرائيل، حرصت على التركيز على التطورات الجيوسياسية بدلاً من التركيز على الإيديولوجية أوالتبريرات السياسية العابرة، أو وجهات النظر التبسيطية، يظهر لنا أن التحولات الكبرى فى العلاقات بين ايران واسرائيل ما هى إلا نتائج لتحولات جيوسياسية _ وليس ايديولوجية او عقائدية _ وأن حلا يتم التفاوض عليه الأن للمنافسه الاستراتيجية بينهما. العداوة الحالية المستحكمة بين البلدين أكثر ارتباطاً بالتغيير فى توازن القوى فى الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب الباردة، وليس موضوع الخلاف هو الثورة الإسلامية فى العام 1979، بالرغم من أن البعض يتصور أن الثورة الاسلامية فى إيران تعد لطمه لإسرائيل، إلا أن الواقع أن اسرائيل كانت تدعم الثورة بنفوذها الدولى كما سعت لتحسين علاقاتها مع حكومة أية الله الخومينى كثقل مكافئ لاعداء اسرائيل من العرب، نفس اللعبة التى لعبتها لاحقاً وما زالت موجودة الى الأن مع تركيا، تلك اللعبة التى وضع نظريتها بن جوريون. نظرية مؤسس اسرائيل تقوم على أن تحقيق اسرائيل الكبرى يجعل مسألة تعامل اسرائيل مع العرب فى أطار صراع الوجود، واسرئيل بطبيعة الحالة فى حاجة إلى تخفيف الضغط عليها خاصة فى أوقات بداياتها الأولى، وهو ما دفع بن جوريون لإختراع مبدأ المحيط، الذى ظل مهيمنا على الفكر الاستراتيجى الإسرائيلى حتى انتهاء الحرب الباردة، لذلك اتجهت اسرائيل لبناء تحالفات بدأت مع الشاه قديماً ومع تركيا حديثاً وحتى الأن. ينص مبدأ بن جوريون على بناء تحالفات مع الدول الغير عربية التى تربطها نقاط تماس استراتيجى مع الدول العربية، وعلى الخصوص إيرانوتركيا واثيوبيا، فضلاً عن الاقليات كالمسيحيين اللبنانيين والجماعات غير العربية مثل الأكراد، اعتماداً على ان شبكة التحالفات هذه ستزرع إسفيناً بين أعداء اسرائيل، وتضعف التكتل العربى، وتوقف أنتشار القومية العربية فى المنطقة. حالة النزاع العربى الاسرائيلى هو صراع مباشر بين العرب واسرائيل، وليس صراع شرق أوسطى، وعلينا أن نعى أن اسرائيل هى المستفيد الأول من توسعة الملعب إلى خارج المنطقة العربية، وان أى تداخل من قبل دول المحيط العربى تأتى بالتأثير العكسى على العرب فى مصلحة اسرائيل. انظروا كيف استغلت ايران القضية الفلسطينية والصراع العربى الاسرائيلى لصالح اهدافها الجيوسياسية وتمدد نفوذها فى منطقة الخليج وسوريا، وكيف تحولت حماس نتيجه لتشابك المصالح الإيرانية والسورية معها إلى تحولها إلى مخلب قط مباشر فى حالة تفكيك القدرات العربية على التماسك. تذكروا كيف لعب أردوجان على مشاعر العرب من دافوس وحتى مشكلة مركب المساعدات التركية الى غزة، لتعرفوا أن القضية الفلسطينية باتت معبر لأصحاب الطموحات الأقليمية، وإذا نظرنا بعمق سنكتشف بسهوله أن المشروع الإيرانى فى المنطقة يحاول أن ينافس مشروع الناتو التركى، الأمريكان والاسرائيليون ينظرون إلى العملية بشكل مختلف هم يريدون الفوضى الشامله لهذا الاقليم، وصولاً لمشروعها فى الاقليمى من النيل إلى الفرات. الجديد اليوم أنه ثمه تقارب امريكى ايرانى تحاول اسرائيل أن تمنعه، والواقع انها لا تسعى الى منعه، وانما تسعى لجعله اتفاقاً ثلاثياً وليس ثنائيا .