جهزت أمريكا منذ فترة القوة العسكرية " أفريكوم " ، والتي تتخذ من شتوتجارت الألمانية مقراً مركزياً في انتظار اللحظة التي ستنتقل فيها القاعدة إلى افريقيا، ويبدو أن تراجع النفوذ الامريكى في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا قد يدفعها للإسراع إلى نقل القاعدة وقوتها العاملة إلى المواقع المراد لها في شمال أفريقيا ووسط وربما غرب افريقيا، إذ أن أمريكا تسعى إلى تعويض انهيارها السياسي بهيمنة عسكرية تظهر في تعزيز وجودها الاستراتيجي بقواعد عسكرية ثابته تديرها قوات تدخل سريع بالتوازى مع هجمات الطائرات بدون طيار الموجودة في اليمن باكستان، والأمر نفسه يتم في العراق الآن، ومن الواضح ان أمريكا تريد نفس الشيئ في سيناء وهو الأمر الذى رُفض مصرياً، لكن التطلعات الامريكية في ملف تعاملها مع مصر لا تتوقف أبداً، فبعد أن فشلت محاولات انشاء قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة حلايب وشلاتين وهو الأمر الذى دفع المعزول مرسى إلى عرض إعادة حلايب إلى السودان حتى تتقدم أمريكا للسودان بالطلب وليس مصر وحتى يتخطى رفض الجيش المصرى لإقامة القاعدة على أرض مصرية ، ولأن هذا المشروع على أهمية استراتيجية كبرى لواشنطن، فإن البيت الأبيض أسند فى 2008 لقوة التدخل السريع الأمريكية في افريقيا " أفريكوم " إدارة ملفات أفريقيا الحيوية تحت مسمى الحرب على الأرهاب ومتابعة النفوذ الأمريكى لكل الدول الأفريقية، ماعدا مصر التى توليها الإدارة الأمريكية أهمية قصوى فيتم متابعتها من المركز الرئيس فى ميامى، هنا تتكشف لنا أبعاد الرؤية الأمريكية، التى تتلخص فى ضرورة فرض النفوذ الامريكى على افريقيا ومقاومة النفوذ الصينى والاوروبى داخل القارة وبالرغم من وجود قواعد عسكرية أمريكية في جيبوتى وغيرها إلا أن حركة الدولة الأمريكية تحتاج إلى وجود غطاء شرعى لحركتها المعلوماتية والعسكرية على حد سواء، ولهذا حاول أوباما اخذ خطوة لتحقيق هذا الهدف فى القمة الامريكية الافريقية الأخيرة. المنتدى الأمريكي الافريقي الذى أقيم الأسبوع الماضى كان محاولة أمريكا لضرب النفوذ الفرنسي فى منطقة شمال افريقيا والساحل الغربى لأفريقيا، الى جانب محاولة حصار النفوذ الاستثمارى الصينى في القارة السمراء، وهو يأتي بعد عام من المؤتمر الصينى الافريقى، لكن أمريكا أرادت ان تحول المؤتمر من النقاش في التعاون الاقتصادى إلى التعاون الامنى والعسكري، ويبدو ان أمريكا اعتمدت أثيوبيا كمركز لحركتها في المنطقة وذلك لتحقيق اهداف أهمها تقويض حالة استقلال القرار المصرى ، وذلك ليس بعيداً عن هدفها الذى تطمح إليه ألا وهو زرع قوات للتدخل السريع في افريقيا. وكذلك للوقوف أمام حالة التوافق الرباعى التى بدات تتشكل أضلاعة من مصر وروسيا والصين وجنوب افريقيا على خلفية تلاقى المصالح المصرية مع نوايا مجموعة البريكس. البعض تصور أن أمريكا استبدلت مكان القاعدة من حلايب ليكون في ليبيا لكن الأخيرة وحدها لا تكفى، إذ أن أمريكا قد سعت لإقامة قاعدتين عسكريتين للطائرات بدون طيار في الجزائر للعب دور مساند لها في عمليات عسكرية في العمق الليبى لكن الجزائر رفضت، والبعض يفهم خطأً أن قوات التدخل السريع الأمريكية ستحتاج إلى مقر واحد وثابت لحركتها فالواقع يقول أن قوات من هذه النوعية تحتاج إلى أكثر من نقطة ارتكاز لتنظيم حركتها، وبالأخص إذا عرفنا انها من ضمن اهداف القاعدة الاستطلاع المعلوماتى خلال المنتدى الامريكى الافريقى أعلنت فأمريكا عن سعيها لتسكيل قوة تدخل سريع في افريقيا بالتعاون مع دول افريقية بهدف محاربة الإرهاب، ولم تنتهى اعمال المنتدى حتى أعلنت البيت الابيض عن انضمام 6 دول افريقية وهى (غاناواثيوبيا والسنغال وتنزانيا ورواندا واوغندا)، وهذا يعنى بوضوح انشاء قواعد في أربعة من دول حوض النيل وهى اثيوبيا وتنزانيا وروندا وأوغندا لتكون مقرات لتحرك القوات الأمريكية فى القارة السمراء، إذ تسعى أمريكا الى إعادة انتشار قواتها العسكرية بما يعزز من سيطرتها على وسط افريقيا ويدعم وجودها في مناطق النفوذ الفرنسي. لكن ما يعنينا في هذا الأمر هو أن الولاياتالمتحدةالامريكية رصدت 110 ملايين دولار سنوياً على مدى خمس سنوات وهو رقم يبدو غير كبير، ولكنه يعزز فكرة أنها ميزانية معدة لإنشاء مقرات للقوة افريكوم فقط دون وجود فعلى لقوات من دول أخرى، وقد خصصت هذه الميزانية لدعم تشكيل قوة تدخل سريع افريقية موازية لقوات الاتحاد الافريقى. قابلت غالبية دول القارة الطلب الامريكى بالتشكك، خاصة وأن هناك رأى قوى أخر داخل القارة يتجه لدعم قوات الاتحاد الافريقى وتوسيعها بدلاً من اللجوء للولايات المتحدةالامريكية في حل نزاعات القارة، وبعيداً عن حالة الرفض والقبول بالقاعدة يبدو ان اسراع أمريكا بتشكيل هذه القوة يستهدف هجوماً على دولة جنوب السودان، خاصة تزامنها مع تصريحات إدموند موليه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون بأن جنوب السودان على شفا كارثة إنسانية وصراع داخلى نتيجة للحروب هناك ومطالبته بتدخل قوات لحفظ السلام لنزع فتيل الصراع الدائر هناك، والمتوقع أن يكون أول أهدافها هو شن عملية عسكرية في جنوب السودان ، ووصولها إلى جنوب السودان يعنى شيئاً واحداً أن منابع النيل باتت ورقة ضغط في يد واشنطن.