تحمل المعجزة السنغافورية العديد من الملامح التى يجب أن تلتفت كل الدول التى ترغب فى القيام بثروة اقتصادية و اجتماعية للارتقاء بين الأمم. فبعد أن وصفها الخبراء بدولة بدون مقدمات، و صنفت بين الأفقر عالميًا، و رفض سياسيون حول العالم الاعتراف بها كدولة مستقلة، أصبحت اليوم تصنف إقتصادها بين الأقوى حول العالم. الطبيعة الجغرافيا للدولة تتألف جمهورية سنغافورة من جزيرة واسعة و بعض الجزر الصغيرة الواقعة فى المضايق البحرية المجاورة لها، و تقع الجمهورية في جنوب شرق آسيا، يفصلها عن الطرف الغربي من جزيرة الملايو مضيق جوهور و الذي لم يعد فاصلًا كبيرًا بينهم بعد إقامة المواصلات البرية و الحديدية بين الجانبين. وتشرف سينغافورة فى موقعها على مضيق ملقا الواقع بين الملايو و سومطرة و الذى أهلها لتكون أهم المواني التجارية في جنوب شرق آسيا لوقوعها على خطوط الملاحة بين حوض البحر الأبيض وغربي أوروبا من جهة وبين الشرق الأقصى من جهة أخرى. وتنخفض أرض سنغافورة بوجه عام مع وجود بعض التلال المنتشرة في الشمال الغربي تنحدر منها بعض المجاري الصغيرة فى إتجاه الجنوب الشرقي، و ترتفع أعلى قممها إلى «177» مترًا فوق سطح البحر فى الجنوب الشرقى من الدولة. و تغطي غابات المنجروف الكثير من سواحل الدولة مع وجود الغابات الإستوائية التي تغطي بعض تلالها، و قد ازيلت مساحات كبيرة من هذه الغابات لإحلال الزراعة مكانها، محولة أرض الجزيرة إلى مزارع علمية واسعة للمطاط و جوز الهند و الفواكه المدارية. ثقافة دولة تعتبر الثقافة السنغافورة من الثقافات المعقدة حيث تعتبر من الثقافات التى تحتوي على مخلوط كبير و واسع من الثقافات العالمية و ذلك فى نتيجة حتمية لعدد من الهجرات الكثيرة إلى الأراضي السنغافورية على مر التاريخ. بدأت الهجرات إلى سنغافورة من البداية القصوى للتاريخ منذ أكثر من «1500» حين كانت جزر الدولة السنغافورية تابعة للمملكة الملايوية. حيث توافد عليها التجار من الصين و الهند بالبضائع النفيسة وقتها من الحرير و الذهب حاملين معهم الثقافات الهندوسية و البوذية. و بعد ألف عام وصل التجار العرب إلى أرض سنغافورة بثقافتهم الشرقية و الإسلامية، و مع وصول البرتغاليون إلى أرض سنغافورة كانت ثقافتة الإمبراطورية أغنى بالفعل من ثقافتهم الخاصة. كما إمتزجت الثقافة السنغافورية على مر التاريخ بالثقافات البريطانية و الماليزية و الباكستانية، و وصل الحال بالدولة السنغافورية بعد العديد من الهجرات إلى اراضيها أن أصبح الأجانب يكونون ما يعادل «42%» من سكان سنغافورة. بداية الجمهورية كانت الأراضى السنغافورية حتى أغسطس عام «1965» تابعة لماليزيا و كانت تعتبر الرقعة الزراعية للدولة، و كانت الدولة الماليزية تستورد العملة الصينة للعمل فى هذه الأراضي حتى خافت على مصالحها السياسة و الإقتصادية من إزدياد العمالة الصينية فى أراضيها. حتى قرر البرلمن الماليزي فى 9 أغسطس من عام «1965» فصل إقليم سنغافورة عن الدولة حتى تعود نسبة الملاويين فى ماليزيا عالية مرة أخرى ليعلن بعدها بساعات برلمان سنغافوري الانفصال واعلان جمهورية سنغافورية مستقلة لتصبح سنغافورة في تلك المنطقة تعرف شعبيًا بإسرائيل الآسيوية نظرا لتشابه البدايات. و قد أدى يوسف بن إسحاق اليمين الدستورية لمنصب رئيس سنغافورة ليكون بذلك أول رئيس لجمهورية سنغافورة وأصبح لي كوان يو أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة و رائد النهضة فى الدولة السنغافورية حديثة العهد. كانت ردود الأفعال على هذا الإستقلال متباينة، حيث كان تعليق رئيس وزراء ماليزيا تنكو عبد الرحمن أنهم قد قرروا أنه لابد من الإنفصال، فى حين ظهر نظيره السنغافوري لي كوان بعد الإنفصال مؤكدًا أنه كان يؤمن بالإندماج و الإتحاد بين المنطقتين. الجدير بالذكر أن مصر كانت مصر أولى الدول التي إعترفت رسميًا بالدولة السنغافورية فى حين كتبت الصحيفة الأسترالية «سيدني مورننج» عنوانًأ بنص سنغافورة كدولة مستقلة لم تكن من الأمور القابلة للتحقق منذ ثلاث سنوات، والوضع الحالي لا يبشر بتغيير . الطريق إلى النهضة بعد إعلان الاستقلال تم تصنيف جمهورية سنغافورة من ضمن أفقر الدول المستقلة بالعالم، فبمقاييس المقومات لم تكن لسنغافورة أية موارد على الإطلاق و بحسب خبراء الإقتصاد فى الستينيات كان لابد لهذه الدولة أن تقبع طويلًا بين أفقر الدول فى العالم. و كان قد صرح الكثير من الساسيين حول العالم بعد إستقلال الجمهورية السنغافورية أن هذه الدولة لا يوجد لديها أى من مقومات الدولة على حد وصفهم، و لهذا لا يجب أن تعترف بها الأممالمتحدة. بدأ أول رئيس سنغافوري بإدارة بلدٍ غارق فى الفساد و الفقر و غياب الوعي، و لكن تمثلت أكبر المشكلات فى طريق الدولة ناحية النهضة هى عدم تجانس سكانها نظرًا إلى أنهم خليط غير متجانس من الصينيين و الهنود و الماليزيين، ممن يدينون بأديان مختلفة و تحكمهم عادات و تقاليد متباينة. و لكن بعد مرور «25» عامًا أصبحت من أغنى الدول إقتصاديًا فى العالم و كان ذلك عبر تبنى رئيس الوزراء استراتيجية الاستثمار في العقول حيث إستقطب، وإستورد أذكى المدراء والتقنيين في العالم. ووضع رؤية واضحة لمستقبل بلاده , حدد فيها مفاهيماً واضحة وذكية لمعاني الثروة والغنى والنجاح, فكان يؤمن بالناس كثروة إذا ما استثمروا. و كانت أولى القرارات الجريئة التى اتخذها، هو جعل سنغافورة ذات اقتصاد عالمي, من خلال دعوة الشركات الصناعية في العالم إلى الاستثمار فيها دون قيود, ودون أي رسوم على الواردات, مما وضع حلاً لمشكلة البطالة, كما أرسل فريق تسويق للشركات العالمية لإقناعها بالفرص المتاحة، وبالفعل بدأت الشركات العالمية والمحلية في التنافس، وكانت الحصيلة أرقى المنتجات, بتكنولوجيا عالية. و تحولت الدولة السنغافورية من دولة صنفت بين الأفقر عالميًا و رفض السياسيون الإعتراف بها فى الأممالمتحدة إلى دولة ذات إقتصادٍ من الأغنى عالميًا بإرادة شعبها و عزيمة قياداتها.