علي باب اتحاد الكرة الذي سار خرابه قابلته اليوم .. احتضنني وانتحب من البكاء ..عم أمبابي هذا الرجل البسيط الذي يعمل في الاتحاد منذ أكثر من 40 عاما . صورته التي رأيته عليها قبل 29 عاما وأنا أدخل مبني الاتحاد لأول مرة وأنا أحبو في عالم الصحافة أسأل عن اللواء محمد خليل الديب مدير الاتحاد يرحمه الله ويقابلني عم أمبابي يدلني علي مكتبه في طيبه وبشاشة كانت لا تفارقني. طوال هذه السنوات لم أعرف أسمه كاملا فقد كان عم أمبابي واحد من الذين أحبهم وأحرص علي السلام عليهم كلما دخلت الاتحاد فهو يمثل لي أيام جميلة قضيتها في هذا المبني المطل علي النيل الذي يمثل جزء من تاريخ مصر . بين جدران هذا المبني تتجسد سنوات طوال من تاريخ الكرة المصرية الذي يمتد لحوالي قرن من الزمان صحيح أن هذا المبني لم يشهد بدايات تأسيس الاتحاد الذي كان في شقة في شارع الشواربي بوسط القاهرة والتي أصبحت مقر لمنطقة القاهرة لكرة القدم في عمارة من العمارات التاريخية. ومنذ تولي المشير عبد الحكيم عامر رئاسة الاتحاد في مطلع الستينيات قرر أن يخصص هذه المبني الراقي للاتحاد..ولم يكن يعرف أنه سيجيء يوم تهاجمه مجموعة من الصبية وتحرقه وتحرق معه سنوات من التاريخ المصري وتحرق قلوب محبه لبلدها ومرتبطة بهذا المكان الذي عاشوا فيه سنوات عمرهم ولهم فيه ذكريات لا تنس لذا كانت دموع عم أمبابي. كنا اليوم في مقر الاتحاد نتبادل التعازي .. نقول لبعضنا البعض : " إنا لله وإنا أليه راجعون " فهذا ما أمرنا به في المصيبة ..وأي مصيبة أكبر من أن ترى من يصنفون علي أنهم مصريين يحرقون بلدهم ويدمرون ممتلكات هذا الشعب المسكين الذي أشك أنهم منه . تجمع العشرات من الرياضيين في حديقة مبني الاتحاد ورائحة الخشب المحترق تزكم الأنوف ..وستائر الخراب تغطي كل جزء في هذا المكان الذي عاش إنجازات وعاصر شخصيات وكان حلما للكثيرين من رموز الرياضة العربية والأفريقية أن يدخلوه ..جار عليه الزمان فأنتهكه السفهاء ودمروه . كنت اربت علي كتف عم أمبابي وأنا أتذكر الأيام التي قضيتها منن شبابي بين جدران المبني أتابع أخباره اعرف كل صغيرة وكبيره فيه ..كل العاملين فيه وكأنهم أخوتي أعرف عنهم وعن أسرهم وإسرارهم الكثير في زمن كان الصحفي لا يترك مصدره ويبادل العاملين فيه الاحترام ويكتسب ثقتهم لأنه يؤدي رسالة سامية لا يستخدم قلمه لإرهاب أو ابتزاز أو ابتذال كما يحدث للأسف الآن بعد أن أصبح الكذب والإرهاب الإعلامي منهج لدي البعض !! كيف كنا نجتمع لصلاة الظهر خلف عم عبد النعيم أقدم العاملين في الاتحاد ..هذا الرجل النوبي الشامخ المعتد بنفسه رغم أنه كان حارس الاتحاد مع أخوه عم علي ويقوم بالخدمات في الاتحاد ولكنهما كانا من أصحاب المكانة والاحترام في قلوب الجميع فلدي عم عبد النعيم سمات المصري الأصيل الحكيم الذي شكلت شخصيته حضارة وتاريخ ألاف السنين . قلت لعم أمبابي لا تحزن هذه للأسف بلدنا وحالها الذي مال إلي طريق الضلال ..وأحاول أن أمسح دموعه وأنا أسمع صوت صديقي وأخي سيد بخيت يقول " لي مسألتش علي أمس أنا زعلان منك "وسيد هو الآن مدير لجنة المسابقات و بدأ عمله في الحسابات مع الأخ والصديق طاهر النجار وفي مكتبهما الذي كان في الدور الأرضي كانت لنا حكايات نادرة حيث أعتدنا أن نجلس مجموعة الصحفيين الذين يغطون أخبار الاتحاد ولم نكن نتجاوز 5 شباب في ذلك الوقت لنستمتع بخفة ظلهما .. لم يكن أحد في الاتحاد خل من الباب إلا ويمر علي طاهر وسيد ..والضحكات والقفشات لا تتوقف . قلت له سامحني لم أكن أعلم أنك في الاتحاد في هذا اليوم فقد حل الخراب في يوم السبت ولم أكن أعرف انك موجود..وألتفت إلي عم أمبابي الذي كانت دموعه لم تجف وجعلتني أتوقف كثيرا عند المشاعر الإنسانية التي يمتلكها هذا الرجل وبين تلك التي يفتقدها كل مُخرب دمر هذا المبني وسرق وشوه هذا التاريخ لصالح من يريدون القضاء علي مصر كما كان الشعار الذي نشره موقع قناة الجزيرة القطرية الرسمي قبل عامين ( معا لإسقاط مصر ) ها هو من يحاول تحقيقه ولا تنسوا أن نسخة كأس الأمم التي سرقت من الهجوم الأول علي الاتحاد قبل شهور وسرقة بعض محتوياته تم ضبطه في المطار مع راكب كندي في طريقه إلي قطر ؟!! الذين شاهدوا كل من كانوا في الاتحاد اليوم الحاج فوزي غانم صاحب التاريخ الطويل في الاتحاد وقد أنحنى ظهره وكأنه يسير في جنازة عزيز لديه والكابتن محمود عثمان وقد اختفت الابتسامة من علي وجهه لأول مرة والذين رأوا سنوات طوال تحترق أمامهم وقد أصبح هذا حال بلدهم التي تسلط عليها سفهاء فأصابوها في بالبلاء ..أن ما حدث نتاج الغباء الذي لم يعمي الأبصار ولكن أعمي القلوب التي في الصدور ..هيا كلنا نبكي مع عم أمبابي فهو واحد من أصحاب المشاعر الصادقة التي افتقدناها في هذه الأيام السوداء