يعد إطلاق سراح عبدالباسط المقرحى، المدان فى تفجير لوكيربى، مجرد الفصل الأخير فى سلسلة صفقات معظمهما تضمن غض الطرف على الأقل جزئيا عن اعتبارات العدالة والحقيقة. خلال هذا الأسبوع، تقاطعت الثورة التى أتت بمعمر القذافى إلى الحكم قبل 40 عاما ونظام اللامركزية الذى منح اسكتلندا حكومة محلية خاصة بها قبل عشرة أعوام، بطريقة لم تظهر أيا من الحكومتين المعنيتين فى صورة جيدة. وفى كل من إدنبره وطرابلس وواشنطن ولندن، يبدو المشهد المصاحب لإطلاق سراح المقرحى هزليا إذ لم يجر الاهتمام بمأساة العائلات التى فقدت أحباءها فى تفجير الطائرة بان إم 103. وربما يكون وزير العدل الاسكتلندى كينى ماكاسكيل قد اتخذ القرار الأنسب، أو لم يتخذه، لكن طريقة إعلانه عن القرار عبرت عن رغبة غير ملائمة فى ظل هذا الظرف فى تحقيق الاستفادة القصوى من وجود اسكتلندا فى دائرة الضوء الدولية، وإظهار أن هذا البلد قادر على صياغة سياسة خارجية مستقلة جزئيا على الأقل فى هذا المجال الخاص بالقانون. وقد بدا أن الزعيم الليبى معمر القذافى أو على الأقل نجله سيف الإسلام عازم على جعل الإفراج عن المقرحى جزءا من الاستعدادات للاحتفال بذكرى الثورة. ويعد ذلك دليلا إضافيا على أن السنوات التى كانت فيها ليبيا دولة منبوذة قد أصبحت ماضيا، وأن الجميع أصبحوا يسعون لاستمالة هذا البلد وتقديم الكثير من التنازلات له. وقد يكون الدور الذى لعبه سيف الإسلام فى إطلاق سراح المقرحى جزءا من المناورات الدائرة بين أبناء القذافى، من أجل خلافته فى حكم ليبيا. وفى الوقت نفسه، وبالرغم من أن الحكومة البريطانية أرادت بوضوح التوصل إلى نتيجة ترضى ليبيا، فإنها قد شعرت بالقدرة على انتقاد الاسكتلنديين، بهدف إرضاء الرأى العام فى بريطانيا والولاياتالمتحدة. وقد كان تشديد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد ميليباند القاطع على الحقوق الدستورية متناقضا تماما مع الغموض الذى أبداه عندما سُئل عن رأيه بشأن ما كان يجب القيام به. ولم يكن حال إدارة أوباما أفضل. ذلك أن الولاياتالمتحدة التى لا ترغب فى تنفير دولة غنية بالنفط، تبدى ترددا بين منح خدماتها لروسيا، وبين منحها للدول الغربية. غير أنه بالنظر إلى أن اسكتلندا هى الطرف المنوط به اتخاذ القرار، فقد كان مأمونا بما فيه الكفاية بالنسبة للحكومة الأمريكية أن تبدى اعتراضها على القرار من حيث المبدأ. ومما يبعث على التعاسة أن ما يجمع كل هذه الحكومات هو العزوف عن السعى إلى الحقيقة أو كشفها إذا كانوا يعلمونها بشأن تفجير طائرة بان إم 103. فقد ألقى محامون مبجلون بظلال من الشك حول دقة الأدلة التى ظهرت فى المحاكمة الأصلية، وهو ما يجعلهم غير قادرين الآن على تحديد ما إذا كان المقرحى مذنبا أم لا. وسواء كان المقرحى الأداة التى نفذت الجريمة، أو لم يكن، فنحن لا نعرف هوية من أصدر الأمر أو سهله. ومن ثم، نحن لا نعلم أى حكومة أو حكومات تتحمل المسئولية فى نهاية المطاف. لكنه يمكن القول إننا لا نعلم لأننا لا نريد نعلم. وقد يقول البعض إننا إذا تعقبنا الجريمة وظهر تورط النظام السورى أو الإيرانى أو الليبى، فإن تبعات ذلك سوف تهدد مصالح عدد كبير من الدول، وهو ما يجعل الأمر لا يستحق عناء المحاولة. ولا يمكن إنكار أهمية هذه المصالح، ذلك أنها تتجاوز تأمين المزايا التجارية لبريطانيا، أو تخطى العقبات البيروقراطية التى تواجهها شركة بريتش بتروليم العملاقة فى ليبيا. كما أن فتح هذا الملف قد يضر بالجهود الغربية الرامية إلى إنهاء العداء الطويل الأمد مع دول بعينها فى الشرق الأوسط وهى الجهود التى قوضتها العديد من القرارات التى اتخذتها إدارة بوش، لكن الرئيس أوباما جعلها فى حالة أفضل. كما أن ما تبقى من سياسة أوباما للاتصال مع إيران عقب النزاع حول انتصار أحمدى نجاد فى الانتخابات الرئاسية سيغدو معضلة أكبر. من ناحية أخرى، يمكن أن يتعطل التقارب مع سوريا الذى شهد تباطؤا عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى. غير أن أيا من هذه الاعتبارات ليس جديدا فيما يخص قضية لوكيربى. ذلك أن الكثيرين رأوا أن التحول الذى حدث فى السنوات الأولى من وقوع التفجير من حيث تركيز التحقيقات على ليبيا بدلا من سوريا ارتبط برغبة أمريكا فى تعبئة سوريا للمشاركة فى حرب الخليج الأولى، أكثر من ارتباطه بالتوصل الى أى دلائل جديدة. وبعد ذلك، كان سيُعد من قبيل البلاهة عدم التجاوب مع جهود القذافى لإعادة تأهيل نفسه. فقد جلب هذا التجاوب فوائد بعضها تجارى بالتأكيد، لكن الأهم كان إعلانه التخلى عن الأسلحة النووية، والإفراج عن الممرضات البلغاريات. وكان تسليم ليبيا للمقرحى والمتهمين الآخرين جزءا من عملية إعادة التأهيل الطويلة تلك. وتضمنت معظم هذه الصفقات غض الطرف على الأقل جزئيا عن اعتبارات العدالة والحقيقة. وبهذا المعنى، لا يختلف الفصل الأخير هذا عن الفصول السابقة عليه. Copyright: Guardian News & Media 2009