بينما ينصب معظم النقاش الدائر فى المحافل الأوروبية حول سوريا على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وعلى المفاوضات الوشيكة بين القوى الإقليمية والأطراف الدولية المنخرطة فى النزاع السورى، لا تلقى حماية المدنيين السوريين إلا القليل جدا من الاهتمام. لا شك أن التركيز على دفع الأهداف الدبلوماسية وأهداف مكافحة الإرهاب أمر صائب تماما، ولكن تلك الأهداف يجب أن يساندها لأسباب إنسانية واستراتيجية وقف للأعمال العدائية وإيصال فورى للمساعدات إلى المدنيين. لقد أكد قرار مجلس الأمن رقم 2254، الصادر فى 18 ديسمبر 2015، على أن نجاح مفاوضات السلام يتوقف على إرساء وقف لإطلاق النار على كل الأراضى السورية، لحماية المدنيين. وبالتالى، فمهمة المجتمع الدولى وواجبه الإنسانى يتمثل فى وضع نهاية لإراقة الدماء فى سوريا. فقد زادت جماعات المعارضة فى سوريا والقوات الموالية للحكومة على حد سواء، من معاناة المدنيين السوريين، بفرضها للحصار على بعض البلدات والمدن. ويمكن أن تعزى نسبة كبيرة من الخسائر التى وقعت أخيرا فى الحرب الأهلية السورية إلى قيام نظام الأسد بقصف المناطق المدنية المأهولة بالسكان. وبالتالى، فمن العوامل الأساسية لتسوية النزاع، الاستمرار فى مطالبة الأطراف المتحاربة باحترام حق البلدات والمدن المحاصرة فى الحصول على المساعدات الإنسانية الدولية، وأن تميز تلك الأطراف، بشكل أكثر وضوحا بين المقاتلين والمدنيين. هذا فضلا عن أن حماية المدنيين السوريين وتوفير المساعدات الإنسانية لهم عامل جوهرى فى قبول أى خطة سلام طويلة الأمد. فقد علمنا التاريخ، مرارا وتكرارا، أن مفاوضات السلام لا تنجح إلا عندما تضمن أمن ورفاه السكان المدنيين. فحصار بريطانيا العظمى لألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، كانت كلفته مئات الآلاف من الأرواح، وإضرام نيران الانتقام فى صدور الألمان. وأثبتت فترة ما بين الحربين، كذلك، أن الضغط الخارجى ضرورى لحماية حقوق المجتمع المدنى؛ إذ تراجع احترام حقوق الأقليات، المدعوم أمريكيا، فى أوروبا، بانسحاب الولاياتالمتحدة من السياسة الأوروبية. لذلك، فوجود قوى ضامنة خارجية أمر حاسم فى صيانة التسوية التفاوضية. وهو ما يعنى أن عملية السلام السورية على النقيض من نظام ما بعد الحرب فى العراق منذ 2003 يجب أن تستند إلى عملية مصالحة داخلية فى سوريا، تشتمل على تطبيق وقفٍ فورى لإطلاق النار؛ ولكنها تحتاج أيضا إلى ضغط دولى لتأمين المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، أى أن المطلوب هو استراتيجية مزدوجة من هذا النوع. لقد أصابت ألمانيا والاتحاد الأوروبى عندما ضمنا وصول المساعدات إلى كل سكان أوكرانيا خلال الحرب الأهلية التى اجتاحتها، مع ممارستهما للضغوط السياسية على طرفى النزاع لتحاشى المزيد من التصعيد فى العنف. كذلك أثبت حل النزاعات فى البلقان، بعد تفكك يوغوسلافيا، أن عمليات المصالحة قد تستلزم وجود تهديد بالعمل العسكرى حتى تنجح. وفى الوقت نفسه، لن يكفى، على المدى الطويل، مجرد ضمان حماية المدنيين، ما لم تصاحب تلك الجهود تسوية سياسية وتصميم على تطبيق القرارات ذات الصلة. هل تقسم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة؟ من الذى سيضمن السلام وحماية المدنيين على المدى الطويل؟ هل يمكن أن تساهم ألمانيا بخبرتها فى إعادة بناء البنية التحتية المدمرة فى البلاد، عن طريق توفير مستشفيات متنقلة على سبيل المثال، والمساعدة فى إنشاء هياكل إدارية قادرة على العمل، ربما بتكليف من الأممالمتحدة؟ يجب التوصل إلى إجابات لتلك الأسئلة عندما يلتقى ممثلو الحكومة السورية وجماعات المعارضة فى نهاية هذا الشهر. إن حماية السكان المدنيين شرط مهم لنجاح عملية سلام يُكتب لها الاستدامة.