أيهما أفضل الاستثمار في الذهب أم الشهادات؟.. خبير يوضح    تطورات سعر الريال اليوم في مصر.. "ضربة قاضية" لتجار العملة في السوق السوداء    توزيع 2 طن لحوم صكوك إطعام الأوقاف في كفر الشيخ    الاجتماع العربي الأوروبي لدعم فلسطين يؤكد حتمية وضع حد نهائي للأزمة الإنسانية في غزة    الجامعة العربية تشارك في حفل تنصيب رئيس جمهورية القمر المتحدة    من صغري بعشقه.. صورة إمام عاشور بقميص الأهلي في الطفولة تثير الجدل    وزير الشباب والرياضة يشهد مراسم توقيع عقد رعاية ل 4 من أبطال مصر لأولمبياد 2024 و2028    تاو بعد تتويج الأهلي بدوري الأبطال: «اخترت التاريخ»    «تعليم المنيا» تعلن موعد ورابط إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024    وزير الخارجية يشدد على ضرورة وقف اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بالضفة    أغنية أفريقيا المحسومة ل هشام جمال ومسلم تحقق مليون مشاهدة    أفضل طرق التعبير عن حبك للطرف الآخر على حسب برجه الفلكي    تراجع إيرادات فيلم "Kingdom of the Planet of the Apes"    أمين الفتوى: الدعاء بالزواج من شخص محدد ليس حراما    هيئة الرقابة الصحية: يستفيد 4 ملايين مواطن من التأمين الصحي بمحافظات الدلتا    جامعة أسيوط تعلن رفع المقررات الدراسية للطلاب على منصة "Thinqi" بداية من العام الجديد    في ذكرى وفاتها.. تعرف على أعمال فايزة كمال    سلة الأهلي تخسر من أهلي بني غازي وتودع بطولة "BAL"    «التضامن» تفتتح معرض «ديارنا» بمحافظة المنيا    وزير الصحة يناقش مع نظيره الكوبي مستجدات التعاون في تصنيع الأدوية    أمينة الفتوى بدار الإفتاء: الحج فريضة لكن تجهيز بناتك للزواج مقدّم    عمرو دياب يرصد تطور شكل الموسيقى التي يقدمها في "جديد×جديد"    غرق شاب بشاطئ بورسعيد    وحدات السكان بشمال سيناء تعقد ندوات توعوية تحت مظلة مبادرة «تحدث معه»    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    انطلاق الاختبارات الإلكترونية للفصل الدراسي الثاني بجامعة دمنهور.. صور    سيرين عبدالنور بعد التنمر على هيفاء وهبي: يوصلوا لربع جمالها وحلوة بكل أوقاتها    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    باحثة: مصر استغلت ثقلها بالضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات إلى غزة    دعوة للتمرد على قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي.. ما علاقة نجل نتنياهو؟    الموعد والمكان المبدئي لمباراة الأهلي والزمالك بنهائي السوبر الإفريقي    العمل تنظم ندوة لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في الإسكندرية    عميد الدراسات الأفريقية: "البريكس وأفريقيا" يبحث دور مصر المحوري في التكتل الدولي    المشدد 5 سنوات للمتهمين بالتعدي على عامل وإصابته بمصر القديمة    غدًا.. قافلة طبية لقرية شماس بسيدي براني    الأحوال المدنية تستخرج بطاقات الرقم القومي للمواطنين بمحل إقامتهم    ترحيل زوج المذيعة المتسبب فى مصرع جاره لأحد السجون بعد تأييد حبسه 6 أشهر    محطات مهمة بواقعة دهس عصام صاصا لعامل بسيارته بعد إحالته للجنايات    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل برنامج المستشار المالي الآلي للاستثمار    الرئيس التونسي يجري تعديلا وزاريا جزئيا    فرقة مكتبة دمنهور للتراث الشعبي تمثل محافظة البحيرة بمهرجان طبول الدولي    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    وداعًا للأخضر.. واتساب يتيح للمستخدمين تغيير لون الشات قريبًا    فرصة ذهبية لنجم برشلونة بعد رحيل تشافي    رئيس تايوان يدعو إلى تعزيز التفاهم والمصالحة مع الصين    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    وزير قطاع الأعمال يتابع تنفيذ اشتراطات التصنيع الجيد بشركة القاهرة للأدوية    «الإفتاء» توضح دعاء لبس الإحرام في الحج.. «اللهم إني نويت الحج»    الهجرة تستعرض أنشطتها خلال أسبوع| الموازنة العامة أمام "النواب".. والوزيرة تشارك بالملتقى الأول للشباب في الإسماعيلية    «المهندسين»: «مزاولة المهنة» تعقد اجتماعها الرابع لمناقشة اللائحة مع أعضاء 4 فرعيات (تفاصيل)    أستاذ علوم سياسية: مصر ملتزمة بإرسال المواد الإغاثية لغزة رغم معوقات الاحتلال    أستاذ الصحة العامة: 1.5 مليار شخص حول العالم يعانون من ضغط الدم    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    سعر الريال السعودى اليوم الأحد 26-5-2024 أمام الجنيه المصرى    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    شاهد.. اعتداءات وأعمال شغب جماهير الترجي بعد الهزيمة أمام الأهلي    للقارة كبير واحد.. تركى آل الشيخ يحتفل بفوز الأهلى ببطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن والنزاع السعودى الإيرانى
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 01 - 2016

انقضى أسبوع حافل بالنشاط الدبلوماسى والتعليقات السياسية على عكس توقعات الأيام السابقة عليه التى مالت إلى الاعتقاد أو الأمل فى أن منطقة الشرق الأوسط، وعددا من بؤر التوتر فى العالم، مرشحة لفترة هدوء. سادت أجواء تنبئ عن اعتدال فى مواقف دول وتيارات وفى أمزجة الشعوب. فجأة تلبدت الأجواء بعودة الشرق الأوسط رافضا الهدوء ومتمسكا بدوره كمثير أول للشغب الدولى ومهدد دائم للسلام العالمى.
***
أعدمت المملكة السعودية رجل دين متهما بالإرهاب والتحريض، وخرجت فى إيران مظاهرات تحتج على الإعدام وتحرق مبانى دبلوماسية تعود للملكة السعودية. اشتعل مجددا التوتر بين الدولتين مضيفا ذريعة جديدة للفت أنظار شعوب العالم إلى أن الخطر المنبعث من الشرق الأوسط لم ينحسر بل ولا يؤذن بانحسار جذرى قريب. كان الظن أن حكومات المنطقة انهكتها ثورات الربيع وتشنجات من حاولوا منع وقوعها، إضافة إلى التوترات الاجتماعية وأزمات الاقتصاد وبطالة الشباب ومكافحة الإرهاب وحروب الوكالات فى شتى الأنحاء، وأنها وشعوبها لن تكون محبذة ولا راغبة فى توتر إضافى فى الإقليم.
توقعنا فور نشوب الأزمة الجديدة فى العلاقات السعودية الإيرانية ان تتحرك دبلوماسيتا الدولتين ودبلوماسيات دول أخرى لحصار الأزمة داخل سياق محدود وقصير، وعزلها قدر الإمكان عن مواقع توتر مشتعلة فعلا فى اليمن وسوريا والعراق أو مواقع توتر قابلة للاشتعال فى بلاد أخرى. بالفعل تحركت الدبلوماسيات فى اتجاهات شتى نحو هدف عدم التصعيد. تركز سعى الطرفين المباشرين بطبيعة الحال على حشد الأنصار التقليديين وكسب أنصار جدد، أما الأطراف الأخرى، فحاولت بدرجات متفاوتة تأكيد خشيتها من أن تصنفها السعودية أو إيران خصما، وخشيتها من أن تفلت الأمور من أيدى المسئولين فى الدولتين، فتنفتح أبواب جهنم لتلتهم ما يمكن ان يكون تبقى من عقل ورشد فى الإقليم.
***
كانت دعوة الجامعة العربية إلى الانعقاد خطوة منطقية تلجأ إليها كل دولة عربية احتاجت لدعم هذه المنظمة التى دأب الجميع على إهانتها وتحقيرها والتقليل من شأنها. ما أن تنشب أزمة أو تقع كارثة أو تنحشر دولة عربية فى ورطة سياسية إلا وكانت الجامعة التحرك الدبلوماسى الأول الذى يمهد لتحرك آخر فى منظمة التعاون الإسلامى أو الاتحاد الأفريقى، قبل الانتقال إلى مستوى المنظمة الدولية.
فى الجامعة حدث أيضا ما كان متوقعا. لم تخرج دولة عربية واحدة عن الاجماع. الكل اصطف وراء المملكة السعودية، العضو الذى لجأ إلى الجامعة مستغيثا، وهذا فى حد ذاته إجراء مستحب من جانب جميع الأعضاء لما يمثله كدفقة دماء فى جسد مثخن بجراح تسببت فيها طعنات الأعضاء. صدر بيان لم يقرأ أحد فيه ما يمكن أن يعترض عليه، حتى الدول التى حرصت على عدم إغلاق الباب أمام العلاقات القائمة مع إيران. كان واضحا أن الموقف الذى اتخذته الجامعة أثار ارتياح القوى الدولية التى كانت تخشى من أن تؤدى الأزمة فى العلاقات الإيرانية السعودية إلى فتح المناقشة من جديد حول مستقبل إيران النووى وهو الموضوع الذى تعتقد أنها انتهت منه ولا تريد العودة إليه. ارتاحت أيضا لأن موقف الجامعة خرج معتدلا إلى الدرجة التى تسمح بفتح الباب أمام المرحلة الثانية من مفاوضات الغرب مع إيران والمقرر لها أن تختص بدور إيران فى الشرق الأوسط بخاصة وآسيا عامة. يعلم قادة الغرب أن المملكة السعودية وإسرائيل اللتين فشلتا فى منع التوصل إلى الاتفاق النووى سيحاولان بكل الجهد الممكن التأثير فى مسيرة المفاوضات المقبلة بين إيران والغرب.
***
شهدت صالونات القاهرة أكثر من اجتماع ضم ثللا من المتخصصين المصريين فى العلاقات الدولية والإقليمية والسياسية الخارجية المصرية، اطلعت على خلاصات بعضها وشاركت فى اجتماع واحد على الأقل، الأمر الذى يسمح لى بأن أوجز هنا فى نقاط موجزة أهم اتجاهات الرأى المصرى المتخصص فى السياسة الدولية، علما بأنه فى كل هذه الاجتماعات لن يدع للمشاركة ممثل للدبلوماسية المصرية فى أى فرع من فروعها.
أولا.. لوحظ أن الرأى العام المصرى لم ينقسم حول الأزمة السعودية الإيرانية انقساما واضحا أو جوهريا. كانت هناك اختلافات حول ملابسات وأولويات، ولكن بشكل عام لم يكشف السلوك المصرى عن انفعال أو مواقف حادة. ومع ذلك كان هناك ما يشبه الاعتراض العام على طبيعة الأزمة برمتها وبدت الخشية واضحة من أن تحظى الخلافات المذهبية بموقع متقدم فى هذا النزاع. كان هناك أيضا التأكيد بحزم على أن الرأى العام المصرى لن يقبل بأن تكون مصر فى يوم من الأيام طرفا فى صراع مذهبى أو طائفى، والدليل على ذلك ظهر فى موقف الرأى العام من عبارات مذهبية تكررت أخيرا فى خطبة الجمعة وفتاوى بعض رجال الدين وكتابات بعض الإعلاميين، وبخاصة بعد أن ثبت أن أكثر هذه الكتابات كشفت سذاجة الكاتب أو جهله وعدم إلمامه بالتكوين الدينى والوطنى للذهن المصرى.
ثانيا.. تحركت الدبلوماسية المصرية بهدوء حذر وعلى مستويات متعددة منذ اليوم الأول، مؤكدة الاستنكار والاعتراض على المظاهرات ضد المؤسسات السعودية فى إيران ومؤكدة أيضا الرغبة المصرية الحقيقية فى ضرورة تحقيق تهدئة عامة فى الشرق الأوسط، ووقف التدخل الخارجى فى المناطق المتوترة وبخاصة فى سوريا ولبنان، والامتناع عن دعم القوى الدينية المتطرفة، والجاهزة للتطرف، بالمال أو السلاح أو الوعود. هنا لا يميز أهل الاختصاص فى حقل السياسة الخارجية المصرية بين أنشطة من دول من خارج الإقليم، مثل إيران وتركيا وأمريكا وروسيا ودول من داخله.
ثالثا.. يوجد اعتقاد أو ميل عام بأن المملكة السعودية لن تتعمد تصعيد النزاع مع إيران، واعتقاد، وربما ميل أيضا، بأن إيران هى الأخرى لن تسعى للتصعيد. سيقت حوافز عديدة ليس أقلها شأنا الحال المتفجرة فى الإقليم وتحديات التحديث الاقتصادى والاجتماعى فى كلا الدولتين، وضغوط العالم الخارجى، والتغييرات الجوهرية التى دخلت على أنماط السياسات الخارجية لمعظم دول الخليج، والتوقعات الكبرى التى تهيمن على العقل الرسمى الإيرانى منذ توقيع الاتفاق النووى مع المجتمع الدولى. هذه العوامل وغيرها تدفع الدولتين المتنازعتين للعمل على تفادى التصعيد المتعمد دون التنازل الفورى أو فى وقت قصير عن مطالب يعتبرها الطرفان حيوية.
رابعا.. قيل فى بعض المواقف لدول الخليج غير السعودية والبحرين، إنها عبرت بشكل دقيق وهادئ جدا عن رغبة هذه الدول فى «تحجيم» التدخل الخارجى فى شئونها، ولذلك هى تدعم بكل تأكيد بيانات الجامعة ومجلس التعاون حول الانتهاكات الإيرانية ولكنها تتمنى أن يتحقق لها هذا بدون التصعيد من جانب السعودية، وهو التصعيد الذى يضع دول الخليج الأخرى فى حرج شديد بالنسبة لإيران والمصالح التجارية والمالية لهذه الدول، وحاجتها المتزايدة إلى قواعد أمن متبادل تصنع توازنا قويا مناسبا فى الإقليم يحمى سيادتها واستقلالها كدول صغيرة وضعيفة بين عملاقين.
سمعت أيضا من يصف اختلاف بعض الملامح والإيماءات فى مواقف الدول الخليجية غير السعودية والبحرين خلال الأيام الماضية بأنه نوع محمود من سياسات توزيع الأدوار بين دول متفاهمة ومتعاونة.
خامسا.. فى هذا الإطار، سمعت للمرة الأولى فى عقود عديدة من يدعو الدبلوماسية المصرية إلى تبنى الاقتراح بأن تسير مصر على نهج دولة عمان فى صنع وتنفيذ سياسة خارجية بمذاق مختلف ونجاعة ملحوظة. سمعت الاقتراح يصدر من خبراء انتقدوا ذات يوم أو أكثر موقف دولة عمان من قرارات الجامعة العربية الصادرة فى حق مصر عند توقيع اتفاق الصلح مع إسرائيل، وموقفها من أحداث سوريا والتدخل الخليجى فى شئونها، ودورها المشهود فى تقريب وجهات النظر الإيرانية والأمريكية فى المفاوضات النووية.
الاقتراح مطروح بقوة، والمعارضة له مطروحة أيضا بقوة، على أساس أن للسياسة العمانية تاريخا متصلا ومتناسقا ونابعا من طبيعة خاصة للحكم فى عمان والموقع والعلاقة مع الدول الكبرى، أمور جميعها لا ولن تتوافر لمصر. إلا أن هذه المعارضة للاقتراح لا تعترض على جوهر الاقتراح، وهو أن تكون للسياسة المصرية خصوصية تستمدها من عناصر قوة غير ملموسة وتاريخ ملموس ومؤسسات حكم أغلبها يرفض الاصطفاف الاستراتيجى فى هياكل إقليمية أو دولية تعتمد على أفكار أو مبادئ من خارج السياق القومى الذى عاشت فيه السياسة الخارجية المصرية عقودا عديدة، وفشلت جميع محاولات إخراجها منه.
***
الاصطفاف قائم ولكن بصفة مؤقتة وبشروط وبحرص. كثيرون فى مصر وخارجها يعرفون عن تجربة طويلة ومريرة أن بعض الاصطفافات العربية كانت نتائجها كارثية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.