«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرة وأصدقاء نجيب محفوظ يفضحون أكاذيب الجهلاء
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 12 - 2015

• دار «الشروق» اتخذت مراحل تدقيق واسعة للتأكد من سلامة النصوص وقرأها قبل النشر أسماء بارزة
• شهادة المقربين من الأديب العالمى تؤكد أنه كتب أحلاما كثيرة لم تنشر
• يحيى الرخاوى وحسين حمودة وزكى سالم ومحمد سلماوى وسناء البيسى يؤكدون: الأحلام إبداع محفوظى أصيل
• الرخاوى يجيب على سؤال هل يجوز النشر بعد وفاة الكاتب: نشر الأحلام أمانة واجبة حتى لو كان بعضها مجرد مسودات
«الإنسان عدو ما يجهل».. مقولة تصدق صحتها؛ حينما يهاجم أى شخص شيئا ما لا يعلم تفاصيله، ويجهل خلفياته..
رغم الاهتمام الواسع بصدور الجزء الأخير من أحلام فترة النقاهة للأديب الكبير نجيب محفوظ، الصادر عن دار الشروق، ورغم نشر جريدة الشروق لأكثر من موضوع، على مدى أربعة شهور، حول قصة العثور على الأحلام، إلا أننا نشرح هنا، لمن يريد أن يفهم، قصة العثور على الأحلام، ومراحل تدقيق الأحلام قبل النشر. تلك المراحل التى استغرقت من دار الشروق أكثر من أربعة شهور، ليتضح أن أسرة نجيب محفوظ وأصدقاءه يفضحون أكاذيب بعض الجهلاء الذين ادعوا أن الأحلام مزورة ولم يفكروا للحظة أنها جاءت أولا من أسرة نجيب محفوظ وثانيا أكدها تلاميذه وأصدقاؤه، وبالتالى فعلى كل من يشكك فى هذه الأحلام ان يراجع هؤلاء أولا قبل أن يتحدث عن دار الشروق. ولهؤلاء الجهلاء ولغيرهم نسرد مرة أخرى قصة الأحلام الأخيرة لمحفوظ.
بداية قصة العثور كانت بمكالمة هاتفية من ابنتى نجيب محفوظ لتخبرا دار الشروق أن هناك أوراقا فى صندوق صغير، عثرتا عليه بعد وفاة والدتهما، وكانتا فى حيرة هل هذه الأوراق المكتوبة بخط الحاج صبرى، والتى يتضح منها أنها تخص «أحلام فترة النقاهة» منشورة من قبل أم لا؟
بعد المكالمة أدرك المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، حسب تأكيده فى كلمته المنشورة بالكتاب، أنه قد يكون أمام كنز أدبى وثروة ثقافية يُكشف عنها بعد 9 سنوات من وفاة الأديب العالمى، ومفاجأة روائية تضع حلا سعيدا للغز الذى حيرنا وأصفياءه لسنوات: أين ذهبت «أحلام فترة النقاهة» الأخيرة التى دأب على إبداعها ثم تقليبها ومراجعتها بينه وبين نفسه، إلى أن يرضى عنها تماما فيحفظها عن ظهر قلب: بالكلمة والفصلة والنقطة، ثم يمليها على كاتب أحلامه. وسأل المعلم: «ثم أين ذهبت الأحلام التى تحقق ما سبق أن أكده لهم من أن مجموع ما كتبه   ما نُشر، وما لم يُنشر بعد يربو على ال 500 حلم».
بدت الفرحة على المعلم لعلمه أن نشر أحلام جديدة لنجيب محفوظ تعنى إضافة تراث أدبى رفيع المستوى للإنسانية كلها، ستشارك دار الشروق فى إصدار كنز أدبى. لكن تدقيق المعلم وقف حائلا أمام الفرحة السريعة لإصدار الأحلام، فحاول أولا أن يدقق قبل نشر الأحلام؛ لأنها مكتوبة بخط آخر لا يخص محفوظ، كما أن هناك كلمة هنا وكلمة هناك غير واضحة.
خطوات التدقيق
وبدأت مرحلة التدقيق المتأنى، أولا بالاتصال بكل المقربين من محفوظ: الكاتب محمد سلماوى، الأستاذ زكى سالم، د.يحيى الرخاوى، ود. حسين حمودة وغيرهم للتأكد أن محفوظ ترك بالفعل أحلاما غير منشورة. ورغم أن هناك مقالات كثيرة، لمحمد سلماوى وزكى سالم وغيرهما تشير إلى أن محفوظ ترك أحلاما بالمئات غير منشورة، إلا أن دار الشروق امتنعت عن الحديث حول العثور عن الأحلام، حتى يتم التأكيد من المعلومة أولا، ثم عرض المخطوطة الأصلية المكتوبة بخط الحاج صبرى ثانيا. والجدير بالذكر هنا أن نشر الأحلام الجديدة كان بموجب ملحق لعقد النشر السابق توقيعه فى مايو الماضى بين المهندس إبراهيم المعلم وابنتى محفوظ، وبحضور المحامى السيد عمار، فضلا عن التواصل المستمر والمتميز بين دار الشروق وأسرة نجيب محفوظ، قبل وأثناء وبعد نشر الأحلام الجديدة.


زكى سالم، أحد المقربين من الأستاذ نجيب محفوظ أكد المعلومة قائلا: «قبل رحيل أستاذنا العظيم بنحو شهرين أو ثلاثة، سألته عن عدد الأحلام التى لم تنشر بعد، فقال لى إنها كثيرة، إذ لم يكن يعرف عددها بالضبط، ولكنه أكد لى أنها مئات من الأحلام المكتوبة، ومن ثم فقد تحدثت، بعد رحيله، مرات عدة، فى أكثر من مناسبة، وفى أكثر من محطة تليفزيونية، عن هذه الأحلام غير المنشورة، وناشدت أسرته الكريمة أن تُخرج للأدب العربى، بل وللإنسانية هذه «الثروة الثمينة»، كما كتبت عددا من المقالات فى «الأهرام»، وفى «دورية نجيب محفوظ»، وفى مطبوعات أخرى، عن هذه الأحلام التى ينتظرها بلهفة كل عاشق لإبداعات فن الكتابة القصصية».
وفى اتصال هاتفى مع الكاتب محمد سلماوى قال: «إنى أحيى دار الشروق أن قررت نشر ما لم يكن قد نُشر من هذه الأحلام، التى كنت أعرف بوجودها، وطالما قلت فى أحاديث صحفية أن محفوظ قرأ على الكثير من قصصه الأخيرة التى كان يحفظها عن ظهر قلب، والتى لم ينشرها حال حياته، وبعضها مسجل عندى بصوته. وكنت أنتظر أن يتم نشرها بعد وفاته، فتلك كانت رغبته؛ لأنه كتبها للنشر. ولكن القدر لم يسعفه آنذاك».
ثم ظهر أمام إبراهيم المعلم شريط طويل من أصدقاء محفوظ، فاتصل بالدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى الشهير، والصديق المقرب من محفوظ، العارف بإبداعه، خاصة «أحلام فترة النقاهة»، ثم التقيا فى جلسة خاصة، كانت مفادها أن هذه الأوراق تحمل بلا شك إبداع محفوظ.
لكن د.الرخاوى أيد تدقيق إبراهيم المعلم، قائلا:«نشر إبداع جديد لنجيب محفوظ ليس بالأمر السهل.. وعلينا الإسراع بالوصول إلى الحاج صبرى، سكرتير محفوظ؛ لأنه هو صاحب الخط، وربما تكون لديه معلومات تفيد فى تفسير بعض الكلمات غير الواضحة».
العثور على الحاج صبرى
وهنا كان التحدى الأكبر، أى البحث عن الحاج صبرى، سكرتير نجيب محفوظ. ولكن قبل الذهاب إلى الحاج صبرى علمت أن دار الشروق كونت فريقا داخليا رفيع المستوى للتعامل مع المخطوطة حتى لا يتم تسريبها، مع محاولة معرفة بعض الكلمات غير الواضحة، بمساعدة الكاتب زكى سالم.
فرحة العثور على الحاج صبرى سكرتير الأستاذ نجيب محفوظ، وتأكيده أن الأستاذ نجيب كان يمليه «أحلام فترة النقاهة» كلمة كلمة، بعد حفظ الحلم أولا، كانت الأبرز خلال مقابلتى معه. تلك المقابلة التى كانت فى المقطم، وحضرها معى الأستاذ زكى سالم والأستاذ إبراهيم ابن الحاج صبرى.
الحاج صبرى، الرجل الثمانينى، الذى يحتفظ بصورة كبيرة له مع الأستاذ نجيب محفوظ، بدا عليه السعادة حين أمسك فى يديه أصول الأوراق التى كتبها بخط يده، ثم قال: «بعد رحيل الأستاذ نجيب محفوظ سألت كثيرا عن تلك الأحلام التى لم تنشر من قبل. الحمد لله أنها ظهرت دلوقتى». وأكد الحاج صبرى: «أن هذه الأحلام كانت جاهزة للنشر. لكن ربما وفاة الأستاذ عطل ذلك النشر»، مشيرا إلى: «ملانى الأستاذ أحلام كتير أوى»، متذكرا أن «الأستاذ نجيب كان ينشغل بالحلم ويبدأ فى كتابته وتجهيزه، ثم يحفظه، وتجىء فى المرحلة الأخيرة مرحلة الإملاء».
بعد هذا الاطمئنان أن المخطوطة سليمة، وأن الأستاذ نجيب محفوظ أملى تلك الأحلام لنشرها، جلسنا طويلا؛ حيث سأل زكى سالم الحاج صبرى عن بعض الكلمات غير الواضحة فى المخطوطة.
بعد ذلك بدأت مرحلة أخرى من التدقيق، وهى إطلاع المقربين من محفوظ للأوراق الأصلية، وكتابة رأيهم حول هذه الأوراق: وهم زكى سالم، د. يحيى الرخاوى، ود. حسين حمودة، فضلا عن الكاتبة سناء البيسى التى كتبت كلمة منشورة فى كتاب «الأحلام الأخيرة»، الصادر عن الشروق.
قابلت د. حسين حمودة أستاذ الأدب والمقرب من نجيب محفوظ فى مدينة 6 أكتوبر، وجلسنا قرابة الخمس ساعات، قرأ المخطوطة كلمة كلمة، بدون أن يقول كلمة واحدة، مصلحا بعض الأخطاء المطبعية. ثم قال د. حمودة رئيس تحرير دورية نجيب محفوظ التى تصدر فى ديسمبر من كل عام بكل تأكيد: «أحلام فترة النقاهة كنز حقيقى للإبداع فى العالم»، و«الجزء الثانى من الأحلام استكمالا لإبداع محفوظ فى الجزء الأول». سألته أكثر عن سلامة النصوص فقال مؤكدا: «هذه أحلام محفوظ، وهى إبداع محفوظى بلا شك»، ثم حكى لى أن محفوظ فى إحدى جلسات الحرافيش أملى علينا نحو 12 حلما، كان يحفظها عن ظهر قلب، وهو ما يؤكد شهادة الحاج صبرى سكرتير نجيب محفوظ.
إبداع محفوظى بلا شك
وفى أكثر من جلسة، قابلت الدكتور يحيى الرخاوى وكان محور الحديث الأحلام الأخيرة، وكعادة الدكتور الكبير كتب دراسة وافية بعد قراءته المخطوطة، قال فيها: «هذا عمل من إبداع محفوظ بلا أدنى شك، مهما بدا فى ظاهر بعضه مما كان يحتاج إلى مراجعة أو تحديث أو تنقيح (منه دون غيره). وما ذكره الحاج صبرى عن أن الأستاذ نجيب كان يُتِم صياغة الحلم بداخله حتى يكمله، ثم يحفظه، ثم يمليه، هو صدق كله، وهو ما طمأننى تماما أنها أحلام (إبداع) شيخنا الجليل فعلا. وما قامت به كريمتاه الفاضلتان فى الحفاظ على ما وجدتاه ولو بعد حين، ثم تسليمه لأهل الأمانة يحتاج إلى كل تقدير واحترام وشكر، ولعله أقرب ما يكون إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى معناه: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وقد أوفتا بالعهد، لتحققا المكارم الثلاث، جزاهما الله عنه وعنا خيرا».
وذكر د. الرخاوى:«هناك اختلاف نوعى، لكنه ليس جسيما، بين الجزء الأول، وبين هذا الجزء الثانى، وكل منهما له «تناسقه الداخلى» الذى يجعله عملا مستقلا، وهذا طبع محفوظ حتى فى كثير من رواياته (انظر مثلا ملحمة الحرافيش حين يُعَنْوِن كل حكاية بعنوانها الخاص، ثم يبدأ التسلسل للفقرات «1» «2» .. إلخ، مع أنها رواية واحدة. إن الفرق النوعى بين الجزء الأول والجزء الثانى قد يرجع إلى اختلاف الأداة، فالكتابة حتى مع الصعوبة تختلف عن التأليف فى الوعى ثم المراجعة الداخلية، ثم الحفظ، ثم الإملاء (كما وصفها الحاج صبرى مشكورا)، وفى كلٍ خير. لا شك مثل أى مبدع متقن، ومثله هو بالذات، وهو ما كرره لى (لنا) مرارا، وهو يتحدث عن حرمانه؛ نتيجة للصعوبات الصحية من مراجعة «البروفات» الأخيرة وتعديل ما شاء فيها، كما اعتاد أن يفعل مثلما كان يفعل فى سائر أعماله السابقة».
وأكد الرخاوى: «من البديهى أن نتوقع أنه كان يمكن أن يقوم بتعديل أو تحديث أو التخلص من بعض ما جاء فى هذا الأصل فى أثناء المراجعة، وهذا حقه بل هو من أبسط مبادئ حركية الإبداع عموما، حين يكون المبدع أحيانا هو أول من ينقد أعماله حتى قبل أن تظهر. وقد عبر عن ذلك هيجل فى الطبعة الثانية لكتابه «موسوعة العلوم الفلسفية»، قائلا ما معناه: «اضطررتُ أن ألقى فى البحر بحجارة كثيرة من حمولة السفينة، حتى تطفو وتسير». وكان يعنى أنه تخلص من كثير مما صعب على الناس فى الطبعة الأولى، أو مما رأى أنه يستحسن حذفه، حتى تصل الرسالة أوضح وأتقن!).
وفى حالتنا هذه كما فى كل حالة ليس من حق مخلوق آخر إلا المبدع نفسه، أن يقوم بهذه المهمة (أى التعديل أو التحديث فى أثناء المراجعة) وعلى ذلك فلا سبيل إلا نشر النص كما هو، ثم تأتى مراحل النقد تتكامل مع النص المبدع نقدا مبدعا أيضا، دون مساس بالنص الأساسى.
وختم الرخاوى: «على الرغم من كل هذا التوضيح، وبعد أن تفضلت الشروق بإتاحة هذه الفرصة لى قبل النشر العام، فإنى أشهد أن ما وصلنى من هذا النص بعيدا قليلا أو كثيرا عن مستوى الإبداع الفائق لشيخنا الجليل هو قليل جدا، وعموما فقد تراوحت مستويات الحلم فى هذا الجزء الثانى أكثر من الجزء الأول، وهو الأمر الذى قد يتيح تصنيف هذا العمل نقدا فيما بعد إلى مستويات للأحلام تكمل بعضها بعضا كالحلم فى الإبداع الشعرى» (قصيدة النثر)، ويتمثل الحلم فى اللقطة القصصية السريعة، وفى تحقيق الرغبة، وفى الحكمة، وفى الرأى، وفى الذكرى، وفى الحلم العبثى الجميل، وفى النقد السياسى، وفى الحلم الطفولى».
ثروة أدبية عظيمة
بعد ذلك بأسبوع نشر الدكتور يحيى الرخاوى رسالة إلى نجيب محفوظ عن الأحلام الأخيرة المكتشفة بعد رحيل زوجة محفوظ، قال فيها: «تفضل الأستاذ إبراهيم المعلم بدعوتى للإطلاع على أكثر من مائتى حلم تقدمت بها كريمتاك إليه، وقالتا إنهما عثرتا عليها بين أوراقك بعد أعوام، وأنهما من إملائك للحاج صبرى أكرمه الله، وبعد تردد فى الحكم فى عجالة تفضل الأستاذ المعلم وأرسل لى كل هذه الأحلام قيد الطبع، ثم نشر بعد ذلك فى صحيفة الشروق، بإشراف الأستاذ سامح سامى تحقيقا حول هذا الموضوع سجل فيه مقابلة مع الحاج صبرى، وإذا بى أقرأ ما صرح لهم به الحاج صبرى وكيف أنك كنت تؤلف الحلم وتحفظه وتراجعه أولا ثم تمليه بعد ذلك، وهذا هو ما طمأننى على العملية برمتها. فرحت بهذا الوفاء من كريمتيك حفظهما الله كما شكرت الأستاذ المعلم والابن سامح سامى للاهتمام والمتابعة، وبعد الاطلاع على ما تفضلت الشروق ومنحتنى شرف الاطلاع على هذه الأحلام قبل النشر، كتبت لهما ما أحب أن أطلعك عليه».
أما الكاتبة سناء البيسى فقالت فى كلمتها المنشورة بالكتاب، لتؤكد ما هو متداول أن هناك أحلاما كثيرة غير منشورة لمحفوظ: «مكثت طويلا مؤمِنة على ما قاله الحاج صبرى كاتب أحلامه من أن الأستاذ ظل لقرب رحيله يملى عليه عشرات.. مئات الأحلام بعدما ينشغل بصياغة كل منها لفترة ثم يحفظه عن ظهر قلب. فأين تلك الأحلام وقد أحصاها صبرى  بالمئات؟ وفجأة يظهر الكنز. تتحرر الخبيئة من قيدها. ينقشع الغَمام. يخرج المارد من القمقم. تنزاح الأستار عما خبا عنه ضوء النهار لسنوات طوال. يعتذر جوهر الأدب عن تغيبه. يحتل اليقين موقع الارتياب. تكشف المصادفة عن المستخبى. تسع سنوات تأتى بعدها كريمتا صاحب نوبل «فاطمة وأم كلثوم» لتُعيدا ترتيب أوراق الأب الكريم المكرَم بعد وفاة الأم الفاضلة فتكتشفا الثروة الأدبية التى لا تقدر بمال. أحلاما جديدة بالمئات لم تنشر من قبل، سرعان ما دفعتا بها إلى «دار الشروق» لنشرها فى كتاب جديد يتضمن الجزء الثانى من «أحلام فترة النقاهة» لأشرُف اليوم بتقديمها، كما شُرِفت من قبل بتقديم الجزء الأول منها عام 2005، وأظل أحسد نفسى لموقعى المتفرد من أحلامه الذى كان يتمناه كل الملتصقين بنجيب محفوظ وهو على قيد الحياة وحتى بعد رحيله. أن أكون أولى القارئات. أن أكون أولى المفسِرات وليأتِ بعدى الآخرون؛ فقد حملنى الأستاذ بمسئولية أحلامه منذ البداية. بحكم شدة الاقتراب. بحكم الإعجاب الشديد. بحكم المسار الضمنى الزمنى الطويل. بحكم فهمى وإخلاصى له ووثوقه الكريم بى».
أما زكى سالم فقال إن كتابة هذه الأحلام الرائعة استغرقت من أستاذنا كل سنواته الأخيرة، من بعد محاولة اغتياله الإجرامية، فى 14 اكتوبر 1994، وحتى رحيله فى 30 أغسطس 2006، أى أكثر من عشر سنوات متصلة، فقد قضى نحو عامين فى محاولاته الدؤوب لإعادة تعلم الكتابة بيده اليمنى المصابة، فإذا ما نظرنا إلى عمله الأكبر (حجما) «الثلاثية»، سنجد أن إبداعها، وكتابتها كلها استمرت لنحو خمس سنوات فحسب، أى أن هذه «النصوص الصغيرة» قد استغرقت أكثر من ضعف عدد السنوات التى كتب فيها «بين القصرين» (وهو اسم الرواية التى اضطر إلى تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء عند النشر، دون أن يغير فيها كلمة واحدة).
بالإضافة إلى أن كاتب هذه الأحلام المثيرة للتأمل، بخلاف كاتب «الثلاثية»، إذ كانت موهبته قد تألقت للغاية، وزادت خبراته الحياتية، واتسعت معارفه الموسوعية، وتعمقة خبراته الروحية، وأصبح كاتبا عظيما، وشهيرا جدا، فى داخل الوطن وخارجه، بعد أن منح الأدب العربى صك العالمية من خلال جائزة نوبل عام 1988، كما أنه لم يعد بحاجة إلى أى شىء من زخارف هذه الدنيا الفانية ! فهو بالتأكيد لم يكن يكتب هذه القصص، فى سنواته الأخيرة، من أجل الشهرة، ولا المال، ولا الجاه، ولا النفوذ، ولا أى شىء آخر من هذه الأمور التى قد تسيطر على كاتب جديد، أو كاتب فى منتصف الطريق، أو كاتب آخر ممن يتعلقون طوال حياتهم بزينة الحياة الدنيا.
وأذكر أننى سألته: من أجل أى شىء تكتب الآن يا أستاذنا؟! فكانت إجابته: من أجل الكتابة ذاتها. وقد قال لى مرة، ونحن نتحدث عن قيمة هذه النصوص القصيرة وسط إبداعاته الخالدة، وعن نظرته الشخصية إليها بعد أن تجاوز التسعين من عمره المثمر، إذ قال: إن تقديرها، أو تقييمها متروك لغيرى، أما بالنسبة لى فهذه الأحلام، الآن، أهم حاجة فى حياتى.
ومن ثم عندما ظهرت أخيرا هذه النصوص، كانت بالنسبة لى شخصيا أجمل الأخبار وأعظمها، إذ إن نشر هذه القصص المكثفة، سيكمل آخر إبداعات نجيب محفوظ، وسيتوج فن القص العربى بأعظم إنجازاته عبر العصور.
وهكذا سيتاح للقارئ المثقف الاستمتاع بأكثر من خمسمائة نص من أعظم النصوص الأدبية فى تاريخ الأدب العربى كله، (أى الجزء الأول، والجزء الثانى من أحلام فترة النقاهة)، إذ فى كل واحد منها: حكمة بالغة، أو فكرة مدهشة، أو نظرة فلسفية، أو تأمل عميق، أو خبرة روحية، أو شعور إنسانى، أو احساس عام، أو طلة على الواقع، أو رجوع إلى أحداث التاريخ، أو تداخل مدهش بين عنصرى الزمان والمكان، أو تعانق مثمر بين الموت والحياة، أو لمحة خاطفة من لمحات الحياة الإنسانية فى هذا العصر، وفى كل العصور.
وها هى أمثلة من هذه المقطوعات البديعة المسماة: «أحلام فترة النقاهة»، تتنبأ بثورة يناير العظيمة، قبل حدوثها بسنوات، وتتأمل فى وقائع حياتنا الحالية، كما نعانى منها جميعا، وتفسر لنا كثيرا من المواقف والأحداث، وتثير فينا دواعى التأمل فى معانى الحياة والموت، والنظر فى أحوال البشر، والتفكر فى شئون الوطن.
صحيح هى نصوص قصيرة جدا، مكونة من بضعة أسطر، أو حتى بضع كلمات، لكن من سينظر إليها جميعا، ويجمع بين حبات اللؤلؤ والمرجان، سيتمكن، فى النهاية، من استكشاف الجوانب المختلفة لفلسفة نجيب محفوظ الصوفية، ففيلسوف الرواية استطاع، فى سنوات حياته الأخيرة، تكثيف رؤيته الشاملة فى «أحلام فترة النقاهة».
هل يجوز النشر بعد رحيل الكاتب؟
وبعد التأكد من عدم نشر الأحلام من قبل، ومن سلامة النصوص، والتأكد أن محفوظ ترك أحلاما كثيرة غير منشور، وبل قراءة أصفياء نجيب محفوظ المقربين منهم وتأكيدهم جميعا أن الأحلام «إبداع محفوظ بلا شك».. ظل السؤال هل يجوز نشر الأحلام بعد رحيل الأديب.. وماذا عن احتمال أنه قرر عدم نشرها فى حياته؟
وجاءت الاجابة قاطعة من محمد سلماوى أن محفوظ كتب أحلاما للنشر، وكذلك تأكيد زكى سالم ومعه الحاج صبرى، أما الدكتور يحيى الرخاوى فقال إنه: «حتى لو عثرنا على سطر واحد كتبه وتركه لنا، وللناس، وللإبداع، وللتاريخ، (ولو حتى فى أثناء تدريباته وتداعياته للعودة للكتابة) لوجب نشره كما هو، وعلى مريديه والنقاد والتاريخ بقية المهمة. إن نشر هذه الأحلام بصورتها التى وصلت إلينا حرفيا مهما كان حول بعضها من تحفظات هو «أمانة واجبة»، حتى لو كان بعضها مجرد مسودات (فالمسودات شديدة الأهمية فى رصد إبداعات الأفذاذ، وهى أحيانا تفوق ما تم صقله فى الصورة النهائية، وهذه هى مهمة النقاد).
اقرأ أيضا
الشروق تنشر أحلامًا جديدة للأديب العالمى نجيب محفوظ
إبراهيم المعلم يكتب: قصة هذا الكتاب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.