- هل الإسكندرية آخر المدن الكوزموبوليتناية (الكوكبية) الكبرى على شاطئ البحر المتوسط، أم أنها مدينة ساحلية استثنائية يتأثر ذكر حاضرها وماضيها القريب بذكرى مؤسسها صاحب التاريخى الأسطورى الإسكندر الأكبر؟ بل هل كانت الإسكندرية دوما تلك المدينة الكوزموبوليتانية؟ هذه هى الأسئلة التى تسعى الباحثة والأستاذة بجامعة نيويورك هالة حليم، للإجابة عليها من خلال قراءة فى تاريخ المدينة والمدون أدبيا فى كتابات الشاعر اليونانى الأصلى السكندرى المولد والإقامة حتى الممات فى العقد الثالث من القرن العشرين قسطانطين كفافيس والكاتبين الإنجليزيين أى ام فورستر صاحب الكتاب المدقق الدليل للإسكندرية الصادر فى العقود الأولى من القرن الماضى، ولورنس داريل، صاحب رباعية الإسكندرية الصادرة أيضا فى العقود الأولى من القرن العشرين. متنقلة بدقة متناهية بين أبيات الأشعار وكتابات الأدباء ومدونات الرحالة الذين مروا بالإسكندرية، تبحث هالة حليم بالأساس عن إجابة: «هل كانت الكوزموبوليتانية السكندرية التى يجرى الحديث عنها عنوانا يجمع بالفعل بين أبناء كل سكان الثغر المتوسطى فى إطار كونهم مواطنين تجمعهم الإنسانية وتساوى بينهم حتى وإن فرقتهم اللغات والعادات أم إنها كانت بالأحرى عنوانا لسياق مجتمعى- أدبى، يستغرق نحو مائة عام من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، وبالتحديد حتى تأميم قناة السويس وما تلاها من عدوان ثلاثى على مصر؟ فى أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط فى كتاب صادر بالإنجليزية عن مطبعة جامعة فوردهام، تفند الكاتبة أسبابها للتساؤل عن حقيقة الكوزموبوليتانية المدعاة فى أحيان والمفتآت عليها فى أحيان أخرى، بحيث تطرح أحيانا فى سياقات التعالى الأوروبى، وفى أحيان أخرى عنوانا لمرحلة عرفت تسامحا – وليس بالضرورة اندماجا – ثقافيا أوسع وطرحت أسبابا عديدة لجذب من أراد الحياة بعيدا عن الأسباب المباشرة للتناحر والتأطير والتوتر. فى أعمال كفافيس وفورستر وداريل تقرأ حليم وتقتبس وتقارن بما يمكن أن يكون حاسما بالفعل فى إعادة قراءة تاريخ واحدة من اهم مدن المتوسط على الإطلاق منذ أن أنشأها الإسكندر الأكبر وحتى تجمع الآلاف فى شوارعها وبجوار عناوينها الجغرافية المستوحاة من الحضارة الهيلينية «اليونانية القديمة» مثل مكتبة الإسكندرية وساحة تمثال الإسكندر الأكبر فى 25 يناير 2011 للمطالبة بحياة يتساوى فيها المواطنون. فى الكتاب المعنون بالإنجليزية «الكوزمبوليتانية السكندرية – قراءة فى الأرشيف» تتجاوز حليم الحزنالنوستالجيا «الحنين إلى الماضى» الدائمة التزايد فى السنوات الأخيرة على تلك المدينة الكوزمبوليتانية وما ذخرت به من صالات الشاى ودور السينما والمقاهى والمطاعم والتراث العقارى المحتفى به، لتنظر فى قرون من التنافس بين حضارة فرعونية وحضارة يونانية وبين قطاعات من المدينة سكنها الأوروبيون وأخرى عاش فيها أبناء البلد وبين ما يمكن أن يعنيه التجاور الثقافى بعيدا عن سياق التساوى الإنسانى بالمقارنة بالمفاهيم الحديثة مثل العولمة وحوار الحضارات. الكتاب بحسب ما تشير سوزان سيتفنز من جامعة ستانفورد، يذكر الكتاب والمفكرين الغربيين بأنهم يحتاجون لفهم أكثر دقة وقراءة أكثر عمقا عن العناوين المتوقعة والمتعارف عليها حول حقيقة المجتمعات العربية التى تمر بمرحلة تغيير. ورغم أن كتاب حليم هو فى الأساس كتاب فى النقد الأدبى أو ربما حتى الأدب المقارن، إلا أنه أيضا للقارئ المتأنى والذى لا يود التعامل مع المحتوى بعيدا عن التأمل فى الواقع فرصة للبحث وربما الوصول لإجابات حول علاقة اهل المدينة اليوم بما يفترض أنه تراث تلك المرحلة الكوزموبوليتانية المفترضة والمفتقدة فى آن واحد. كتاب حليم صدر فى نهايات 2014 ومازال ورغم الجدل الدائر حول علاقة المجتمع المصرى بالغرب وحول حال مدينة الإسكندرية لم ينقل بالنص أو بالمعنى إلى العربية وهو شارح فى كثير من صفحاته لأجواء الأدب العربى المعاصر التى تدور أعماله حول فى الاسكندرية بما فى دلك بالتأكيد رباعية داريل وثلاثية إبراهيم عبدالمجيد وإبداعات أدوار الخراط وأيضا بعض من كتابات روبير سوليه.