أجانب فى المدينة يقضون إجازاتهم دون الالتفات لأخبار «الطائرة المنكوبة».. وآخرون ينتظرون موعد الرحيل إلى بلادهم.. والعاملون يتمسكون بالأمل فى عودة الأمور إلى طبيعتها ما إن تطأ قدماك شرم الشيخ فى هذه الأيام، حتى يصيبك مسار الأحداث فيها بالارتباك، فالمدينة تعيش مشهدين متناقضين تماما، فى أحدهما يهرب كثير ممن فيها إلى الخارج حتى لو ترك متعلقاته، وفى الآخر تجد آخرين مصرين على البقاء وإكمال إجازاتهم دون التفات لما يكتب فى التقارير الغربية عن اسقاط الطائرة الروسية بقنبلة. هذان المشهدان وما بينهما من العاملين فى المدينة، يشير إلى أنها مدينة مازالت تتشبث بالحياة رغم قسوة الضربة التى تلقتها. وفى 3 فنادق تقع فى أماكن مختلفة من المدينة، وزارتها «الشروق»، كان الوضع اعتياديا صباح أمس الأول، حيث تجمع أعداد من السياح الأجانب عند حمامات السباحة، يلهون، ويلعبون كرة الماء، وسط موسيقى صاخبة، وكأنهم مفصولون عن العالم الخارجى. فى المقابل، اصطفت سيارات نقل ركاب محملة بسياح أجانب، فى طابور طويل، انتظارا لدخول المطار ومغادرة المدينة متأثرين بمناخ الخوف الذى غلفها أخيرا مع خروج ترجيحات بأن عملية إرهابية تقف وراء إسقاط الطائرة الروسية، وأن هناك اختراقا أمنيا فى مطار المدينة. حتى أن بعض العائلات التى قدمت فى سيارات أجرة واضطرت لدخول المطار على اقدامها، كانت تهرول إلى الداخل وكأنها تهرب من تهديد كبير، هذا وسط استمرار أصوات الطائرات التى لم تنقطع من سماء المدينة. ووسط هذا التناقض الذى تعيشه المدينة، تشتد الإجراءات الأمنية فى مداخل المنتجع، وداخل المطار وخارجه. فيما لايزال العاملون بالمدينة يتشبثون بالأمل فى عودة الحياة إلى طبيعتها، رغم حالة الإحباط بينهم، والمصحوبة بشعور الخوف على مستقبلهم، ورزقهم. يقول أحمد، وهو يعمل سائق تاكسى، فضل ذكر اسمه الأول فقط، «خلال الأيام الماضية، قل عدد الأجانب الذين أقلهم بشكل كبير، ومنذ ال8 صباحا (أمس الأول)، حتى ال2 ظهرا، لم يركب معى سوى أجنبى واحد، رغم انى كنت انقل ما بين 6 و8 أجانب يوميا فى الأيام العادية». وبمجرد الحديث مع أحمد، القادم من مدينة المنصورة، عن احتمالية تأكد فرضية اسقاط الطائرة بقنبلة، رد بكلمات سريعة «كارثة.. لو وصل الحال لكدة هرجع بلدى». سائق تاكسى آخر يدعى محمد من محافظة بنى سويف، قال إن زبون التاكسى الأساسى هو السائح، مضيفا: «خلال الثلاثة أيام الماضية، قل عدد الأجانب الذين يقصدون التاكسى»، وتبعها لقوله: «ممكن بسبب الخوف.. خايفين يطلعوا بره الفنادق؟». إلا أنه عاد وأكد أنه يعمل مثل أى يوم عادى لأن «الحياة لاتزال مستمرة» هنا. ورغم ما يقال فى الدوائر الغربية، لايزال أعداد من السياح، وإن كانت أقل كثيرا من الأعداد التى تتوافد فى الأيام العادية، تقصد شرم الشيخ، حيث قال سامى، مسئول الاستقبال فى أحد الفنادق التى زارتها «الشروق»، إن الحركة فى الفندق يوم أمس الأول، كانت اعتيادية تماما، حيث خرج نزلاء 40 غرفة بعد أن انهوا اجازاتهم تماما، فيما شغلت 50 غرفة فى نفس اليوم، مؤكدا أنه لم ينه أحد إقامته بشكل مفاجئ، أى قبل نهاية عطلته. وفى فندق آخر، قال موظف بالاستقبال رفض ذكر اسمه، إنه تم تجميع البريطانيين فى فندق واحد لتسهيل اجلائهم، وغير ذلك، لم ينه أحد اقامته بشكل مفاجئ. وفى منطقة خليج نعمة المعروفة بازدحامها بالأجانب، كان الوضع هادئا فى بداية مساء أمس الأول، حيث كان عدد قليل من المارة فى المنطقة، وكثير من المطاعم والمقاهى كانت خاوية تماما من الزبائن. وأمام أحد المطاعم الشهيرة وقف رجل خمسينى، مرتديا زى العمل، ويحاول جذب بعض المارة للدخول، إلا أن مطعمه لم يكن به فى هذه اللحظة إلا أجنبيان وعدد من المصريين، ودوره الثانى كان فارغا تماما من الزبائن. وقال عم إبراهيم، كما يطلقون عليه، إن اقبال الأجانب قل بشكل كبير، قبل أن يلتقط الكلام شاب عشرينى يقف بجواره وفضل عدم ذكر اسمه، وقال: «المنظر شارح نفسه، بص كده»، مشيرا إلى الممشى، قبل أن يضيف: «هى دى شرم؟ هى دى السياحة؟». وخارج المطعم، كانت الموسيقى تصدح من جميع المقاهى، وبعض العاملين بها يرقصون، ربما لجذب الزبائن الأجانب، لكن الأكيد أنهم كانوا يتجاهلون تماما ما يقال عن المدينة وموجة الخروج منها. وأمام متجره الصغير المتخصص فى بيع نظارات الشمس، والساعات، وقف أشرف يصب غضبه على الجميع فيما آل إليه وضع المدينة، وقال: «الرجل خفت من المكان بنسبة 90%»، مضيفا: «لو موضوع القنبلة ده اتأكد، هيدمر السياحة فى شرم الشيخ». إلا أن مينا، وهو المسئول عن إدارة متجر مجاور، قطع حديثه، وقال: «مشكلة وهتاخد وقتها وتعدى، وهترجع شرم زى الأول»، مضيفا: «لو مش مصدقنى افتكر اللى حصل هنا بعد حادثة عزالة». فى إشارة إلى التفجيرات التى ضربت المدينة عام 2005. وما أن اقترب زبون أجنبى من متجر أشرف، حتى انخرط هو نفسه فى عمله، وتودد للزائر، فى اشارة إلى أنه وهو أكثر المتشائمين فى المكان، مازال يتمسك بالأمل فى أن تسير الأمور على ما يرام، ولا تتأثر بحادث الطائرة. ومع اقتراب الليل من الانتصاف، بدأت الحركة تزداد فى خليج نعمة، وازداد عدد الأجانب، الذين انخرطوا فى وصلات رقص وغناء وسط موسيقى صاخبة فى كثير من المقاهى التى بدت ممتلئة بالرواد، فى علامة أخرى على أن المدينة لاتزال تتشبث بالبقاء.