من المتوقع أن يشهد معرض دبي للطيران صفقات كبرى تشير الى التوسع المضطرد لشركات طيران دول الخليج، ولكن ثمة مخاوف من عدم تمكن أجواء المنطقة التأقلم مع هذا العدد الكبير من الطائرات في المستقبل. وكانت قضيتا ازدحام الأجواء والتأخيرات المتزايدة من القضايا المهمة التي القت بظلالها على آخر معرض للطيران اقيم في دبي في عام 2013، عندما ابرمت شركتا طيران الامارات والقطرية عقودا لشراء طائرات جديدة بلغت أقيامها 206 مليار دولار. ولكن المشكلة هي أن المجال الجوي في الخليج يتكون من خليط غير متجانس من انظمة السيطرة الجوية المدنية للدول المختلفة والقيود العسكرية، فهو مجال جوي مشرذم لأسباب تاريخية وجيوسياسية معقدة. وساد التفاؤل بين سلطات الدول الخليجية المختلفة قبل عامين حول امكانية زيادة التعاون في سبيل تعزيز انسيابية النظام المعمول به، ووضعت الخطط وكان هناك تصميم على تنفيذها. ولكن، وفيما يستعد ممثلو شركات انتاج الطائرات في العالم للاجتماع في دبي، كم من التقدم تحقق الى الآن؟ يبدو أن الأمور تسير ببطء شديد. يقول جون سويفت، مدير منطقة الشرق الأوسط في المصلحة الوطنية البريطانية للنقل الجوي، التي تدير خدمات الملاحة والسيطرة الجوية في المملكة المتحدة، "نلحظ بعض علامات التغيير، ولكن العديدين يشعرون بالاحباط للبطء الذي تسير فيه عملية التغيير هذه." "مصدر ازعاج" ويمثل هذا البطء مشكلة لدولة الامارات بشكل خاص، حيث جعلت كل من دبي وابو ظبي من نفسيهما وجهتين للسائحين علاوة على كونهما مطارين محوريين للمسافرين بين الشرق والغرب وبالعكس. علاوة على التوسع الكبير في الرحلات بعيدة المدى التي تقوم بها الشركات الخليجية، تشهد المنطقة ايضا نموا كبيرا في الشركات قصيرة المدى وزهيدة الثمن ففي عام 2012، بلغ عدد الرحلات الجوية التي استخدمت المجال الجوي الاماراتي اكثر من 741 الف رحلة، حسب جمعية النقل الجوي العالمية IATA. ومن المتوقع أن يبلغ عدد الرحلات 885 الفا هذه السنة أي بمعدل 2424 رحلة جوية يوميا. وتشير التوقعات الى أن هذه العدد سيرتفع الى 1,2 مليون رحلة في عام 2020، و1,85 مليون رحلة في عام 2030. ويؤكد مطار المكتوم الجديد في دبي هذا الطموح، إذ سيكون بامكانه التعامل مع 160 مليون مسافر سنويا عند افتتاحه بشكل كامل، مقارنة ب 75 مليون مسافر التي تمثل سعة المطار الحالي. ولكن مدير IATA العام توني تايلر يقول إن ثمة مؤشرات الى ان شركات الطيران تمتنع عن فتح خطوط جديدة بسبب القيود على استخدام المجال الجوي في منطقة الخليج. ويقول تايلر "إن وتيرة النمو ما زالت تغلب على أي تغييرات في نظام السيطرة الجوية، فهناك الكثير من التأخير للرحلات، مما يعد مصدرا للازعاج بالنسبة للمسافرين ناهيك عن الكلف المضافة لشركات الطيران التي ينبغي على طائراتها أن تبقى محلقة في الجو لمدد طويلة قبل تمكنها من الهبوط أو أن تتخذ مسارات بديلة." أما عمر بن غالب، نائب مدير سلطة الطيران المدني في دولة الامارات، فقد وصف مؤخرا الأجواء الخليجية بأنها الأكثر ازدحاما في العالم. وخلص تقرير أصدرته السلطة مؤخرا الى أن "الهيكل الحالي للمجال الجوي في منطقة الشرق الأوسط لن يتمكن من مواكبة النمو المضطرد لحركة الطائرات في دولة الامارات العربية المتحدة." وجاء في دراسة نشرتها في أيلول / سبتمبر الماضي هيئة Oxford Economics الاستشارية ومقرها بريطانيا - وحملت عنوان المنافع الاقتصادية لتطوير نظم السيطرة الجوية - أن الرحلات الجوية في المنطقة تتأخر بمعدل 36 دقيقة، وأن 82 بالمئة من هذه التأخيرات سببها عدم تمكن نظم السيطرة الجوية من التعامل مع العدد الكبير للرحلات. وقالت الهيئة في تقريرها إنه ما لم ادخال تحسينات في نظم السيطرة الجوية، فإن التأخير سيتضاعف بحلول عام 2025 الى 59 دقيقة بالمعدل. كما قدر التقرير بأن المنطقة ستخسر ما يعادل 16,3 مليار دولار في التجارة والاستثمارات نتيجة لذلك. مسارات بديلة ويقول تايلر إن حل هذه المشكلة ليس ممكنا اذا ركزت الجهود على منطقة صغيرة فقط، ويستطرد "التحدي يتمثل في النظر الى ما هو أبعد من القضايا الوطنية فقط وتركيز النظر على الصورة الأكبر التي تمثل في التطوير الاستراتيجي لقطاع الطيران في الشرق الأوسط ككل." ومضى للقول "إن التوافق والتكامل والتعاون بين المعنيين في مجال الطيران ضرورية جدا من أجل تحقيق اهداف المشاريع الوطنية بشكل كامل." عند افتتاحه بشكل كامل، سيتيح مطار المكتوم في دبي لشركة طيران الامارات مضاعفة حجمها احدى العلامات الايجابية في هذا المجال تتمثل في توسيع برنامج تحسين المجال الجوي الشرق أوسطي MAEP الذي يحاول التنسيق بين سياسات المجال الجوي والملاحة الجوية والتغييرات التقنية والتعاون. ويبلغ عدد الدول المشاركة في البرنامج الآن 15 منها مصر والكويت وعمان والبحرين وايران التي انضمت مؤخرا. وتمكنت الدول الاعضاء في البرنامج من الاتفاق على موضوع ايجاد مسارات بديلة للرحلات الجوية، وخصوصا استخدام أجواء صحراء الربع الخالي في السعودية. ولكن ينبغي التوصل الى مزيد من الاتفاقات فيما يخص الجزء الشمالي الغربي من المنطقة، وخصوصا الاجواء العراقية والسورية والايرانية. وكانت سلطات النقل الجوي في الامارات قد طرحت دراسة كبيرة قبيل معرض دبي الاخير منذ عامين تضمنت 51 توصية، ولكن لم تعلن هذه التوصيات ولذا فليس من المعلوم ما اذا وجدت أي منها طريقها الى التطبيق. أما الآن، فقد طلبت مفوضية الطيران المدني العربية اعداد تقرير حول ازدحام المجالات الجوية في منطقتي الخليج وشمال افريقيا. وفي الشهر الماضي، طلب مجلس التعاون لدول الخليج العربية من شركة هليوس الاستشارية والادارية البريطانية أن تنظر في الموضوع. تحديدات عسكرية ستركز هليوس جهودها مبدئيا على التغييرات العملية قصيرة الأجل التي من شأنها معالجة مشكلة الازدحامات، ولكن الشركة تقول إن اعداد الدراسة سيستغرق 15 شهرا. وقال أحد كبار الموظفين العاملين قي مجال النقل الجوي لم يشأ ذكر اسمه "إن البحث في المسألة مفيد بلا شكل، ولكن ينبغي تنفيذ ما يوصى به. هذه كانت المشكلة في الماضي." والوضع الحالي يمثل مصدر ازعاج لشركات الطيران بشكل خاص، لأنها انفقت مليارات الدولارات في شراء الطائرات المزودة بأحدث التقنيات. فدولة الامارات على سبيل المثال انشأت نظاما للسيطرة الجوية من اكثر الأنظمة تطورا في العالم. من شأن الوضع الأمني المتردي في منطقة الشرق الاوسط أن يجعل بعض السلطات العسكرية تتردد في فتح المزيد من المجال الجوي للرحلات المدنية ولكن رغم الروابط الوثيقة التي تربط شركات الطيران الخليجية بحكوماتها، يقول الموظف المذكور "لا نستطيع استخدام قوة الإجبار، فهناك هياكل معقدة وكل شيء منفصل عن الآخر. تتمتع الشركات ببعض النفوذ، ولكن لا يستطيع احد تحقيق التغيير قسرا." ويعتبر منع حركة الملاحة الجوية المدنية من استخدام المجال الجوي المخصص للاغراض العسكرية واحدا من اهم العوائق التي تقف في طريق التغيير. ففي منطقة الخليج، تحتكر الاستخدامات العسكرية بين 40 و60 بالمئة من المجال الجوي (تبلغ النسبة 50 بالمئة في دولة الامارات)، مما لا يبقي للطائرات المدنية الا ممرات ضيقة. يختلف الأمر في اوروبا التي تتخذ موقفا أكثر مرونة. ففي اوروبا، يعمل موظفو السيطرة الجوية المدنيون والعسكريون سوية للوفاء بمتطلبات الجانبين. وفي الوقت الذي تعتمد فيه بعض الدول الشرق أوسطية كالاردن موقفا اقل تشددا، ينبغي على الدول الاخرى عمل المزيد. ويقول سويفت "الموضوع لا يتعلق فقط بتخلي الجيش عن بعض المجال الجوي، بل بالعمل بشكل اكثر ذكاء." ومما يجعل الأمر اكثر صعوبة في الوقت الراهن هو الوضع الأمني المتدهور في المنطقة. كما لا تشعر بعض الدول - وخصوصا تلك التي تمتلك احتياطات بترولية ضخمة - أن قطاع الطيران يمثل اهمية اقتصادية كبرى. قد يغير ذلك انهيار اسعار النفط، ولكن سويفت يقول إن الامر الحيوي هو اقناع هذه الدول بأن الأجواء التي فوقها تعد موردا اقتصاديا لا يقل أهمية عن ذلك الموجود في باطن الارض.