عندما كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزيرا للدفاع، ولم يكن قد حسم أمر ترشحه للرئاسة، التقى مجموعة من الكتاب والصحفيين، بعد نهاية أحد احتفالات القوات المسلحة، وكنت أحد الذين حضروا اللقاء. أذكر جيدا فى هذا اليوم، أن السيسى قال لنا إن أوضاع مصر صعبة جدا فى معظم المجالات، واستخدم تعبيرات تدل على أن البلاد تحتاج معجزة للخروج من أزمتها الشاملة، وليس فقط أزمة العنف والإرهاب. السيسى قال هذا الكلام وقتها فى معرض عدم تشجعه للترشح للرئاسة، وأنه من الصعب مصارحة الناس بالحقيقة الكاملة، جرى ما جرى، وترشح السيسى، ثم فاز وتولى رئاسة الجمهورية منذ يونيو 2014. وقبل أيام قليلة، وفى نفس مكان اللقاء الأول تقريبا، حضرنا خطاب الرئيس السيسى فى مسرح الجلاء على هامش الندوة التثقيفية العشرين التى نظمتها الشئون المعنوية للقوات المسلحة وكان من بين ما قاله أنه لم يخبر الشعب بالحقيقة الكاملة خوفا من أن ينكد عليه أو يصدمه. يمكن تفهم ألا يصارح السيسى الشعب بحقيقة الموقف، إذا كنا نستطيع أن نواصل الحياة بنفس الطريقة التى نعيشها، لكن ولأن الأوضاع للأسف الشديد تسوء فى مجالات متعددة، فإننى أقترح على الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يخرج إلى الشعب بخطابشامل جامع مانع، يقدم فيه شيئين جوهريين، الأول حقيقة الأوضاع فى مصر فى كل المجالات من السياسة إلى الاقتصاد، ومن التعليم إلى الصحة، ومن الزراعة إلى الصناعة. والأمر الثانى أن يقدم الرئيس رؤية شاملة وخريطة طريق للخروج من هذا المأزق الذى يبدو صعبا. يقول الرئيس إن ما تحقق فى 17 شهرا كبير جدا وهو قول صحيح، لكن المشكلة أن الأزمات فى مصر تحتاج إلى معجزات، ثم إن سقف الطموحات لدى المواطنين مرتفع جدا، والأكثر خطورة هو أن صبر الفقراء والمحتاجين آخذ فى النفاد، ثم إن معظم القوى الكبرى فى الخارج لا ُتكن لنا الكثير من الود. وربما يكون انعقاد البرلمان الجديد فى ديسمبر المقبل فرصة نادرة لهذا الخطاب. بحيث يعرض الرئيس على ممثلى الشعب رؤيته للمستقبل، وآليات تنفيذ هذه الرؤية والخطة أو البرنامج على أرض الواقع. على الرئيس أن يخبر الشعب ونوابه بتفاصيل المشكلات والأزمات التى تواجه البلاد من أول كيفية حل مشكلة البنية الأساسية نهاية بالتصور للخروج من المشكلة السياسية التى نعانيها. فى هذا الخطاب، يفترض أن يطرح السيسى على الناس أولويات برنامجه الكامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. من الصعب أن يُرضى السيسى الجميع بنفس المقدار، عليه أن يختار وينحاز. لابد أن ينفتح الرئيس وإدارته بصورة أكبر كثيرا على كل القوى السياسية والاجتماعية فى مصر، باستثناء من يحرِّض على العنف والإرهاب، وأن يبتعد عن كل من يسىء إليه وإلى حكومته حتى لو كان يصرخ بتأييده!!. دور الرئيس أن يساعد فى تفكيك بؤر التوتر السياسى والاجتماعى، لديه حتى الآن شعبية هائلة تمكنه من السير فى الطرق الصعبة والوعرة، التى يمكن أن تُخرج مصر من أزمتها الصعبة، مثلما فعل فى يوليو قبل الماضى، حينما اتخذ قرار تخفيض الدعم عن الطاقة. لكن فى كل الأحوال، من الضرورى أن تكون هناك رؤية محددة، مصحوبة ببرنامج أو جدول زمنى للخروج من عنق الزجاجة. مطلوب من الرئيس أن يصارح الشعب بحقيقة موقفنا الخارجى، وهل هناك مؤامرة دولية على مصر فعلا، وإذا كانت صحيحة فكيف سنواجهها؟!. يحتاج الرئيس السيسى بسرعة عاجلة أن يستعيد معسكر 30 يونيو الذى أوشك تقريبا على التفكك، وأصيب معظم رموزه باليأس والإحباط، وكذلك بعض الأنصار الذين كانت تراودهم آمال وطموحات كثيرة، فى تحسن أحوالهم المعيشية، ثم فوجئوا بصعوبات أكبر. مصر تحتاج بداية جديدة تقوم على المصارحة ومعرفة أين نقف، وكيف نتجاوز المأزق؟.