• غالبيتهم يبيتون الليل بجوار الألعاب لحراستها من السرقة يحب أن يشبه نفسه بالنملة.. يجمع طعامه فى الصيف ويختبئ حين يحل الشتاء، يُخرج سيد بسيونى من جيبه أربعة جنيهات يضمها فى قبضة يده، منتظرا قدوم طفل أو أكثر ليزيدوها عددا. فى أغلب المدن الصغيرة، وما أن يحل عيد أو مولد أحد الأولياء، يظهر عمال «المراجيح الدوارة» بين مدينة وأخرى ينصبون الألعاب الملونة فى الشوارع، بعضهم يملكها وبعضهم يستأجرها والغالبية مجرد عمال يبيتون الليل بجوار الألعاب الضخمة أو تحتها لحراستها من السرقة. بسيونى، الذى تخطى الأربعين منذ عامين، مجرد عامل على المراجيح يتقاضى خمسين جنيها فقط ممن يصفهم ب«الحيتان» فى إشارة منه إلى المعلمين الكبار الذين يمتلكون الألعاب الكهربائية الكبيرة، ويستأجرونه للعمل والحراسة. الألعاب هى بوابة الأطفال للبهجة، ولكن الحياة فى الشارع لأجلها أصابته بالغضروف وآلام كثيرة فى جسده، فى الوقت نفسه هو لا يعرف مهنة أخرى، كبر فوجد آباءه عليها. أما طه سيد، 45 عاما، فكان حظه أفضل قليلا. استطاع أن يشترى عددا من الألعاب البسيطة التى لا يضاهى ثمنها الألعاب الكبيرة، ولكن ملكيته المحدودة جعلته أقرب إلى العمال، منه إلى المعلمين الكبار. لألعابه أسماء هى بطة ووزة، وأم السعد وهى عبارة عن «نطاطة للأطفال». يقارن سيد بين المراجيح المتنقلة منذ سنوات وبين حالتها الآن: «زمان النفر كان بربع جنيه وبريزة وكان مجلس المدينة بيأجر لنا الأرض بفلوس أقل.. كان عندى عمال وكنت بدفع كهربا ممارسة وضرايب لكن دلوقتى الأرض بتتأجر ب50 ألف جنيه.. مفيش خير». برغم ضيق اليد، فسيد مهتم جدا بالتغيير السياسى، كان يتحدث بثقة عن ضرورة مشاركته فى الانتخابات البرلمانية الحالية التى ستحل بطنطا فى المرحلة الثانية فى نوفمبر المقبل، ليس ذلك فقط، بل سيدعو الناس إلى انتخاب من يعيش فى البلد وليس من يترشح من خارجها. سيد أيضا اعتصم ضد الرئيس المعزول محمد مرسى لأسبوعين أمام مقر محافظة الغربية، وكان يصور استمارات حركة تمرد من ماله المحدود. مهما حدث له، فسيد لا يرى أنه ثمة مسئولية لرئيس الدولة فى تدهور أوضاعه أو تحسنها، من وجهة نظره يكفى أنه استرد أمان البلد وليس مطلوبا منه أن يطرق أبواب البيوت ليطمئن على أهلها أو أن يبحث عن الجوعى، وإنما يجب على الفرد السعى وراء رزقه. أما المعلم عزام فاروق فيمثل أشهر ملاك الألعاب فى طنطا، كما بدا من حديث العاملين فى المراجيح. سيدة، رفضت ذكر اسمها، تجلس على كرسى وتشرف على ألعابه الضخمة مثل الساقية والعربات الكهربائية، تقول إن تكلفة العربة الواحدة 45 ألف جنيه ومقطورة القطار تصل إلى 13 ألف جنيه، ولكن ما تلبث أن تعوض ثمنها خلال ثلاثة مواسم، ولنصب الألعاب وحراستها فى الليل، يستأجرون عمال يتقاضون من 50 إلى 100 جنيه يوميا. أما دينا أشرف، 29 عاما، فقد اتخذت موقعا متوسطا فى المهنة التى تبين أنها تحتوى على طبقات داخلية عديدة، استأجرت عددا من الألعاب من ورش تصنيع المراجيح أو من الملاك. فى أحد المرات استطاعت أن تؤجر أربع ألعاب صغيرة بألفى جنيه فى أسبوع، وتمنت من الله أن يأتى رزقها بأكثر مما دفعت لأجل فتاتين وولد هى أم لهم. تجلس بالنهار تنتظر قدوم الأطفال ليدفعوا جنيها أو اثنين، ولكن ما يكدر صفوها سرقات عديدة تعرضت لها ومن المحتمل تكرارها، يأتى عمال النظافة أو اللصوص فى الليل ويقصون أسلاك الكهرباء وعمدان النور الصغيرة وينتزعون الحديد والمواتير من الألعاب، لتتكبد هى ثمن الخسائر أمام الملاك. أمسكت دينا حقيبتها الفارغة وقلبتها لتظهر خلوها من المال أو أى شىء آخر.. تعلق بعدها: «المراجيح بهجة رخيصة للأطفال لكن علينا إحنا بالدم».