الأقباط يحتفلون بعيد الصعود اليوم وتزيين الكنائس بالستائر البيضاء    محافظ الدقهلية يُشارك في المقابلات الشخصية لبرنامج «المرأة تقود للتنفيذيات»    محافظ أسيوط: اعتماد الارتفاعات الجديدة بعد التنسيق مع الجهات المعنية    «تموين إسنا» يطلق مبادرة شوادر اللحوم المدعمة    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    «حماس» تعلن دراسة مقترح ويتكوف الجديد بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة    أمريكا.. وجرائم نتنياهو    "قسد " فى ورطة مع النظام السورى الجديد    زيلينسكي: تحدثت مع ميرتس حول إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" الألمانية    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    إيقاف إمام عاشور.. أزمة في الزمالك.. العميد يقبل الاعتذار.. وتراجع أبو علي| نشرة الرياضة ½ اليوم    الزمالك يكشف حقيقة التفاوض مع ريجيكامب لتدريب الفريق    ضبط 33 قضية و33 متهم خلال حملة على تجار المخدرات    السيطرة على حريق داخل شقة في بولاق الدكرور    90 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحي في دمياط والأوقاف تعلن رفع درجة الاستعداد    صدمته سيارة أثناء أداء عمله.. أهالي المنوفية يشيعون جثمان اللواء حازم مشعل    أول رد من «الداخلية» عن إخفاء الشرطة ل أوراق تحقيقات إحدى قضايا الجنح    «قومية المنيا» تعرض «الإسكافي ملكا» ضمن عروض الموسم المسرحي    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    بتكلفة 4 ملايين جنيه.. محافظ الغربية يفتتح قسم العناية المركزة بمستشفى سامول بعد تطويره    لتنظيف معدتك من السموم- تناول هذه الأعشاب    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    كلمات تهنئة معبرة للحجاج في يوم التروية ويوم عرفة    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    وزير التعليم يلتقي أحد الرموز المصرية الاقتصادية العالمية بجامعة كامبريدج    قومية المنيا تعرض الإسكافي ملكا ضمن عروض الموسم المسرحي    بالصور- حريق مفاجئ بمدرسة في سوهاج يوقف الامتحانات ويستدعي إخلاء الطلاب    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم عقب تعافيه    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    رسميًا.. بايرن ميونيخ يُعلن عن أولى صفقاته الصيفية استعدادًا لمونديال الأندية 2025    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة في شبرا.. صور    عرفات يتأهب لاستقبال الحجاج فى الموقف العظيم.. فيديو    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    رئيس جهاز حماية المستهلك: المقر الجديد بمثابة منصة حديثة لحماية الحقوق    قرار مفاجئ من الأهلى تجاه معلول بعد دموعه خلال التتويج بالدوري    ياسر إبراهيم: بطولة الدوري جاءت فى توقيت مثالي    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    كأس العالم للأندية.. إقالة مدرب باتشوكا المكسيكي قبل مواجهة الأهلي وديًا    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    ندب الدكتورة مروى ياسين مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    بنسبة حوادث 0.06%.. قناة السويس تؤكد كفاءتها الملاحية في لقاء مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري    تمكين المرأة اقتصاديًا.. شروط وإجراءات الحصول على قروض مشروعات صغيرة    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    أسوشيتدبرس: ترك إيلون ماسك منصبه يمثل نهاية لمرحلة مضطربة    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    91.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يتحدث باسم الفلسطينيين؟
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 10 - 2015

تكاد تغيب أى جدارة لأى طرف فى الحديث باسم العذاب الفلسطينى.
انتفاضة الأرض المحتلة الجديدة أقرب إلى صرخة يأس جماعية من أى أمل وبديل وأى سلطة وجماعة.
عفوية الانتفاضة وثيقة إدانة لكل المتنازعين بغير قضية على الساحة الفلسطينية.
هذه حقيقة لا يصح إنكارها أو الادعاء بعكسها.
الطعن بالسكاكين وثيقة إدانة أخرى لعالم ينظر بغير اكتراث لمحنة شعب يتعرض لأبشع تمييز عنصرى فى التاريخ الحديث قضيته تداس بالأقدام الغليظة وأراضيه تسلب قطعة بعد أخرى ومواطنوه يتعرضون للموت حرقا وقتلا على يد جماعات المستوطنين المدعومة من قوات الأمن الإسرائيلية.
لماذا يطعن فلسطينى عادى أى إسرائيلى يجده أمامه وهو يعرف أنه سوف يموت فى اللحظة التالية؟
لأنه لم يعد للحياة معنى وهو يرى إنسانيته تهدر بقسوة ومقدساته تنتهك على نحو يصعب تحمله.
انتفاضة السكاكين احتجاج مزدوج على احتلال يزدرى الوجود الفلسطينى وتنظيمات فقدت صلاحيتها فى الحديث باسم قضيتهم.
الإعدامات الميدانية برصاص جيش الاحتلال لفلسطينيين بمجرد شىء من الشك فى أنهم قد يطعنون إسرائيليا تنطوى على أحد تفسيرين.
الأول: إن هوس الخوف استبد بالإسرائيليين إلى حد إطلاق الرصاص على مارة لمجرد أنهم فلسطينيون.
كراهية كل ما هو إسرائيلى قابله خوف من كل ما هو فلسطينى.
فى هستيريا الخوف تعالت حملات إسرائيلية تحرض على طعن الفلسطينيين بالسكاكين وإطلاق الرصاص عليهم.
فى واقعة مثيرة أطلق جندى إسرائيلى النار على إسرائيلى آخر لأن ملامحه بدت عربية.
الثانى، وهو الأرجح: أن الأمر كله منهجيا يستهدف إشاعة الرعب فى المجتمع الفلسطينى على النحو الذى اعتادته آلة الحرب الإسرائيلية منذ تأسيس دولتها عام (1948).
انتفاضة السكاكين تؤكد مجددا أن القهر لا يؤسس أمنا وأن القضايا العادلة لا تموت مهما أمعنت القوة فى جرائمها.
توجه الجيش الإسرائيلى لبناء سياج أمنى على امتداد الحدود مع غزة تأكيد لهذه الحقيقة واعتراف بالعجز عن توفير الأمن رغم اتفاقيات التهدئة.
لكل فعل رد فعل يساويه فى القوة ويضاده فى الاتجاه.
ولكل قهر ردات فعل تضارعه.
ذلك ما حدث بالضبط بلا تنظيم ولا قيادة ولا متحدثين باسم انتفاضة الفلسطينيين العاديين.
فى الانتفاضة كبرياء إنسانى جريح وشعور بالمهانة من ضياع أعدل القضايا الإنسانية.
الخطر الحقيقى الآن ألا تجد فورة الغضب مجراها السياسى وألا تتبلور فى قوة تعرف طريقها وكيف تصل إلى أهدافها.
بمعنى آخر، الخطر ألا تتطور الانتفاضة من اليأس إلى الرجاء.
اليأس غضب عابر والرجاء رؤية أرحب.
هذه مسألة خطاب سياسى تفتقده القضية الفلسطينية بفداحة.
الأسوأ أنها تفتقد الآن من يتحدثون باسمها أمام الضمير الإنسانى على النحو الذى توافر لها فى سنوات الصعود والإلهام.
قبل سنوات طويلة نسبيا عقد مؤتمر لنصرة القدس فى قاعة الأمويين بدمشق.
أحد الأسئلة التى طرحت: كيف نخاطب الضمير الإنسانى؟
أجبت من فوق منصة المؤتمر: «كان لدينا محمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفانى وآخرون من أدباء الأرض المحتلة، الآن من يتقدمون للحديث ينفرون من كل قيمة بل يكادون يدفعوننا إلى الكفر بالقضية الفلسطينية نفسها».
من أعلى المدرج هبطت باندفاع «ليلى خالد»، أشهر فدائية فلسطينية فى التاريخ، والكوفية حول رقبتها، وآثار التعذيب ربما ما زالت ماثلة على جسدها وهى تؤكد المعنى وتلح عليه.
إذا كان مثل هؤلاء يتحدثون باسمها فإنها تستحق اللعنة.
القضايا الكبرى تنتدب من يدافع عنها ويتحدث باسمها.
ورغم كل يأس فإن فلسطين سوف تنجب أصواتا جديدة تلهم وتؤثر فى الوجدان الإنسانى.
غير أن أحدا لا يستطيع أن يلهم بغير رؤية سياسية.
من ناحية واقعية سقطت اتفاقية «أوسلو» ولا تسوية سياسية ممكنة مهما كانت إجحافها فى أى مدى منظور.
الحكومة الإسرائيلية تعلن رفض «حل الدولتين» الذى توافق عليه المجتمع الدولى دون أن يحتج أو أن يتدخل لوقف الاستيطان والتهويد وربما هدم المسجد الأقصى نفسه.
أقصى ما هو مطروح الآن فلسطينيا الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية بوثائق وشهادات تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وممارسة إعدامات ميدانية بالاشتباه.
حديث السلطة لا يرتفع إلى مستوى الاستعداد اليومى للموت الذى يبديه الفلسطينيون العاديون.
الوسائل القانونية والدبلوماسية على أهميتها لا تكفى.
هناك مواجهات على الأرض تستدعى تصرفات سياسية أكثر جدية أولها إلغاء اتفاقية «أوسلو» لا وقف الالتزام بها، على ما قال رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» من فوق منصة الأمم المتحدة.
فى الإلغاء حل للسلطة وإعادة تعريف القضية الفلسطينية كقضية احتلال وشعب يقاوم.
لا مساحيق تجميل ولا كلام مراوغا عن التسوية.
وثانى هذه التصرفات إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية تعبيرا عن وحدة الشعب والقضية.
كان تقويض المنظمة إحدى النتائج الخطيرة ل«أوسلو».
الزعيم الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات» وقع هذه الاتفاقية باسم المنظمة كأنه يحلها فى الوقت نفسه.
تبدت فى ذلك الوقت مطالبات بالفصل بين السلطة والمنظمة لكنها تبخرت سريعا.
كان «عرفات» رجلا«صلبا كالفولاذ لينا كالمطاط» بحسب وصف الشاعر الفلسطينى الأكبر «محمود درويش» على ما نقل الصحفى الفرنسى الراحل «إريك رولو» فى مذكراته.
حاول «عرفات» أن يضع قدمه على الأرض، فاوض وتنازل لكنه سلح ومول كتائب مقاومة.
فى لحظة تصور رئيس المجلس الوطنى الفلسطينى «سليم الزعنون» أن «عرفات أكلهم الأكلة» غداة التوقيع على «أوسلو» كما استمعت على مائدة غداء نظمتها شخصية أكاديمية فلسطينية مقربة من «فاروق قدومى» أحد مؤسسى «فتح» الذى ناهض المعاهدة.
الذى حدث بالضبط أننا نحن «الذين أكلنا الأكلة».
أحد أوجه المأساة الفلسطينية أنها فقدت أى برامج مرحلية وغيبت فيها أى وثائق سياسية أو رؤى يعتد بها للتحديات الماثلة وآفاق المستقبل، وهى التى ذخرت بمثل هذه البرامج والوثائق والرؤى كما لم تذخر قضية أخرى فى التاريخ.
فقر الأفكار من فقر التنظيمات، بعضها تراجعت تحت وطأة الفساد المستشرى فى جنباتها وبعضها الآخر تقوضت سمعتها بأثر انخراطها فى انحيازات أيديولوجية على حساب القضية الفلسطينية.
‫«‬حماس» تؤيد الانتفاضة الجديدة، هذا لا شك فيه.‬‬‬
لكنها تقف شبه عاجزة عن أى دعم، فالعمل المسلح يعرضها لقصف إسرائيلى يهدد حكومتها.
كالسلطة تماما فهذه الحكومة عبء على القضية الفلسطينية.
أحد الوجوه الأخرى للمأساة الفلسطينية أنها بلا غطاء سياسى وشعبى يعتد به فى محيطها، فالعالم العربى مشغول بأزماته وحروبه وبراكين النيران فيه وحكامه يتمنون اختفاءها من الذاكرة بقدر ما تمنى ذات يوم رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق «إسحق رابين» أن يصحو ذات صباح فلا يجد غزة على الخريطة.
رغم ذلك كله قد يتبدى من جنبات اليأس أمل فى المستقبل، فالشعوب التى يموت أبناؤها بكبرياء لن تعجز عن أن تنتدب من يتحدث باسمها ويصحح خلل مسارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.