يظل تعبير بلغ من العمر «أرذله» أحد التعبيرات اللغوية القاسية التى تداهم الإنسان دائما لكى تقدم فى العمر وزادته هواجس أيام العمر التى تنقضى، ولا يملك حيالها إلا انتظار القادم منها. أحيانا فى صبر وكثيرا فى نفاد صبر وضيق وكآبة قد تطول ساعاتها. خريف العمر مرحلة مهمة فى حياة الإنسان إذا انحسر فيها مد الشباب يجب أن يوافيه حذر الحكمة، ويملأ فراغه خبرات وتجارب اكتسبها الإنسان على مر سنوات خلت وادخرها عامدا ليقاوم حلول الشتاء. - تلعب الوراثة دورا مهما فى احتفاظ الإنسان بقدراته الذهنية والإدراكية لكنها ليست العامل الأوحد. تلعب العوامل البيئية مثل التعليم والثقافة والخبرات المكتسبة التى يمر بها الإنسان فى حياته دورا بالغ الأهمية فى مقاومة معالم شيخوخة الذهن. بينما الحركة والنشاط بانتظام لهما أثر آخر مهم على زيادة مناعة الجسم فى مواجهة الأمراض وحماية القلب والشرايين بل حماية الذاكرة من التدهور السريع. علاج الأمراض المزمنة مثل السكر وضغط الدم أفضل ما يقدم الإنسان لنفسه فى خريف العمر، الأمر الذى يمنع تداعيات كثيرة سريعة قد تحدث إذا ما فقد الإنسان السيطرة عليهما. التوقف عن التدخين، وتفادى أماكن التدخين السلبى تحمى الإنسان من مخاطر قد لا تخطر على باله مثل تحلل الماقولة أحد أهم أسباب فقدا البصر فى مرحلة الشيخوخة. - نتوقف متمهلين عند طعام الإنسان وأثره على حياة الإنسان، والذى يبدو واضحا فى أمثلة كبيرة منها: يعد عمر الإنسان فى اليابان مثلاً، فالإنسان اليابانى هو الأطول عمرا بل إن هناك جزيرة (Okinawan)متوسط عمر الإنسان فيها الأطول فى اليابان، وبالتالى الأطول فى العالم بأسره. يرجع العلم طول عمر الإنسان اليابانى إلى عاداته السليمة فى الغذاء ونوعية الطعام التى تعتمد على الأسماك، الحبوب، الخضراوات، الصويا والأقل دائما من اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان، بينما تتميز تلك الجزيرة الفريدة بنوع من الكالسيوم النقى فى حجارة شواطئها وأصداف وقشور كائناتها البحرية. من الأمثلة المهمة أيضا طول أعمار من ينتهجون المحميات الغذائية النباتية بالفطرة مثل طائفة الرمون. - مع التقدم فى العمر قد تعترى الإنسان بعض من الصعوبات التى قد تؤثر على حصوله على الفائدة كاملة من الطعام: صعوبات البلع، زيادة حموضة المعدة، انسحاب تدريجى لحاسة الشم أو التذوق، الأمر الذى يقل من رغبة الإنسان فى الطعام. هناك أيضا تداعيات الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكر وأمراض تصلب الشرايين. - مع التقدم فى العمر يتغير فى الجسم معادلات كثيرة: يقل حجم العضلات ويزيد نسبة الدهون نتيجة لقلة الحركة. تتباطأ معدلات البناء لتزيد معدلات الهدم فى الجسم فتقل بالتالى كمية السعرات الحرارية التى يحتاجها الإنسان من الطعام. - مع التقدم فى العمر تقل قدرات الجسم على امتصاص مواد مهمة، منها على سبيل المثال الكالسيوم لتظهر هشاشة العظام، وقد يختل ميزان السكر لذا فالإنسان بحاجة إلى الاهتمام ببعض تلك العناصر المهمة والضرورية للحفاظ على حيوية الجسم ودرء الخطر عنه: - الكالسيوم لمقاومة هشاشة العظام دعم العظام قوية. - فيتامين (د) الذى يحتاجه الجسم للمعاونة فى امتصاص الكالسيوم. - فيتامين (ب12) لتصنيع كرات الدم الحمراء والحفاظ على سلامة الأعطاب. - الزنك لدعم جهاز مناعة الجسم. - البوتاسيوم خاصة لمرضى ارتفاع ضغط الدم والذين يعالجون بمدرات البول. - حامض الفوليك (من مجموعة فيتامين ب المركب)، والذى يدخل فى تركيب الأحماض الوراثية (DNA) وخلايا الدم الحمراء، يساعد على التخلص من مادة الهيموسستاين المرتبطة بخطر تصلب الشرايين. - الألياف للتخلص من الإمساك المزمن. - الماء فى الماء تذوب الأملاح والمعادن التى يحتاجها الجسم وتعتم كل العمليات الحيوية التى تحفظ عليه حيويته. تنقل المواد الغذائية من مكان لآخر، وتساهم فى عمليات الإخراج. من ستة إلى ثمانية أكواب من الماء ضرورة يومية فكلما زاد عمر الإنسان زادت حساسيته لحجم الماء فى جسمه. قلة الماء تؤدى للجفاف الذى يقود للصداع والتعب والإحساس بفقدان الهمة ثم اختلاط الذهن. - المكملات الغذائية فى خريف العمر رغم أن معظم الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى أن حصول الإنسان على الفيتامينات والمعادن من مصادرها الغذائية الطبيعية أفضل فإن الأمر قد يختلف لدى المسنين. تناقص القدرة على امتصاص الغذاء بصورة كاملة لدى السنين، إما بصورة طبيعية نتيجة للتقدم فى العمر أو لوجود معوقات تسببها الأمراض المزمنة قد تحتم أن تضاف بعض المكملات الغذائية لقائمة طعام الخريف. مجموعة فيتامينات Multivitamin قد يوصى بها الأطباء لكن هذا لا يغنى على الإطلاق عن محاولة الإضافة والتنويع فى طعام كبار السن وإضافة الخضراوات الطازجة والفاكهة ومنتجات الألبان قليلة الدسم الألياف والأحماض الدهنية الأساسية وبعض المواد الغذائية التى لا تتوافر إلا فى النباتات يجب تناولها مباشرة من مصادرها الطبيعية. يحتاج الأمر دائما متابعة مع إخصائى تغذية علاجية، فكما أن المكملات الغذائية مطلوبة إنها سلاح ذو حدين. يجب تناول المكملات الغذائية التى يبدى نقصها أعراضا أو يتوقع غيابها نتيجة أسباب مرضية دون زيادة يظنها الإنسان فائدة مزدوجة. زيادة جرعات المكملات الغذائية قد يحدث أضرارا غير متوقعة. على سبيل المثال جرعات زائدة من الزنك تتدخل فى عملية امتصاص الفوليات، بينما يقاوم الزائد من الحديد امتصاص الزنك والكالسيوم. أهمية الطعام لا تنحسر فقط فى ارتفاع قيمته الغذائية أو تنوع مصادره أو طيب مذاقه إنما يشير العلم لقوة الآن لأثر عوامل نفسية أخرى تزيد من أهميته وتدعو للاستمتاع به بصورة أكثر فاعلية خاصة فى تلك المرحلة العمرية، التى تزيد فيها حاجة الإنسان للإنسان حوله. حاول أن تنظر بجدية إلى ما يحبط بالطعام من مناهج إنسانية تبدأ بالصحبة الودودة والمائدة الأنيقة والأطباق الملونة ثم الطعام الصحى البسيط المحتوى القليل السعرات. لن ندرك هذا الأثر إلا إذا داومت على التجربة: قد تبدو رفاهية لأصحاب النظرة السطحية للأمور، لكنها عميقة إنسانية لأصحاب القلوب الحكيمة. - حتى إذا كنت معتادا على تناول الطعام بمفردك: اعتنِ بمائدتك أو أعد صينية طعامك بصورة بسيطة أنيقة ولا تبدأ فى الأكل إلا بعد الانتهاء من إعدادها بصورة كاملة. - إذا كنت تكره تناول الطعام بمفردك فلا تفرق أبداعية تناوله بدعوى أنك وحيد. أبحث دائما عن فكرة لتناول الطعام برفقة الآخرين ادعو أصدقاءك أو اذهب إليهم دائما ولو لوجبة واحدة فى اليوم. اذهب لتناول غذائك فى النادى. - اختر دائما من الطعام الألوان المختلفة التى تضفى بهجة على المائدة الفلفل الملون، الطماطم، الخيار، الخس، البقدونس والكسبرة ألوان الفاكهة المختلفة. تذكر أنك بحاجة لسعرات حرارية أقل وهذا يعنى الكثير من الفاكهة والخضراوات. - تفادى الملح قدر استطاعتك. استبدله بالأعشاب العطرية والخل رشة من القرفة أو جوزة الطيب تحفز حاسة التذوق وتعطى غنا لما تضاف إليه من طعام. - خمسة اختيارات يومية من الفاكهة والخضراوات الطازجة تحفز الأمعاء على العمل وتقاوم نوبات الإمساك، وقد تعاون فى دعم مقاومة الخلايا للسرطان والأمراض المزمنة. التوت والفراولة والجزر والكنتالوب والأفوكادو والقرع العسلى اختيارات صحية جيدة للغاية فى مرحلة خريف العمر. - قد تقل رغبة الإنسان فى خريف العمر لتناول الماء وقد يتفاداه حتى لا يضطر لاحتياج الحمام فى فترات متقاربة. لا تلجأ لهذا أبدا لما فيه من خطورة أعراض الجفاف فى المناطق الحارة وما له من خطر على الكلى. من ستة إلى ثمانية أكواب من الماء يوميا ضرورة لك أن تضيف إليها أيضا الشاى الأخضر والقهوة والعصائر الطبيعية. - إذا كنت تعانى من أى مشكلات فى المضغ لا تلجأ أبدا للطعام السائل إنما عليك تناول الطعام مهروسا واللحم مفروما والأسماك مع أنواع الحساء المختلفة. - احرص دائما على رياضة المشى يوميا وبعضا من الجهد البدنى بعد مناقشته مع إخصائى العلاج الطبيعى حتى لا تبادر بحركات عنيفة قد تتسبب فى أذى المفاصل. الرياضة لا تحافظ على ليونة العضلات وحركة المفاصل فقط إنما تزيد من القابلية للطعام وتحسن من الحالة المزاجية للإنسان. - اقرأ دائما ما هو مكتوب من معلومات على ما تشتريه من منتجات حتى لا تشترى إلا ما يفيدك بالفعل بعيدا عن المواد الحافظة والمنتجات عالية الصوديوم. ذلك يتيح لك اختيارا صحيا أفضل دائما. - إذا توازن طعامك ولم يبدُ عليك أى نقص لأحد الفيتامينات المهمة قد يكون فيتامين ب12 هو الوحيد الذى يجب أن تحرص على تناوله إذا ما تعديت الخمسين من عمرك. عصارة الحامضية المسئولة عن معاونة المعدة على امتصاص فيتامين ب12 من اللحوم على سبيل المثال تقل درجة حموضتها بصورة طبيعية كلما تقدم الإنسان فى العمر. لذا يقل امتصاص الفيتامين البالغ الأهمية. الخريف هو أجمل فصول السنة.. تبلغ فيه الطبيعة أوج نضجها وبديع حكمتها. لك عزيزى القارئ أن تعى الدرس منها ليظل خريف عمرك ممتدا تنعم به فى ظل صحة جيدة وصحبة ودودة وألفة تستوعب ما يلم بك من أحداث. لا تنتظر حتى يهاجمك شتاء الشيخوخة، وتمسك دائما بخريف مفتوح يمتد إلى آخر ما ترى عيناك من أفق.