• العاصمة الإدارية تحتاج مزيدا من الدراسات.. والسيسى يسعى لتدشين عقد اجتماعى جديد على طريقة روزفلت • انتشار المناطق العشوائية خلق مواطنا عشوائيا وأحيانا مسئولين عشوائيين • لو عاش جمال حمدان للآن لكتب كتابا جديدا عن شخصية مصر.. وجلال أمين أفضل من رصد تحولات المصريين • الطراز المعمارى لفتحى فاشل.. وهجره الفقراء لاعتماده على القباب المرتبطة ببيوت الموتى • هدم مبنى الحزب الوطنى جريمة تاريخية وأدعو لإعادته لأصله كمقر لبلدية القاهرة • جراج التحرير ممتاز.. ويجب تعميم التجربة فى المناطق المزدحمة بالقاهرة مثل ميدان مصطفى محمود الدكتور نزار الصياد، واحد من ألمع لمعماريين على مستوى العالم العربى والدولى، وهو أستاذ للعمارة والتخطيط وتاريخ العمران فى جامعة كاليفورنيا بيركلى الأمريكية، فضلا عن أنه شغل أيضا منصب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بالجامعة نفسها، له كتاب شهير نشره بالإنجليزية عن القاهرة اسمه «القاهرة: تواريخ مدينة»، وسيصدر له فى وقت لاحق من هذا العام كتاب آخر بعنوان «النيل: التاريخ الحضرى على ضفة النهر» يحكى قصة العمارة فى 12 مدينة على ضفاف ذلك النهر من المنابع إلى المصب. «الشروق» التقت الصياد خلال زيارته الأخيرة لمصر، وفتحت معه ملفات العمارة والإسكان فى مصر التى هو كمواطن مصرى بالدرجة الأولى مهموم بها قبل أن يكون خبيرا فى مجاله، فتحفظ الرجل على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وقال إنها «بحاجة إلى مزيد من الدراسات»، ودعا الدولة لإنشاء جهاز لنزع ملكية المبانى المخالفة والاستفادة منها فى حل مشكلة السكن فى مصر، وشدد على أن انتشار العشوائيات فى مصر أدى إلى خلق «مواطن عشوائى»، وأحيانا «مسئولين عشوائيين»، واعتبر أن المفكر الكبير جلال أمين خير من رصد التحولات الأخيرة للشخصية المصرية، التى كان السكن العشوائى والبيئة العشوائية سببا فى حدوثها. يتحفظ الصياد على فكرة إقامة عاصمة إدارية جديدة، ويؤكد على أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات المتعمقة، ويرى أن هناك تخبطا فى هذه المسألة من قبل القائمين على هذا المشروع، بدليل عدم الدقة فى تحديد ماهية المشروع.. فتارة يقولون عاصمة جديدة، وأخرى يقولون مركزا إداريا جديدا، وبالتالى عدم وضوح الرؤية قد يؤدى إلى إنشاء منتج مشوه». وأعلن وزير الإسكان مصطفى مدبولى، خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، فى مارس الماضى، أن مصر تخطط لبناء عاصمة إدارية جديدة شرقى القاهرة فى غضون خمس إلى سبع سنوات بتكلفة 45 مليار دولار. مشيرا إلى أنها ستشمل بناء 1.1 مليون وحدة سكنية.
وقال مدبولى إن العاصمة الجديدة التى من المخطط أن تكون فى حجم سنغافورة ستضم مقار حكومية وبعثات دبلوماسية ووحدات سكنية فى المنطقة الواقعة بين القاهرة ومدينة السويس والعين السخنة، مضيفا «نحن نتكلم عن عاصمة عالمية». تخوف الصياد يرجعه إلى «تجاربنا السابقة فيما يخص المدن الجديدة بشكل عام، والتى لم تحقق الهدف الرئيسى منها، وهو تخفيف الكثافة السكانية الموجودة فى القاهرة الكبرى، فمن بين مدن 6 أكتوبر التى تبعد عن القاهرة ب25 كيلو، والعاشر من رمضان الموجودة على على بعد 80 كيلو من العاصمة، ومدينة برج العرب التى يفصلها 20 كيلو عن الإسكندرية، لم تنجح إلا مدينة 6 أكتوبر»، على حد قوله. «تاريخنا مع فكرة نقل العاصمة الإدارية بعيدا عن القاهرة غير مشجع.. فالرئيس أنور السادات حاول فعل ذلك من خلال مدينة السادات التى تبعد عن القاهرة مسافة 110 كيلو، لكن المشروع فشل»، يضيف الصياد. وخلال القرن العشرين قامت دول عديدة ببناء عواصم جديدة مثل برازيليا فى البرازيل، التى تأسست عام 1960، وكانبيرا فى أستراليا عام 1913، واستانة التى أصبحت عاصمة إدارية لكازاخستان عام 1997. وترجع الحكومة توجهها نحو بناء عاصمة إدارية بما تتضمه من 1.1 مليون وحدة سكنية إلى أن «عدد سكان القاهرة الكبرى الذى يقدر حاليا بنحو 20 مليون نسمة من المتوقع ان يتضاعف فى غضون 40 عاما، وليس من المنطقى انتظار هذه الزيادة دون توسع عمرانى فى المناطق المتاخمة للقاهرة». وهو ما يرد عليه الصياد بأن القاهرة الكبرى بها أكثر من 2 مليون وحدة سكنية مغلقة، منها ما هو مبنى بشكل رسمى ومنها ما هو مخالف لمواصفات البناء، من بينها نحو 120 ألف وحدة تطل على النيل، بامتداد المسافة من حلوان إلى القليوبية، فلو نجحت الدولة فى فتح هذه الوحدات المغلقة ستحل نسبة كبيرة من مشكلات السكن داخل القاهرة الكبرى. وبحسب وزير الإسكان فإن العاصمة الجديدة ستضم مطارا أكبر من مطار هيثرو فى لندن، ومبنى أعلى من برج إيفل فى فرنسا، وشوارع وطرقا تنتشر على جانبيها الأشجار بأطوال تتجاوز عشرة آلاف كيلومتر، وستضم أحياء سكنية لمختلف الفئات، للأثرياء ومتوسطى ومحدودى الدخل. عقد اجتماعى جديد وقال الصياد «إننى أتفهم جدا دوافع الرئيس عبدالفتاح السيسى لتبنى مشروع العاصمة الإدارية الجديدة مع التوسع فى المشروعات العمرانية، فالرجل يريد أن يشعر المواطنين المصريين بأن هناك تغييرا يحدث فى بلدهم، وأن هناك تقدما يحدث فى بلدهم رغم غياب الإمكانيات وضعف الموارد، وله كل الحق فى ذلك». وأكد خبير تخطيط المدن على أن «الولاياتالمتحدة أقدمت على مثل هذا الإجراء، بعد أن عانت من أزمة اقتصادية كبيرة فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وعندها أقدم الرئيس الأمريكى «فرانكلين ديلانو روزفلت» (18821945) سنة 1973على تنفيذ ما سماه «العقد الجديد» (نيو ديل) والتى بمقتضاها أسند روزفلت دور الريادة إلى الدولة الأمريكية، التى تولت تشييد أكبر مشاريع العمران من طرق وكبارى ومحطات للطاقة ومدارس، ومن خلال هذه المشاريع العمرانية التنموية، أمكن تشغيل آلاف العمال، ما أتاح بدوره مجابهة آفة البطالة التى كانت قد استبدت بأمريكا فى تلك المرحلة». ويرى الصياد أن إنشاء اعاصمة الإدارية الجديدة «بمثابة New Egyptian Deal (عقد مصرى جديد)، ولكى يكون ذلك منتجا يجب إجراء المزيد من الدراسات على المشروع، والعمل بكل قوة على علاج مشكلات الإسكان الموجودة فى القاهرة». تأميم المبانى المخالفة المبانى والمناطق العشوائية – بحسب الصياد نتجت من غياب الدولة عن قطاعات عديدة، وما دامت العشوائية قد صارت سمة من سمات المجمع المصرى، فيتعين علينا توظيفها، وتوظيف الاقتصاد غير الرسمى فى قطاع البناء والعمران، وهناك خبير أجنبى مشهور اسمه «هيرناندو ديسوتو» اقترح على الحكومة تقنين كل المبانى العشوائية بمنح أصحابها صكوكا ملكية للأراضى التى أقاموا عليها المبانى، مع ترخيص هذه المبانى وبعدها يمكن للدولة الحصول على ضرائب عقارية على هذه المبانى، وبالتالى نكون قد استفدنا من الأصول العقارية غير الرسمية أو المخالفة، وهو أمر فشل فى كثير من الدول، لأننا لن نستطيع الاستفادة من هؤلاء السكان دون أن نحسن مستوى المعيشة والبيئة والعمران والإسكان فى المناطق التى يعيشون فيها كى يصبحوا أكثر قدرة على الإنتاج». آليات رفع مستوى المعيشة فى المناطق العشوائية لا يراه الصياد فى «استحداث وزارة التطوير الحضرى والعشوائيات.. لا أعتقد أنها ستكون مفيدة، فلكى تتخذ الوزيرة قرارا فهى تحتاج موافقات من جهات عديدة». ويرى الصياد أن «المبانى العشوائية أو المخالفة لمواصفات البناء والتى تزيد على 2 مليون فى القاهرة وحدها بعضها يجب إزالته لأنه مرشح لأن يكون آيلا للسقوط فى فترة قريبة، وبعضها يجب ترخيصه وتسكينه، ومعاقبة الملاك الذين يمتنعون عن ذلك، وبعضها أغلق الفراغات الموجودة فى بعض التجمعات السكنية وهذا يجب إزالته، وأنا هنا أدعو الدولة لاستغلال قوانين نزع الملكية للسيطرة على هذه المبانى المخالفة». وأوضح قائلا: «فى حالات المبانى التى لم يقم فيها أصحابها جراجات والدولة تمنع تسكينها لهذا السبب، فبدلا من تركها دون سكن على الدولة نزع ملكيتها، وعليها حل مشكلة الجراجات الخاصة بها من واقع ولايتها على الساحات والشوارع المحيطة بها، مع تعويض أصحابها؛ وبدلا من إنشاء وزارة العشوائيات كان لابد من إنشاء جهاز نسميه (جهاز انتزاع ملكية المبانى المخالفة)، وظيفته انتزاع ملكية هذه المبانى والبحث عن سبل لجعلها صالحة للسكن، بدلا من إغلاقها، وفى هذه الحالة ستستفيد الدولة ماديا من إعادة بيعها بعد علاج التشوهات الموجودة فيها، وهذا ليس تأميما مثل الذى جرى بعد ثورة 23 يوليو 1952، لكنه علاج لأخطاء ارتكبها أشخاص، وهم يعلمون أنهم مخطئون». المرور والمبانى التاريخية وقال الصياد إنه كمخطط عمرانى يرى إمكانية القضاء على الزحام الذى يضرب القاهرة منذ فترة طويلة، «عبر التوسع فى إنشاء الجراجات تحت الأرض على غرار ما تم فى جراج التحرير، الذى حد من أزمة المرور فى منطقة وسط البلد، وهناك أماكن عديدة يمكن إنشاء مثل هذه الجراجات فيها مثل ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، التى تعتبر من أكثر مناطق القاهرة ازدحاما». وأضاف: «أود أن أشير إلى أن طالبا مصريا أعد معى رسالة ماجستير فى جامعة كاليفورنيا يحمل عنوان «عودة الآدمية للرصيف المصرى»، وأجرى الطالب بحثه من خلال قياس العقبات التى تقابل المواطن المصرى أثناء سيره على الرصيف، فعندما يمشى المواطن فى نهر الشارع يتضايق ركاب السيارات منه، كما يتضايقون من السيارات الموجودة على جانبى الطريق، مما يؤدى إلى اختفاء الشارع، ولذلك فقررنا أن نحسب العقبات التى تواجه المواطن خلال سيره على الرصيف فى مسافة قدرها كيلو متر واحد، والتى تجعله يضطر للنزول إلى الشارع، ووجد الباحث أثناء سيره تعرضه ل 64 عقبة، نظرا للتعديات الموجودة على الرصيف، ووجد أن 60% من هذه العقبات من صنع مؤسسات الدولة سواء الحى أو شركات الكهرباء والمياه وغيرها، وبالتالى عليها أن تعدل سلوكها كى تكون مثالا للأشخاص الآخرين». الصياد الذى يعتبر تاريخ العمران فى صميم تخصصه العلمى، يؤكد على أنه «من الأهمية بمكان أن يكون لكل بناية حكومية تاريخ وتعريف، كما نرى فى أوروبا، ذلك أنها تعبر فى أحيان كثيرة عن جزء من تاريخ الدولة وهويتها.. انظر إلى شكل البرلمان فى البلدان الأوروبية، غالبا ما يكون معبرا عن تاريخ الدولة أو حقبة من حقبها، على عكس البرلمان المصرى الذى لا يعبر عن شىء بعينه». القرار الحكومى بهدم مبنى الحزب الوطنى الموجود على كورنيش النيل بجوار المتحف المصرى، لبناء حديقة، من القرارات التى يرفضها بشدة الصياد: «عليهم قبل التفكير فى بناء حديقة جديدة تطوير حديقة الأورمان التاريخية.. أنا ضد هدم هذا المبنى الذى كان مقرا للاتحاد الاشتراكى فى عهد عبدالناصر، وبالتالى فهذا المبنى يعبر عن تاريخ مصر فى حقبة مهمة، ثم أصبح مقرا للحزب الوطنى الذى خرج الشعب عليه فى ثورة، وهاجمه باعتباره رمزا لطغيان هذا الحزب، وعبر عن صورة الدولة فى أذهان الكثير من المصريين الذين يعيشون فى مصر الآن». «سواء كرهنا مبنى الحزب الوطنى أو أحببناه، هو جزء من تاريخنا، كما يمكن استغلاله بطرق مختلفة.. يمكن إعادته للغرض الذى بنى من أجله وهو «مبنى لبلدية القاهرة» قبل أن يستولى عليه جمال عبدالناصر ويحوله لمبنى «الاتحاد القومى» ثم «الاتحاد الاشتراكى»، وهنا أؤكد على أن كل بلديات المدن المهمة موجودة على الأنهار التى تمر بهذه المدن، أو على شواطئ البحار إذا كانت ساحلية». يؤكد الصياد. «نفس الأمر ينطبق على مجمع المصالح بميدان التحرير، المبنى على طراز العمارة السوفيتية، رغم ارتباطه فى أذهان المواطنين المصريين بالصورة السلبية للبيروقراطية المصرية إلا أنه بات يعبر عن مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ مصر، وبات مكونا مهما من مكونات ميدان التحرير الذى كانت صوره منتشرة فى العالم كله بعد قيام ثورة 25 يناير»، بحسب الصياد. وأشار إلى أنه «لكى نظهر المبانى الحكومية والخاصة فى كامل أناقتها مما ينعكس على الشكل العام لكل مدينة مصرية لابد من خلق الوعى لدى المسئولين أولا بأهمية المظهر الحضارى لمدننا ومبانيها، فضلا عن خلق الوعى العام للمواطنين بأهمية أن نحافظ على جمالية هذه المبانى.. نحن الآن نجدد فى منطقة وسط القاهرة من خلال دهان واجهات الشوارع، وأنا سعيد جدا بهذا العمل، لكنى أتمنى ألا يقتصر الأمر على الدهان، بل يتخطاه إلى حل المشكلات الموجودة بكل عمارة، والحرص على الصيانة الدورية لها، لأن ذلك كفيل بالحفاظ عليها». البناء والشخصية المصرية الجغرافى المصرى العظيم الدكتور جمال حمدان قال إن البيئة الطبيعية تلعب دورا مهما فى تحديد ملامح الشخصية المصرية، فالبيئة الفيضية وضبط نهر النيل أنجبت الطغيان والمنافسة فى الشخصية المصرية، وفى الوقت نفسه أنجبت النظام والاستقرار والوداعة، وانعدام روح المبادرة والمبادأة والمغامرة التى انتهت بالفلاح المصرى إلى أن يكون جهاز استقبال وخضوع، بعكس البيئة الجبلية الوعرة التى تقوم على السكنى المبعثرة والتى لم تعرفها مصر، والتى أشاعت روح الفردية العارمة ونمو روح المقاومة والتمرد. وهنا سألنا الصياد: هل أنماط البناء المختلفة التى عرفتها مصر فى السنوات الأخيرة قد أثرت فى تغيير ملامح الشخصية المصرية؟ فأجاب بأنه عرف جمال حمدان عن قرب «كان تلميذا وصديقا لوالدى الذى كان أستاذا للجغرافيا فى جامعة القاهرة، وهو من الأشخاص الذين كتبوا عن شخصية مصر من منطلق رؤيته للبلد كوحدة واحدة، وأنا أعتبره أديبا ومؤرخا وجغرافيا، وأعطى للجغرافيا صبغة تاريخية تجعلنا نعرف معنى الوجود الإنسانى فى هذه البلد، لكن المهم أن ندرك أن حمدان جاء فى فترة زمنية معينة، ومصر التى كتب عنها لم تعد موجودة، وبالتالى ما كتبه عن مصر أصبح تاريخا لا يعبر عن الحاضر، ولو عاش التغيرات الرهيبة التى حدثت فى مصر، خاصة فى شخصية الشعب المصرى وفى ديمغرافيته، كان سيكتب كتابا مختلفا كان من الممكن أن يسميه «شخصية مصر فى القرن الواحد والعشرين». وأضاف الصياد: «يؤسفنى أن أقول إن الانتشار الكثيف للمبانى والمناطق العشوائية فى مصر انعكس على سمات الشخصية المصرية؛ فالعشوائيات أنتجت مواطنا مصريا عشوائيا، وأحيانا مسئولين عشوائيين، فنظام الحياة العشوائى يؤثر على نمط التفكير، الذى يصبح بالتبعية عشوائيا». وأشار إلى أن «من عبر فى كتابته عن السمات الجديدة للشخصية المصرية هو المفكر الاقتصادى جلال أمين، فى كتابيه «ماذا حدث للمصريين؟»، و«مصر والمصريين فى عهد مبارك». عمارة حسن فتحى ما رأيك فى عمارة الفقراء التى استحدثها المعمارى المصرى المعروف حسن فتحى؟ سؤال طرحناه على الصياد فقال: هذا سؤال صعب جدا، لأن حسن فتحى معمارى مصرى نشر كتابه المعروف «عمارة الفقراء» بالإنجليزى وترجم إلى الفرنسية ولم يترجم إلى العربى إلا بعد صدوره ب20 عاما، بعد فوزه بجائزة «الأغا خان»؛ لسببين الأول له علاقة بفتحى نفسه، لأنه كان يهمه أن يقدم نفسه إلى المجتمع العالمى أكثر من المجتمع المصرى، والسبب الثانى أن الدولة لا تهتم بالمبدعين المصريين إلا عندما يتم الاحتفاء بهم فى الخارج. وأضاف أن «فتحى كان مهتما بتصميم عمارة للفقراء، لكن عمارة الفقراء التى أنتجها لم تكن عمارة فقراء ولا فلاحين ولا هى عمارة بيئية غير سليمة أصلا، وحسن فتحى (اللى عمل نفسه مظلوم)، لم يكن له علاقة بالفلاحين، فأهل الجرنة الذين بنى لهم طرازه المعمارى الذى أطلق عليه عمارة الفقراء لم يكونوا فلاحين، ولم يسكنوا فى المبانى التى بناها لهم، لأنها على شكل قباب، والقباب فى المخيلة المصرية مرتبطة بالمقابر، أو بيوت الموتى، فرفضوها، والعمارة تهالكت. وبالإجمال الطراز المعمارى لفتحى فاشل، لأنه لم يخلق شيئا يلائم الفقراء، ورغم ذلك هو استنبط أشكالا عمرانية معنية من عمارات المماليك، وإلى حد أقل أشبه بعمارة الفراعنة؛ فخلق طرازا يمكن أن نسميه «طرازا معماريا مصريا»، رغم أنه لم يكن موجودا فى القرن ال19 أو القرن ال20، ولم يكن مسموحا لنا بدراسته فى جامعة القاهرة، لأن الأساتذة كانوا يسمونه «عمارة المتخلفين»، عمارة حسن فتحى عمارة حداة وفهمت على أنها عمارة تراث، والآن عندما يسأل أحد عن العمارة المصرية الحديثة ليس أمامنا إلا عمارة حسن فتحى والعشوائيات، ولا عمارة فتحى ولا العشوائيات تصلح للعمارات المرتفعة، ولا عمارة حسن فتحى ولا العشوائيات تصلح لمبانى المؤسسات، لأن مبانى المؤسسات، خاصة مؤسسات الدولة، هى من تعطى الشعوب هويتها.