بيلاي: صرخة العدالة تتصاعد.. والعدالة الرقمية تبرز مع اتساع فجوة عدم المساواة    وزير الخارجية يلتقي مع نظيره الإسباني (تفاصيل)    السيطرة على حريق لوكيشن تصوير باستوديو مصر دون إصابات    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    وزير البترول: توقيع مذكرة تفاهم لإجراء مسح جوي شامل للإمكانات التعدينية على مستوى مصر    حزب الجبهة الوطنية بالجيزة يستعد بخطة لدعم مرشحيه في جولة الإعادة بانتخابات النواب    من قلب البرلمان.. تحريك عجلة الشراكة الأورومتوسطية نحو تعاون اقتصادي أوسع    بولندا: فضيحة الفساد في أوكرانيا خبر سيئ لأوروبا    محافظ شمال سيناء من معبر رفح: جاهزون للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجيش الملكي.. شريف يقود الهجوم    المصري يتحرك نحو ملعب مواجهة زيسكو الزامبي في الكونفدرالية    تراجع ريال مدريد عن تكرار سيناريو صفقة أرنولد مع كوناتي    ارتفاع سعر الجمبري واستقرار لباقي أنواع الأسماك في أسواق دمياط    ضبط سائق نقل يهدد قائد سيارة أخرى بسبب التصوير أثناء السير برعونة بالقليوبية    حريق ديكور تصوير مسلسل باستوديو مصر في المريوطية    طقس غد.. مفاجأة بدرجات الحرارة ومناطق تصل صفر وشبورة خطيرة والصغرى بالقاهرة 16    تعاطى وترويج على السوشيال.. القبض على حائزي المخدرات في الإسماعيلية    مصرع 3 شباب في انقلاب سيارة ملاكي بترعة المريوطية    الاتصالات: إطلاق برنامج ITIDA-DXC Dandelion لتدريب ذوى الاضطرابات العصبية للعمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات    تامر حسنى: بعدّى بأيام صعبة وبفضل الله بتحسن ولا صحة لوجود خطأ طبى    تجهيزات خاصة وأجواء فاخرة لحفل زفاف الفنانة أروى جودة    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يحتفى بالفائزين بمسابقة عصام السيد للعمل الأول    وزير الخارجية يلتقى رئيسة مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات    كورونا أم أنفلونزا.. مسئول المصل واللقاح يكشف ترتيب انتشار العدوى التنفسية |فيديو    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    بعد وفاة فتاة في المغرب.. باحث يكشف خطورة «غاز الضحك»    محافظ سوهاج: إزالة 7255 حالة تعدى على أملاك الدولة والأراضي الزراعية    تفريغ كاميرات المراقبة بواقعة دهس سيدة لطفلة بسبب خلاف مع نجلها بالشروق    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    أحمد الشناوي: مواجهة بيرامديز ل باور ديناموز لن تكون سهلة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    «السبكي» يلتقي وزير صحة جنوب أفريقيا لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    أسعار البيض اليوم الجمعة 28 نوفمبر    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    انقطاع الكهرباء 5 ساعات غدًا السبت في 3 محافظات    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    البترول: مجلس المعادن الأسترالى يبدى اهتمام بالتعاون الفني في قطاع التعدين    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    الشرع يدعو السوريين للنزول إلى الشوارع في ذكرى انطلاق معركة ردع العدوان    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    شروط حددها القانون لجمع البيانات ومعالجتها.. تفاصيل    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    حذر من عودة مرتقبة .. إعلام السيسي يحمل "الإخوان" نتائج فشله بحملة ممنهجة!    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    بيونجيانج تنتقد المناورات العسكرية الأمريكية-الكورية الجنوبية وتصفها بالتهديد للاستقرار    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    الشيخ خالد الجندي يحذر من فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهندس جمال عامر:
فلسفة «عمارة الفقراء» الحل الوحيد لعلاج عشوائية المعمار
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 12 - 2014

فى الوقت الذي تبحث فيه الدولة عن حلول لاكتظاظ العاصمة وانتشار العشوائيات نسي او يتناسي خبراؤها ان من رحم هذا الوطن يوجد رجل نظر حوله إلى السماء والأرض وإلى أسفل قدميه ليضع نظرية متناغمة فى البناء عنوانها العريض « عمارة الفقراء « وتفاصيلها عمارة تمزج الجمال والوظيفة وتوفر الرحة فى المسكن ليكون سكنا وسكينة ...لماذا تبدو الدولة حائرة ولديها نموذج اسمه حسن فتحى ..فلسفته قادرة على تقديم نموذج جيد للمجتمعات العمرانية الجديدة وحل أزمة الساحل الشمالى الذي يبحثون عن ظهيره الصحراوى وأزمة العاصمة التى يريدون استبدالها بعاصمة إدارية فى العين السخنة .. الحلول موجودة والنظرية مكتوبة فقط تريد من يتدارسها ويحولها إلى واقع ملموس .
مازال يتذكر قصة قصر عائلة الأسيوطى المواجه لمنزل أسرته فى منطقة الهرم ..أصحاب ذلك القصر ماتوا فى حادث غرق مركب دندرة بالقناطر ..رحلت الأسرة ورحل القصر بعدهم بسنوات على أيدى بلطجية العشوائيات، لتفقد مصر جزءا آخر من عمارتها الجميلة ..رسخ مشهد القصر فى مخيلته ليجعله يلتفت إلى هذا الفن الذي عشقه أجداده الفراعنة ونسجوا منه أهرامات ومسلات ومعابد ..وترسخ هذا العشق فى نفسه أكثر بعد أن تتلمذ على يد شيخ المعماريين..هذا هو المهندس جمال عامر الذى عرف طريقه من خلال كتاب « عمارة الفقراء «، ووجدت سطوره صدى فى نفسه العاشقة للفن التشكيلى الذي تربي عليه صغيرا فى زياراته لجامع السلطان حسن وجامع الرفاعى وجامع محمد على وفى مشاهداته للبيوت الإسلامية حيث الجمال سيد الموقف والتشابيك العنقودية فى خرط الأرابيسك والحروف العربية فى تعانقها وتباعدها وحيث اللوحات الجصية والتشكيلات الرخامية فى المنبر ومقابض الأبواب النحاسية الضخمة والحليات هنا وهناك تشكل لوحا بديعة من الفن التشكيلى لا تحتاج عين خبير ليتذوق جمالياتها .
وفى سنوات الدراسة بالكلية ساقه القدر إلى أستاذه حسن فتحى حيث كان يساعده فى تجيير الرسوم وعمل معه فى مشروعات عدة وعايش أفكاره عن قرب حتى قرر الأستاذ أن يمنح تلميذه الفرصة كى يحلق فى آفاق الإبداع عندما قدم له مشروعا فى شرم الشيخ ليقوم بتصميمه وتنفيذه ولينطلق بعدها جمال عامر متبنيا مشروع أستاذه الذى تعد أفكاره فلسفة خاصة للبناء من البيئة وللبيئة .لقد نظر أسفل قدميه – كما كان يقول دوما – ليستخدم فى البناء ما تجود البيئة به من طين أو صخر أو حجر ثم نظر إلى الإنسان فى علاقته بالأرض والسماء فجاء الناتج إنسانيا واقتصاديا وشاء القدر لفلسفته التى تنكر لها أصحاب المصالح أن تحيا فى قلوب تلامذته وأعمالهم ومنهم جمال عامر الذي جدد قرية باريس التى نفذها أستاذه 1967 لتأوى 250 عائلة ..ثم صمم مركزى الخزف والحرف التقليدية بالفسطاط . تلك المنطقة التاريخية التى كان له فيها تاريخ كبير حين اختارها لتكون البطل فى مشروع تخرجه ثم واتته الفرصة أن يضع بصمته بها حين ارتفعت قباب مركز الخزف الجديد ليكون خلفا للمركز القديم الذي شيده شيخ الخزافين سعيد الصدر 1958 والذي كان عبارة عن اتيليه يضم فرن واحد حتى قررت الدولة تحويله إلى مركز ضخم يضم العديد من الأفران والمعدات والأجهزة فقام جمال عامر بتصميم المبنى الجديد مستلهما عمارة حسن فتحى ثم شيد مركز الحرف التقليدية ليكون مركزا لفنون الخيامية والزجاج المعشق والنحاس والأرابيسك لتكتمل فى سماء الفسطاط أول عاصمة لمصر الإسلامية منظومة الفنون الإسلامية .
من بين الاتهامات الموجهة لثورة يوليو أنها تنكرت لمعايير الجمال المعمارى عندما حولت خصومتها السياسية مع رموز العهد الملكى إلى خصومة كل ما تبنوه أولئك الرموز ومن بينها العمارة..وأنها هى التى أرست نموذج عمارة علب الكبريت ؟
ظللنا لفترة طويلة متأثرين بالنموذج الاشتراكى الذى يخلو تمام من كل ألوان الجمال ، ويكون مجرد وظيفة ..كان هناك استنساخ تام للنظم المعمارية فى موسكو ..ولم يلتفت أحد إلى تجربة البارون إمبان فى مصر الجديدة حين استوحى الهوية المصرية فى بناء مدينة سكنية جديدة ،فقدم نماذج رائعة للبواكى تظلل الشوارع ،وربط الحى بوسائل المواصلات العامة وبنى مسجد وكنيسة ومعبد ونادى هيلوبوليس وليدو . أى أنه بنى مدينة سكنية متكاملة .
هذا التكامل هو سرنجاح البارون إمبان فى نمط مصر الجديدة وفشلنا نحن فى إقامة المدن الجديدة ؟
بالتأكيد فأول خطوة قام بها أن ربط تلك المدن بوسائل المواصلات..وعمل على إيجاد قاعدة اقتصادية ..بحيث لا تكون المدينة «تابعة « أو كما يطلق عليها «مدن النوم» فيكون عملى مثلا فى مدينة نصر بينما أسكن فى أكتوبر أو الرحاب ..فلابد من إيجاد فرص عمل فى مكان السكن نفسه،ولابد من إيجاد وسائل كسب الرزق والعلاج والترفيه .
حتى مدينة 6 أكتوبر بدأ يكون فيها قاعدة اقتصادية لكنها غير كافية فهى فى النهاية ليست مدينة مستقلة .
هل نستطيع القول إنه قبل 23 يويلو كان لدينا نمطان معماريان محددان الأول تمثله العمارة الإسلامية فى الأحياء التقليدية والثانى نمط العمارة الأوروبية فى القاهرة الخديوبة وجاردن سيتى..ولم تكن هناك عشوائية شاذة عن النمطين ؟
العشوائية تختلف عن العمارة الشعبية .المدينة القديمة كان لها نمط ومنهج فى العمارة .كانت تعتمد على وجود مركز لها تجسد فى شارع المعز قصبة القاهرة تتدرج منه الحارة فالقصبة فالعطفة وأخيرا الدرب فى تدرج هرمى لا شذوذ عنه وليس به أى تشويه فهو نمط له نظامه الخاص.
على الجانب الآخر هناك العمارة الخديوية وكانت نموذجا محترما، فالخديو إسماعيل كان مبهورا بالنموذج الغربى وكان يريد لمصر أن تكون قطعة من أوروبا. وجلب معماريين معروفين من بلجيكا وإيطاليا والنمسا لتشيد عمارة على أعلى مستوى.حتى قيل إن القاهرة آنذاك كانت أجمل من باريس.
ما الأسباب الأخرى بخلاف الفكر الاشتراكى التى أدت بنا إلى هذا الهجين العمرانى الذي نعيشه الآن؟
الانفجار السكانى مع عدم التوزيع العادل للسكان، فالناس تتجمع فى مدن والدولة لم تساعدهم على الخروج من النطاق الضيق ،لأن الخدمات مركزة فى مكان معين .بدليل أنهم عام1910 عندما وجدوا مصر الجديدة بخدمات ووسائل مواصلات اتجهوا إليها.
وجاءت فترة الانفتاح الاقتصادى بمثابة الضربة القاضية للعمران فى مصر، فالفلاح هجر أرضه وذهب إلى ليبيا والعراق وجلب أموالا كثيرة دون أى خلفية ثقافية لديه عن الهوية ، فتخلص من بيته التقليدي المبني من الطين وبدأ البناء بالهياكل الخراسانية وأعطى الأرض لأولاده للبناء عليها وكل هذا فى ظل غياب تام للدولة منذ السبعينيات والقوانين حبر على ورق وأى مهندس فى الجمعية الزراعية ببضعة جنيهات يستطيع تسوية المسألة ويتجاهل التعدى على الرقعة الزراعية.
ولو قارنا صور الأقمار الصناعية للرقعة الزراعية والكتلة العمرانية فى قرى معينة فى السبعينيات واليوم سنجد تلك الكتلة العمرانية وقد تضاعفت عشرات المرات على حساب الرقعة الزراعية. ونعيش قمة التناقض ونحن نحاول استصلاح الصحراءونجرف الأرض الزراعية لنسكن فوقها.
كان هناك دوما طرح لفكرة نقل العاصمة بينما أعلنت الحكومة مؤخرا عن فكرة إقامةعاصمة إدارية بالعين السخنة ..هل ترى ذلك حلا شاملا لأزمة العاصمة القديمة؟
أنا اوافق على فكرة إنشاء عاصمة جديدة بكل معنى الكلمة وليست إدارية فحسب.. ولنأخذ ريودى جانيرو مثالا فعندما اكتظت بالسكان واصبحت الحياة فيها شبه مستحيلة قاموا ببناء «برازيليا « على أعلى مستوى وحلوا مشكلة العاصمة القديمة فأضحى هناك نوع من التوازن .ولا أعرف ما معنى مكاتب إدارية. العاصمة تقام بمساكنها ومستشفياتها ونواديها.
واختيارالموقع فى طريق العين السخنة السويس لابد أن يتم بناء على دراسات مستفيضة يشارك فيهافريق من المعماريين والمخططين والجيولوجيين وخبراء النقل وعلوم الاجتماع لتحديد مدى جودة الموقع
ودراسة ما إذا كانت تنمية إقليم قناة السويس قد تجعلنا أمام رابط بين الإقليم والقاهرة . فهناك بعض المواقع الأخرى قد تصلح لبناء عاصمة جديدة بالقرب من الفيوم أو بنى سويف او أى مكان قريب من النيل فالمصريون اعتادوا الاقتراب من النيل .
المهم أن تكون هناك نية وتحديد استثمارات لتلك العاصمة الجيدية .
تنتمى إلى فريق يري أن أفكار حسن فتحى هى الحل الأمثل للخروج من الأزمة ومكافحة العشوائية لكن دعنى اسألك أولا: لماذا توارت نظرية حسن فتحى..هل هو عدم الفهم للنظرية أم هى مقتضيات البيزنس؟
تركيبة من عدة عناصر أولها عدم الفهم .حسن فتحى ليس عمارة الطين بل عمارة المواد المتاحة فى البيئة. ففى البحر الأحمريمكن فيه البناء من صخور الشعب المرجانية المتكلسة، وفى المقطم يتم البناء بالحجر، فى الصعيد بالصخور النارية، فى الواحات بالطفلة كما فعل حسن فتحى فى واحة باريس وهى تستخرج من باطن الأرض ويتم خلطها بمواد أخرى، وقد ظلت صامدة بلا شرخ واحد منذ أربعين عاما .السبب الثانى جمعية المنتفعين من أنصار الخراسانة والحديد والأسمنت .المقاولات التى تكسب مكاسب رهيبة لكن حسن فتحى كان يروج لنمط لناس تبنى لنفسها لم يكن هناك دور متضخم للمقاول فبدأ أصحاب المنفعة مهاجمته حيث لا يرضيهم مكسب 10 أو 20 % بل يريدون 300%.
كيف ترى فلسفة حسن فتحى روشتة للمعمار الآن؟
بالطبع هى روشتة للمعمار لكننا لا نتكلم قطعا عن وسط المدينة بل نتكلم عن التجمعات العمرانية الجديدة للأسف الأغنياء هم الذين يقومون بالبناء بنظام حسن فتحى لأنه أجمل وأريح وأرخص، فالجمال فيها طاغ .فتلك الفلسفة روشتة للتجمعات العمرانية لتشييد بيوت فيها كل متطلبات الحياة وحديقة جميلة ومناخ داخل السكن لا يتطلب تكييفات ، بالإضافة إلى توفير كم هائل من الخراسانات.
لقد صممت بيوتا فى الأقصر بالحجر والطوب ..الناس عجبهم النمط وتركوا مشروع إسكان المحافظة .حيث تبرع رجل أعمال إماراتى بمليون جنيه بنينا بهم 40 بيتا وجامع البيت لم يتكلف 30 ألف جنيه .والبيوت تتسم بالخصوصيةووجود مساحة أمام المنزل للزراعة . وقد قمنا بالبناء بالحجر الأبيض و20 % طوب . ففى عز الحر تشعرين بحلاوة الجو.بكل بساطة الناس ممكن تبنى لنفسها فى نيو مكسيكو لما حسن فتحى عمل قرية دار السلام النساء أقبلوا على تعلم البناء أكثر من الرجال.
وزارة الإسكان نفذت 60 مترمربع بتكلفة 80 ألف جنيه. بينما صممت 100 متر مربع بتكلفة 30 ألف جنيه.مع الفارق فى الجماليات فالمساكن التى نفذناها تمتع بمعايير الجمال المصرية الصميمة ، فالقبو تم بناؤه بطريقة مصرية صميمة لا يمكن هدمه حتى لو ضرب بآر بيجيه.
لكن هل يصلح نموذج حسن فتحى فى مختلف المناطق؟
بالتأكيد نموذج حسن فتحى صالح للتطبيق فى المدن الجديدة ومناطق الاستصلاح الزراعى. المهم استلهام الفلسفة ففكر حسن فتحى يمكن تطبيقه بلا قباب وأقبية بل بارتفاع دورين وثلاثة ، فوكالة الغورى أنشئت فى القرن السادس عشر على خمسة أدوار ..المسألة فى الفلسفة وأن نجعل البشر يتنفسون رغم الكثافة .
فلسفة البناء تعنى مراعاة البيئة والإنسان ،الجمال و المنفعة ،الوظيفة والشكل لنحافظ على الهوية فى نهاية الأمر .
قد يري البعض أن فلسفة حسن فتحى لها زمانها وأنها قد لا تلائم المتغيرات الحالية؟
هناك فرق بين الفلسفة والنمط أو الطراز ..الفلسفة باقية على كل العصور . لكن النمط قابل للتطوير ولو كان حسن فتحى نفسه حيا لقام بهذا التطوير.فكر حسن فتحى مازال صالحا مع بعض التغييرات التى تستدعيها مستجدات العصر لأنها عمارة إنسانية وقريبة من الإنسان الريفي وتلبى الاحتياجات المناخية ففيها البيوت دافئة شتاء وباردة صيفا والبيوت جميلة الشكل متناسقة تثير فى النفس الراحة والسكون فكان حسن فتحى يقول « ينبغى أن نعطى كل بيت قطعة من السماء « فكان صحن الدار المكشوف تماما كما كان فى بيوت الهراوى والسحيمى وزينب خاتون ليستمتع الفلاح بليالى القمر وصفحة السماء صيفا .
وقد صممت قصري ثقافة فى الأقصر الأول قصر ثقافة بهاء طاهر، والثانى بجوارمنزل أحمد الطيب فى القرنة الجديدة . وقد تم التصميم والتنفيذ من وحى عمارة حسن فتحى وفى الوقت نفسه على أعلى مستوى من التشطيبات العصرية .ولم يتنافر ذلك مع الحفاظ على الهوية.
الهوية مصطح دائما يثير الجدل على كل المستويات ومنها مستوى العمارة فهل مرجعيتنا فى العمران العمارة الفرعونية أم القبطية أم الإسلامية؟
لاأفضل مصطلح العمارة الإسلامية و الأدق هو تسميتها عمارة المجتمعات الإسلامية ،ولابد أن ندرك أن عمارة حسن فتحى امتزجت فيها عناصر معمارية من عهود مختلفة، فالقباب تنتمى إلى العصر البيزنطى والقبوات نجد لها نظيرا فى آثار الأسرة ال 18 فى العصر الفرعونى . فقد نهل حسن فتحى من تراث معماري ثري وكان أول ما لفت نظره إلى هذا التراث أهالى النوبة عندما كان فى رحلة مع رمسيس ويصا ومنير كنعان وآدم حنين . فى هذه الرحلة شاهد كيف يبني الأهالى بيوتهم بتلقائية شديدة وبأسس هندسية دقيقة مما يدل على أنهم سلالة البناءين العظام الذين توارثوا عبقرية هندسة البناء وكل ما فعله حسن فتحى أنه أزال القشرة ووضع معايير معمارية جديدة ورغم أنه بنى بالطين كان أكثر المعماريين معاصرة وهذا ما وصفه به معماريو الغرب لأن المعاصرة لا تعنى التنكر للقديم بل المحافظة على الجذور ومواجهة الاحتياجات فى اللحظة ذاتها .
لدينا هوية مصرية ..القبو فرعونى والارش فى العمارة الاسمية القباب من الاسرة 18 ومخازن الغلال فى الرامسيوم مبنية بالقباب ...الباسيو» صحن الدار المكشوف» كان موجودا أيام الفراعنة و الأقباط والمسلمين .الهوية المصرية لا تتجزأ .
قرية حسن فتحى فى الجرنة أوشكت على الاندثار ..ألا ترى أن جزءا من رد الاعتبار لحسن فتحى يكمن فى ترميمها؟
الجرنة شبه تحللت قصر الثقافة به العديد من الشروخ ...الجامع شبه المبنى الوحيد الموجود.. ولا يوجد من يهتم بإصلاح القرنة والبيوت المتبقية . وفى ظل الانفلات الأمنى قام الأهالى بهدم البيوت وبيعها لأن سعر الأرض غال حاولنا الاستعانة باليونسكو للحفاظ على التراث لكنها لم تتعاون . ونحن أولى بالحفاظ على القرنة من اليونسكو .مع ذلك أعتقد أن تكريم حسن فتحى الحقيقى لن يتأتى بترميم ما بقى من الجرنة بل بأن نأخذ بأسلوبه ونطبق فلسفته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.