تراجع أسعار المستهلك في الصين بنسبة 0.1% شهريا خلال يونيو    9 يوليو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    مجلس الوزراء السعودي يوافق على نظام تملك الأجانب للعقار    أرض الفيروز.. قلب التنمية    9 يوليو 2025.. البورصة المصرية تعلن استئناف التداول اعتبارا من اليوم    المصرية للاتصالات: أصول سنترال رمسيس مؤمن عليها بالكامل والخدمات تعود تدريجيًا    نتنياهو: متمسكون بهدف القضاء على قدرات حماس وعمليات غزة لتحقيق ذلك    رئيس الوزراء يستقبل رئيس مجلس الدولة الصيني بمطار القاهرة الدولي    سول تعيد 6 صياديين من كوريا الشمالية إلى بلادهم بعد إنقاذهم في البحر    استشهاد 16 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    جيش الاحتلال يعلن اغتيال قيادي في وحدة بدر بحزب الله جنوب لبنان    صدام العمالقة.. باريس سان جيرمان يواجه ريال مدريد في نصف نهائي مونديال الأندية    طقس الإسكندرية اليوم.. حرارة مرتفعة وسحب منخفضة غير مؤثرة    تعليم الوادى الجديد: اعتماد القبول بمدرسة التكنولوجيا التطبيقية ب240 درجة    الاستماع لأقوال شهود عيان لكشف ملابسات مقتل سيدة على يد طليقها بأكتوبر    الداخلية تضبط 34 سائقا متعاطيا للمخدرات على الطريق الإقليمي    مصرع طفلة أسفل عجلات سيارة في الشرقية    غدا.. انتهاء امتحانات الثانوية العامة    الثانية هذا العام.. محمد عساف يكسر صمته الغنائي في ليلة من أجل غزة بمهرجان قرطاج الدولي    تعيين وتجديد تعيين 59 قيادة جامعية بكليات ومراكز جامعة القاهرة.. وإعادة تشكيل 6 مجالس إدارات    وزير الصحة يبحث مع المدير الإقليمي للصحة العالمية التعاون في ملفات المبادرات والتحول الرقمي    مدرب الزمالك السابق يحذر الإدارة من التسرع في ضم نجم بيراميدز: "تحققوا من إصاباته أولًا"    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم سياحة وفنادق    العثور على غريق مجهول الهوية في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    البابا تواضروس يلقي محاضرة بالكلية الإكليريكية ويلقي عظة روحية بكنيسة القديسين (صور)    بولندا تضع أنظمة دفاعها الجوى فى حالة تأهب بعد القصف الروسى على أوكرانيا    بعد تصدره التريند.. موعد وقناة عرض مسلسل «220 يوم» ل كريم فهمي وصبا مبارك    60 فيلمًا و120 مسرحية.. ذكرى رحيل عبد المنعم مدبولى في كاريكاتير اليوم السابع    تامر حسني يسلم ماستر ألبومه الجديد "لينا معاد".. والإصدار الرسمي غدًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 9-7-2025 في محافظة قنا    هبوط جديد ل سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 9-7-2025 للمستهلك صباحًا    حريق يلتهم محتويات مكتب معدات تصوير في العمرانية.. صور    لليوم الخامس على التوالي.. بدء تلقي أوراق الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ    تعرف على آخر مستجدات إنشاء المحطة النووية بالضبعة    انتظام صرف معاشات شهر يوليو بالزيادة الجديدة 15%    اكتشاف فوائد غير متوقعة لحليب الإبل في مكافحة مرض يصيب الملايين حول العالم    كل ما تحتاج معرفته عن اختبارات القدرات 2025 لكليات الفنون التطبيقية (التواريخ الرسمية)    بصوت لبناني يصل إلى غزة، ماجدة الرومي تفتتح "أعياد بيروت" بعد غياب أكثر من 15 عامًا (فيديو)    المسرح القومي ينشر فيديو تحية الجمهور في افتتاح «الملك لير»    بعد تجديد رونالدو.. عرض من النصر السعودي لضم وسام أبو علي (تفاصيل)    دعاء الفجر| اللهم ارزقني الرضا وراحة البال    الاتحاد المنستيري يرفض استعادة الجفالي.. والزمالك يتحرك لإعارته وتوفير مكان للاعب أجنبي    مدبولي يعود إلى القاهرة بعد تمثيل مصر في قمة بريكس بالبرازيل.. ومباحثات دولية لتعزيز التعاون المشترك    بوصفات الطب الصيني.. نصائح لعلاج السكر في الدم    الأمن يحقق في إصابة طبيب بطعنة في الرقبة داخل مستشفى بني سويف    الخارجية الإيرانية: تلقينا رسائل من واشنطن للعودة إلى المفاوضات    الجبهة الوطنية: قادرون على إحداث نقلة حقيقية في تاريخ الحياة الحزبية    بعد ترميمهما.. وزير السياحة ومحافظ القاهرة يفتتحان قبتين نادرتين بالفسطاط    مدرب الزمالك السابق: يجب أن نمنح جون إدوارد الثقة الكاملة    الفيفا يفتتح مكتبا داخل برج ترامب استعدادا لمونديال 2026    أيمن الرمادي عن اعتزال شيكابالا: قرار خاطئ    محافظ قنا يعتمد تنسيق القبول بالمدارس الثانوية للعام الدراسي 2026/2025    الرمادي يكشف أفضل 2 مدافعين في مصر    غالبًا ما تمر دون ملاحظتها.. 7 أعراض خفية لسرطان المعدة    مستقبل وطن: القائمة الوطنية الخيار الانتخابي الأفضل لتوحيد القوى السياسية    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجد ل«الأيدى العرقانة»
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 04 - 2015

دائما ما يحصل القادة وصناع القرار على الأوسمة والجوائز تقديرا لجهودهم فى خدمة الوطن، دون الاهتمام بطبقة العمال ممن لهم الدور الأكبر فى تحقيق أى نجاح، ورغم هذا التجاهل أو التناسى، يبقى عمال مصر أو «الأيدى العرقانة» هم من يضحون فى سبيل النهوض بمجتمعاتهم.
«الشروق» أمضت يوما كاملا مع أحد عمال ورشة إنتاج المفاتيح والقضبان الخاصة بتحويلات السكة الحديد فى العباسية، أقدم وأهم ورشة لإنتاج قضبان السكة الحديد على مستوى الشرق الأسط، لتقصى حقيقة ما يتردد حول عجز الهيئة عن توفير العمالة المهرة والمهندسين الأكفاء للصيانة، واستعانتهم بشركات أجنبية لإصلاح العيوب الفنية فى القطارات.
الطريق إلى ورشة العباسبة يبدو الوصول إليه سهلا من الوهلة الأولى، لقرب المكان من قلب العاصمة، ولكن بمجرد الاقتراب منه تجده محاطا بأسوار حديدية مرتفعة، يقف بجانبها عدد من قوات الشرطة وأفراد أمن الهيئة، لحماية الورشة من أى عناصر تخريبية، وعلى الباب الخلفى للورشة، وبمجرد الاقتراب منها، يبادرك أحد أفراد الأمن بالسؤال عن هويتك، فتضطر إلى إبراز هويتك والإفصاح عن مهمتك الصحفية.
يقف الحاج عبدالعزيز، رجل خمسينى ذو لحية، يرتدى بدلته الزرقاء الخاصة بالعمل، تبدو على ملامحه علامات الإجهاد والتعب، المصحوبة باليقظة والحذر، يصوب نظراته المتحدية لعماله، ويلوح بأصبعه وبصوته الأجش، لتوجيههم فى أثناء العمل.
34 عاما قضاها الحاج عبدالعزيز داخل ورشة العباسية، حتى أصبح كبير الفنيين، يشرف على قرابة 40 عاملا وفنيا، لكل منهم تخصصه على الماكينات المختلفة الخاصة بإنتاج قضبان ومفاتيح السكة الحديد.
مرت ورشة العباسية بمراحل عدة للبناء والتطوير، حتى نجحت فى إعادة هيكلتها بالكامل، من تطوير أجهزة ومعدات، إلى تحسين أداء عمالها وفنييها، وسارت على خطى كبرى الشركات الفرنسية، وأصبحت ليس فقط قادرة على تلبية الاحتياجات الداخلية، وإنما تصدير منتجاتها إلى الدول الخارجية.
يتذكر الحاج عبدالعزيز، العمل فى الورشة القديمة قبل عملية الإحلال والتجديد، حيث الماكينات اليدوية ذات السرعات البسيطة، والتى يعود زمانها إلى زمن «الخواجات»، حيث كانت تعتمد على الجهد البدنى للعامل لساعات طويلة، دون الحصول على النتائج المرجوة، فعلى الرغم من هذا المجهود المبذول فإن تلك الماكينات كانت تعجز عن إنتاج مفاتيح وقضبان السكة الحديد ذات المسافات البعيدة، وتكتفى فقط بإنتاج المفاتيح الصغيرة والمنحنيات البسيطة التى تستخدم فى الطرق الداخلية، عكس ما تفعله الماكينات الفرنسية من إنتاج أكبر ومجهود أقل.
يقول كبير فنيى الورشة: «الماكينات الفرنسية بتشتغل بالكمبيوتر وبتحتاج تركيز وفهم، مش مجهود بدنى وخلاص»، معتبرا أنه على الرغم من المجهود البدنى الذى يبذله العامل بالورشة، فإنه لا يقارن بما كان يبذله داخل الورشة القديمة.
يصمت الحاج عبدالعزيز لحظات قليلة، ليعود بالزمن إلى الوراء متذكرا الساعات الطويلة التى قضاها العمال مع الخبراء الأجانب عام 2002، لتدريبهم على كيفية تشغيل الماكينات الفرنسية بالنظام الإلكترونى، وعمل المنحنيات وإنتاج المفاتيح فى وقت قياسى وبمجهود أقل مقارنة بالماكينات القديمة.
بلهجة تحمل الإصرار والتحدى، يوجه الحاج عبدالعزيز حديثه إلى الدولة قائلا: «الماكينات دى لا يستطيع أحد العمل عليها سوى ال40 عامل دول، وأتحدى أن يأتى أحد وينجح فى تشغيلها، إحنا مفيش زينا، قدمنا كتير للبلد، ونجحنا فى الخروج بمنتج يتم تصديره للخارج، ومن غيرنا الاقتصاد هيتراجع».
يقطع الحاج عبدالعزيز عشرات الكيلومترات يوميا، من محافظته التى يعيش فيها خارج القاهرة يأتى منها لورشة العباسية، ليس فقط بحثا عن لقمة العيش، وإنما إحساسا منه بالمسئولية التى تقع على عاتقه، ولإيمانه بأن عمله فريد ونادر وصعب تعويضه، حتى وإن لم يحصل على حقوقه الكاملة، فلم يكرم أو يحصل على شهادة تقدير واحدة طيلة سنوات عمله بالهيئة.
يقع فى دائرة عمل ورشة السكة الحديد، 40 موظفا بالهيئة، من بينهم 18 عاملا فنيا، و10 عمال خدمات معاونة، و10 عمال مشرفين، ومهندسي اثنين، كل منهم يكرس حياته للعمل بجد وإخلاص للإنتاج بالورشة.
على أطراف الورشة يقف شاب عشرينى يحمل القضبان التى يتجاوز طولها 15 مترا على آلة الرفع، بعد تشوينها، لتقوم بدورها بوضعها على ماكينة التقطيع «المنشار» حتى تقطع إلى شرائح صغيرة حسب المقاسات المطلوبة من هندسة السكة بأى محافظة من محافظات الجمهورية.
وتأتى المرحلة الثانية لإنتاج قضبان وتحويلات السكة الحديد على ماكينة «التخريم»، لتقوم بتخريم جميع أجزاء القضيب بعناية ودقة فائفة، حسب المقاسات المطلوبة، باعتبار أن الخطأ قد يودى بحياة آلاف المواطنين والركاب.
يتجه الشاب واسمه سيد، مرتديا البدلة الزرقاء، إلى ماكينة «كشط القضبان» لتنيعم القضيب وإنهاء التجاعيد به، وتعد من أهم ماكينات الورشة، ليدخل القضيب على ماكينة عمل المنحنيات، لتقوم بعمل المنحنيات الخاصة بكل قضيب، ولديها القدرة على عمل منحنى يصل إلى 180 درجة دون الحاجة إلى جهد، فمجرد وضع القضبان أمامها، وضبط الشاشة الإلكترونية، تقوم الماكينة بعمل المنحنى فى الحال.
تنتهى مرحلة عمل المنحنيات، لتبدأ مرحلة اللحام، ويقوم العامل بوضع المفتاح والقضيب على الماكينة التى تعمل بواسطة جهاز ثانى أكسيد الكربون، لربط المسامير بالقضيب على التخريم والتقطيع له، وعمل كرسى مسلح، لإحكام السيطرة الكاملة عليه بالكامل، ثم تأتى المرحلة النهائية لخلق مفتاح تحويلى للسكة الحديد، وتسمى مرحلة «التجميع» للحصول على القضيب فى شكله النهائى، ويكون جاهزا للاستخدام على جميع خطوط السكة الحديد، بعد ربطه بالكمرات الخشبية أو «الفلنكات» بواسطة المسامير والقواعد الحديدية.
المهندس محمد سعد، مدير ورشة العباسية، يرى أن الورشة مرت بمراحل تطوير عديدة منذ نشأتها عام 1945 خلال فترة الاحتلال البريطانى لمصر، وكانت أكثر حقبة تاريخية شهدت تطورا فى عام 2002 عندما تعاقدت الهيئة مع شركة فرنسية، لاستيراد أجهزة ومعدات حديثة، لإنتاج مفاتيح تحويلات القطارات فائقة السرعة على خطوط السكة الحديد التى تربط محافظات الجمهورية.
يضيف: «فى 2003 زار خبراء فرنسيون مصر، لتدريب المهندسين والعمال على تشغيل الماكينات الفرنسية، واستغرق التدريب شهرين، نجح خلالهما العمال والمنهدسون فى تشغيل الماكينات بجودة فائقة، حتى أصبح لديهم القدرة على تلبية جميع احتياجات الهيئة من مفاتيح التحويلات والقضبان، بل قمنا بإمداد الهيئة القومية للأنفاق ببعض المفايتح والقضبان لتشغيل محطات مترو الخط الثانى المرج حلوان».
واستطرد مدير الورشة: «ليس هذا فقط، بل أصبح الإنتاج أكبر بكثير من الاحتياجات، ولدينا القدرة على تصدير نحو 60% من إنتاجنا إلى الدول العربية والأجنبية، خصوصا أن منتجنا أصبح لا يقل جودة عن المنتج الفرنسى ذاته».. وعن أسباب عدم تصدير منتجاتنا حتى الآن، قال سعد إنه لا ينقصنا إلا عنصر التسويق، وإنهم يحاولون الآن البحث عن شركة تسويق عالمية تسطيع تسويق المنتجات إلى الدول الأخرى، ويتابع: «فهذه الدول لا تعرف قيمة المنتج المصرى، ولا تعلم أننا قادرون على تسويق قضبان السكة الحديد، ونحتاج إلى شركة لتعريف العالم بجودة المنتج المصرى وقدرته على المنافسة العالمية».
أما عن الاسباب اللوجستية، قال سعد: «ماكينة قشط القضبان معطلة منذ منذ شهرين، واتفقنا مع شركة لعمل صيانة عاجلة لها، ونستخدم حاليا ماكينة الأغراض المتعدة لتقوم بدورها، وفور انتهاء صيانتها، وسنكون قادرين على تسويق 60% من منتجاتنا للخارج».
ومن جانبه يؤكد المهندس أحمد حامد رئيس هيئة السكة الحديد، أن الورشة قادرة على تلبية احتياجات جميع الجهات على مستوى الجمهورية، من خطوط سير ومفاتيح وقضبان، ولا تعانى من عجز فى سد الاحتياجات لأى جهة، حتى إنهم مدوا خطوط مترو الأنفاق بعدد من المفاتيح والقضبان الخاصة بالمرحلة التانية.
وأوضح رئيس الهيئة قدرة الورشة على تصدير أكثر من 50% من انتاج الورشة للخارج، يقول: «نحتاج إلى تسويق تلك المنتجات، وفى هذا الصدد نبحث حاليا مع العديد من الشركات للتعاقد معها لتسويق المنتجات المصرية إلى الدول الخارجية»، مشيرا إلى أنه فى حال نجاحهم فى ذلك، سينعكس ذلك على الاقتصاد المصرى، ويزيد من مكاسب الهيئة، ويساعد على النهوض بمشروعاتها المستقبلية.
وأشار أحمد حامد إلى تعاقد الهيئة على توريد 212 عربة قطار مكيفة على مراحل مختلفة، تبدأ المرحلة الأولى بداية الشهر المقبل، على أن تنتهى المرحة الأخيرة بتوريد ال212 عربة نهاية العام الحالى، وأضاف: «قمنا بعمل تطوير كامل ل116 عربة لتشغيل 12 قطار بعد أن كانوا معطلين تماما، واصبحوا الآن صالحين للإستخدام الفورى لخدمة المواطني».
وعن صيانة فواقد القطارات من ألواح زجاجية وأبواب الحديدية ودورات مياه وطفايات الحريق والإنارة، قال حامد: «لدينا خطة كاملة لاستكمال فواقد 950 عربة قطار كمرحلة أولى، وتم تشكيل لجنة خاصة بها، وعمل فحص فنى شامل لها والانتهاء منا خلال الفترة المقبلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.