"سمير عبد محمد الخلفاوي" المعروف أيضًا ب"حاجي بكر"، هو عقيد عراقي سابق في جهاز المخابرات الجوية في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وكان يتحكم سرًا في تنظيم "داعش" لسنوات. أوضحت الصحيفة الألمانية "شبيجل"، أن أعضاء سابقين في التنظيم ذكروا أنه كان واحدًا من الشخصيات القيادية، لكن لم يكن واضحًا ماذا كان دوره بالتحديد، لكن عندما توفي، وصفته الصحيفة بأنه "مهندس داعش" أو كما تُسمي نفسها "الدولة الإسلامية"، حيث ترك وراءه ما انتوى أن يتركه في سرية تامة، ألا وهو مخطط هذه الدولة. المخطط عبارة عن ملف يحتوي على مخططات تنظيمية مرسومة بخط اليد وقوائم وجداول، تصف كيف يمكن إخضاع دولة تدريجيًا. واستطاعت "شبيجل" الاطلاع على 31 ورقة من هذا الملف، بعضها يتكون من صفحات متعددة ملصقة معًا. حيث إن هذه الأوراق تكشف تكوينات متعددة الطبقات وتوجيهات للعمل، وبعضها تم اختباره، والبعض الآخر تم ابتكاره حديثًا للوضع الفوضوي في الأراضي السورية. بمعنى آخر، فالوثائق هي الشفرة الأصلية لأكثر جيش إرهابي ناجح في التاريخ الحديث. كما تتيح وثائق بكر لأول مرة، القدرة على الوصول لاستنتاجات بشأن كيفية تنظيم قيادة داعش، وما هو دور المسئولين السابقين في حكومة صدام حسين بهذا التنظيم، كما توضح كيف تم التخطيط للاستيلاء على شمال سوريا، مما جعل تقدم التنظيم إلى العراق ممكنًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن أشهر من البحث أجرته "شبيجل" في سوريا، إلى جانب تسجيلات اكتشفت حديثًا، توضح أنه تم تنفيذ تعليمات "بكر" بدقة متناهية.
قصة هذه المجموعة من الوثائق، تبدأ عندما كان قليلون فقط من سمعوا عن "داعش"، وعندما سافر "بكر" لسوريا كجزء من مجموعة في أواخر 2012، وضع على ما يبدو خطة ألا وهي أن داعش سوف تستولي على أكبر قدر من الأراضي في سوريا، وبعد استخدامها كموطئ قدم لها سوف تغزو العراق. اتخذ "بكر" في مدينة " تل رفعت" شمال حلب سكنًا، وكانت المدينة اختيارًا جيدًا، ففي ثمانينيات القرن الماضي ذهب العديد من سكانها للعمل في الدول الخليجية خاصة السعودية، وعند عودتهم جاءوا بقناعات واتصالات متطرفة. في 2013، أصبحت "تل رفعت" حصن داعش في محافظة حلب، مع وجود مئات من المقاتلين هناك. هناك رسم "سيد الظلال" كما يسميه البعض، هيكل داعش، من الأعلى ونزولًا إلى المستوى المحلي، جمعت قوائم متعلقة بالتسلسل التدريجي للقرى ومن سيشرف عليهم. وما رسمه بكر على الورق مع التوضيح بعناية المسئوليات الفردية، لم يكن بيان إيمان، إنما خطة دقيقة من الناحية التقنية ل"دولة المخابرات الإسلامية"، أي خلافة تديرها منظمة تشبه وكالة الاستخبارات الداخلية سيئة السمعة في ألمانياالشرقية ستاسي. لقد نفذ هذا التخطيط بدقة مذهلة في الأشهر التي تلت ذلك، وكانت الخطة تبدأ دائمًا بنفس التفاصيل، وهي أن التنظيم يجند أتباع بذريعة افتتاح مكتب للدعوة الإسلامية، ومن بين من يأتي للاستماع إلى المحاضرات وحضور دورات عن الحياة الإسلامية يتم اختيار رجل أو رجلين وتكليفه بالتجسس على قراهما، والحصول على نطاق واسع من المعلومات. وتحقيقًا لهذه الغاية، جمع "بكر" قوائم عن العائلات القوية، وأسماء الأفراد القوية في هذه العائلات، ومعرفة مصادر دخلهم، وتسمية أسماء وأحجام ألوية المتمردين في القرية، ومعرفة أسماء قادتهم الذين يسيطرون على الألوية وتوجههم السياسي، ومعرفة أنشطتهم غير القانونية وفقًا للشريعة الإسلامية التي يمكن استخدامها لابتزازهم عند الضرورة. وطلب من الجواسيس ملاحظة تفاصيل مثل ما إذا كان شخصًا ما مجرمًا أو مثلي الجنس أو متورطًا في علاقة سرية لابتزازه في وقت لاحق. وأشار بكر "سوف نعين الأكثر ذكاءً كشيخ للشريعة، وسوف ندربهم لبعض الوقت ثم نرسلهم"، مضيفًا أنه سيتم اختيار "إخوة" في كل مدينة للزواج من بنات أكثر العائلات نفوذًا وذلك "لضمان اختراق تلك العائلات بدون معرفتهم". كان على الجواسيس معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المدن المستهدفة، مثل من يعيش فيها، ومن المسئول، أي العائلات متدينة، وأي مدارس الفقة الديني ينتمون إليها، كم عدد المساجد هناك، من هو الإمام، كم عدد زوجاته وأطفاله وأعمارهم، بالإضافة إلى معلومات أخرى. وتضمنت الخطط أيضًا مجالات مثل التمويل والمدارس والرعاية النهارية والإعلام والنقل، لكن هناك موضوعًا متكررًا باستمرار يتم معالجته بدقة في المخططات التنظيمية وقوائم المسئوليات وشروط الإبلاغ، وهو المراقبة والتجسس والقتل والخطف. ولكل مجلس محافظة خطط "بكر" لوجود أمير أو قائد ليكون مسئولًا عن عمليات القتل والاختطاف والقنص والاتصالات والتشفير، بالإضافة إلى وضع أمير لمراقبة الأمراء الآخرين "في حالة لم يؤدوا وظائفهم بشكل جيد". وفي 2010، نصب "بكر" ومجموعة صغيرة من ضباط المخابرات العراقيين السابقيين "أبا بكر البغدادي" القائد الرسمي ل"داعش" معتقدين أنه رجل دين متعلم سيعطي التنظيم وجهًا دينيًا.