لماذا نصر على رفض قراءة عِبر التاريخ البعيد والقريب؟ لماذا نتجاهل حقائق المجتمعات وشروط إنهاء صراعات ونزاعات مجموعات السكان ومنع انزلاقها إلى مواجهات مسلحة وحروب أهلية وعنف الكل ضد الكل واعتياش للقوى الإقليمية والخارجية على عذابات الشعوب؟ لماذا نستسيغ التلاعب بالهويات القاتلة الطائفية والمذهبية والقبلية ونترك الناس وحقهم المقدس فى الحياة والحرية والأمن يقعون فريسة لها ولعبثها؟ لماذا نقبل التعويل على الأدوات العسكرية ونستخف بالتداعيات الكارثية لإيقاف التفاوض وتوظيف الدبلوماسية بهدف الوصول إلى حلول سلمية؟ لماذا نعطل العقل، ونحن نتابع شئون اليمن والحرب الدائرة اليوم فيها؟ استفيقوا، فالضربات الجوية والبحرية التى توجهها بعض الجيوش العربية للحوثيين وحلفائهم فى اليمن تسرع من وتائر انزلاق اليمن إلى حروب عسكرية شاملة وإلى فوضى كاملة تقضى على القليل المتبقى من مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية وتجعل من السلم الأهلى ذكرى ماض ينقضه الواقع الراهن يوميا ويسترجعه فقط أهل البلاد الذين غادروها لملاذات آمنة. استفيقوا، فضربات الجيوش العربية والتصعيد العسكرى المستمر للحوثيين ولحلفائهم على الأرض اليمنية مستغلين جغرافية المكان سيغرق الأطراف المتحاربة فى الداخل والقوى الإقليمية المتورطة فى شئون اليمن إن بعمليات عسكرية مباشرة كالعربية السعودية ودول الخليج الأخرى المشاركة فى «عاصفة الحزم» وكذلك مصر والسودان وغيرهما أو بتسليح وتمويل ونفوذ سياسى مؤثر كإيران وحزب الله اللبنانى فى أتون مواجهة طويلة المدى وذات كلفة بشرية مرتفعة هذا إذا كان الإنسان وحقه فى الحياة يعنى الأطراف المتحاربة، وذات كلفة مادية باهظة أيضا وهذه تعنيهم بكل تأكيد. استفيقوا، فجغرافية اليمن تزج به حال غياب السلم الأهلى وانهيار الدولة الوطنية إلى حروب أهلية أشبه بحروب العصابات وإلى حروب الكل ضد الكل التى لا يحسمها أبدا طرف لصالحه ويستيقظ فيها الناس على وقع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مفزعة ويصنع بها الأخبار الأكثر جنونا ووحشية ودموية وإجراما، وهذا الدرك الأسفل فى الحروب تكتبه دوما باسمها شبكات الإرهاب والعنف. استفيقوا، فبعض الأطراف الداخلية وبعض الدوائر النافذة فى القوى الإقليمية المتورطة فى الشئون اليمنية، من إيران إلى السعودية، يتلاعبون بالورقة الطائفية والمذهبية والقبلية ويغرقون المجتمع والمتبقى من الدولة الوطنية فى دينامية تفتت وانهيار لا خروج سريعا منها حتى بعد أن تتوقف الضربات الجوية والبحرية أو العمليات البرية أو حين تتوقف شبكات التسليح والتمويل والحماية. استفيقوا، فمصر مداخلها التاريخية والتقليدية لليمن ترتبط بفكرة الدولة الوطنية الحديثة وبالمجتمع المتجاوز بأبنيته التعليمية والمدنية الحديثة للهويات الطائفية والمذهبية والقبلية، ومصر بعيدا عن تورطها الكارثى فى حرب الستينيات فى اليمن لم ترسل لهذا البلد العزيز على قلوبنا إلا المدرسين والأطباء والمهندسين والخبراء الإداريين وأساتذة الجامعات، ومصر دوما ما ألزمتها مصالحها الاستراتيجية فى باب المندب وشبه الجزيرة العربية بالحفاظ على صلاتها مع جميع الأطراف اليمنية دون قيود طائفية أو مذهبية أو قبلية، ومصر لديها من عبر التاريخ البعيد والقريب ما يفيد حين يقرأ بموضوعية بحتمية الابتعاد عن الحروب والصراعات العسكرية والمواجهات المسلحة وبضرورة التعويل على التفاوض والحلول الدبلوماسية والسلمية لتسوية شئوننا الداخلية وشئون المجتمعات والدول فى جوارنا المباشر والإقليمى. استفيقوا، فليس فى تورطنا فى الحرب الدائرة فى اليمن لا مصلحة شعبها الذى يريد السلم الأهلى والدولة الوطنية المتماسكة وترفض أغلبيته حروب الهويات القاتلة، وليس فى الحرب مصلحة مصر الاستراتيجية أو تدعيم لدورها فى ترتيبات السلم والأمن الإقليمية التى أبدا لا تأتى بها الحروب. غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.