تسعى السعودية من خلال قيادة عملية عسكرية واسعة النطاق مع دول عربية واسلامية ضد الحوثيين في اليمن، الى حماية وزنها الاقليمي المهدد جراء تصاعد النفوذ الايراني في محيطها، الا انها قد تواجه عواقب جدية، بحسب محللين، حسب وكالة الأنباء الفرنسية. وقالت الوكالة في تحليل لها على المشهد المضطرب الذي تشهده اليمن بعد سيطرة جماعة الحوثيين على مؤسسات الدولة ومحاولة الزحف نحو محافظة عدن حيث مقر الرئيس اليمني الذي افلت من قبضتهم في العاصمة صنعاء، المشهد الذي وصل إلى إطلاق عملية "عاصفة الحزم" الذي يواجه بها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز التحدي الأكبر منذ استلامه سدة الحكم في يناير. وقال الكاتب والمحلل السعودي خالد باطرفي لوكالة فرانس برس انها "المرة الأولى التي يواجه فيها الملك سلمان كعاهل للملكة تحديا بهذا الحجم ويضطر للرد عليه بالقوة العسكرية"، مشيرا الى ان التدخل في اليمن "لم يقرر على عجل وسبقه تنسيق عربي". واطلقت المملكة منتصف ليل الاربعاء الخميس عملية عسكرية جوية واسعة النطاق ضد الحوثيين بهدف الدفاع عن "شرعية" الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي، وذلك بينما كان المتمردون الشيعة قاب قوسين او ادنى من السيطرة على مدينة عدن الى لجأ اليها هادي واعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد. وتمكن الحوثيون المدعومون من ايران والمنتمون الى الطائفة الزيدية الشيعية، منذ العام 2014 وحتى الآن من الانتشار بشكل مثير من معقلهم في صعدة الشمالية الى سائر انحاء البلاد. واحتل المتمردون صنعاء في سبتمبر مطيحين بجميع خصومهم ومستفيدين خصوصا من تحالف بات معلنا مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي يعد القوة الحقيقية خلف تحركهم بفضل نفوذه في المؤسسات الامنية والعسكرية. وبعد امتداد النفوذ الايراني الى العراق وسوريا ولبنان وتنامي الاحتجاجات الشيعية في البحرين، بات الحوثيون المدعومون من طهران يمسكون بزمام الامور في عاصمة اليمن الواقع في جنوب غرب السعودية، وبمتناولهم مضيق باب المندب الاستراتيجي. كما تزامن ذلك مع ازدياد امكانيات توصل طهران الى صفقة مع الدول الكبرى حول ملفها النووي، ولم تتخذ السعودية وهي الداعم المالي الاكبر لجارها اليمني الافقر في الجزيرة العربية، اي خطوات عسكرية لمنع الحوثيين من السيطرة على صنعاء، لكنها تحركت قبيل سقوط عدن. وقال المحلل السياسي المقيم في لندن عبد الوهاب بدرخان لوكالة فرانس برس "لم يمكن امام السعودية خيار آخر والا كان ترتب الوضع اليمني بشكل مزعج جدا لها في المستقبل". واعتبر بدرخان ان "الوضع الاستراتيجي للمملكة في الخليج كان في تضاؤل الى حد كبير، وهذه الخطوة الاخيرة بما فيها من تضامن بين خمس دول خليجية، تشكل نوعا من الاستفاقة والتصحيح لوضع استراتيجي كان يهتز ويترنح". وتمكنت السعودية من تشكيل تحالف عربي اسلامي قوي لدعم العملية التي تقودها في اليمن، وقد اعتمدت بذلك على نفوذها الكبير التي تستمده خصوصا من كونها ارض الحرمين الشريفين ومن ثرواتها الطائلة ومن كونها اكبر مصدر للنفط في العالم. وقد يساهم هذا التحالف في "اعطاء دفع" لانشاء القوة العربية المشتركة التي تبحثها الجامعة العربية في قمة شرم الشيخ بحسب بدرخان، اضافة الى الشركاء الخليجيين، تعد مصر وباكستان والاردن والمغرب من اكثر الدول المستفيدة تاريخيا من الدعم المالي السعودية. وقال رئيس مرصد الدول العربية في باريس انطوان بصبوص ان السعودية "المحاصرة من ايران ومن تنظيم داعش (الدولة الاسلامية) تحركت في اللحظة الاخيرة لمنع تحويل اليمن بكامله الى مستعمرة ايرانية، وقد استعانت بدول مدينة بالكثير لها". وذكر بصبوص لوكالة فرانس برس في هذا السياق ان "باكستان مدينة بتمويل برنامجها النووي للسعودية، كما ان المملكة انقذت مصر من الافلاس عدة مرات، كما دعمت المغرب بقوة". الا ان العملية العسكرية الضخمة التي تقودها السعودية ليست من دون مخاطر عليها وعلى اليمن، فمن غير المتوقع بحسب المحللين ان تقف ايران مكتوفة اليدين ولو انها لن تتدخل عسكريا بشكل مباشر على الارجح. وقال عبد الوهاب بدرخان انه اذا لم يستطع التدخل العسكري "ان يحدث فارقا على الارض فسيفشل في تحقيق اهدافه، وبالتالي فان اليمن قد يسير الى الانقسام والتفتت". اما بالنسبة للمخاطر على السعودية، فشدد المحلل على ان "ايران لن تمرر هذا التدخل وستعتبره تحديا لنفوذها الذي استمثرت فيه لعقود في اليمن والمنطقة واليوم بدات تحصد ثماره". وبحسب بدرخان "يمكن لايران ان تحرك جماعات قد تكون دربتها ونظمتها وتوجد في المنطقة الشرقية (في السعودية) وربما تقرر ايران ان تدفع المعارضة البحرينية باتجاه العنف" او باقي المجموعات الموالية لها في المنطقة. وقد اعتبر رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الايرانية فارس ان نتائج هذه العملية "سترتد على السعودية لان الحرب لا تنحصر في مكان واحد" داعيا الى وقف العملية العسكرية. ويجمع المراقبون ايضا على ابداء الخشية ازاء احتمال استفادة المتطرفين المتحصنين في اليمن، سواء من تنظيم القاعدة او تنظيم الدولة الاسلامية الذي ظهر مؤخرا في هذا البلد، من حالة الفوضى العارمة التي تعم البلاد. وقال المحلل خالد باطرفي في هذا السياق "اتوقع ان تنال جميع الجماعات الارهابية في اليمن نصيبها من +عاصفة الحزم+ ولعلها فرصة مؤاتية لتخليص اليمن من الارهاب والارهابيين بضربة واحدة وإعادة اليمن الى دوره البناء في المنطقة العربية".