أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، اليوم الاثنين، ردًا على ابداء وزير الخارجية الأميركي جون كيري، استعداد بلاده للتحاور معه، أنه ينتظر اقتران التصريحات بالأفعال، في وقت أبدى ناشطون ومعارضون خيبة أملهم من الموقف الأميركي الأخير. وكان كيري، صرح في مقابلة بثتها شبكة "سي بي إس" الأميركية، السبت، ردًا على سؤال حول احتمال التفاوض مع الأسد، "حسنًا، علينا أن نتفاوض في النهاية. كنا دائمًا مستعدين للتفاوض في إطار مؤتمر جنيف 1". وتابع "الأسد لم يكن يريد التفاوض.. إذا كان مستعدًا للدخول في مفاوضات جدية حول تنفيذ جنيف 1، فبالطبع. نحن نضغط من أجل حثه على أن يفعل ذلك". في المقابل، جددت فرنسا، حليفة واشنطن، التأكيد بأن الرئيس السوري "لا يمكن أن يكون" جزءًا من أي تسوية سياسية حول سوريا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن بلاده لا تزال ترغب بتأليف حكومة سورية جديدة في إطار تسوية، على أن تضم الحكومة "بعض هيئات النظام القائم والائتلاف الوطني ومكونات أخرى لها رؤية معتدلة وشاملة وتحترم مختلف مجموعات البلاد". وقال الأسد، ردًا على سؤال للتلفزيون الإيراني، عما إذا كان تصريح كيري يعكس تغييرًا في الموقف الأميركي والدولي، "ما زلنا نستمع لتصريحات، وعلينا أن ننتظر الأفعال وعندها نقرر". وأضاف في التصريح الذي نقلته وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، "لا يوجد لدينا خيار سوى أن ندافع عن وطننا. لم يكن لدينا خيار آخر منذ اليوم الأول بالنسبة إلى هذه النقطة"، مضيفًا "أي تغيرات دولية تأتي في هذا الإطار هي شيء إيجابي إن كانت صادقة وإن كانت لها مفاعيل على الأرض". وعدد بين هذه المفاعيل "وقف دعم الإرهابيين" بالسلاح والمال. وطالبت واشنطن ومجمل الدول الغربية منذ بدء النزاع السوري في منتصف مارس 2011، برحيل الرئيس بشار الأسد. وأعلن كيري قبل أسابيع أن "الأولوية" المطلقة لبلاده في سوريا أصبحت القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. وصدر بيان جنيف 1 في يونيو 2012 بعد اجتماع ضم ممثلين عن الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا وجامعة الدول العربية. ونص على تشكيل حكومة تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة السوريتين بصلاحيات كاملة تتولى الإشراف على مرحلة انتقالية. وتباينت وجهات نظر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المدعوم من الغرب والنظام السوري إزاء تفسير هذا البيان. وأجرى وفدان من المعارضة والحكومة السوريتين في مطلع 2015 جولتي مفاوضات برعاية الأممالمتحدة في إطار جنيف 2، من دون أن يتوصلوا إلى نتيجة. وتعتبر المعارضة أن "الصلاحيات الكاملة" المعطاة للحكومة تعني تجريد الأسد من صلاحياته، وبالتالي إبعاده عن أي حل لمستقبل سوريا، بينما يشدد النظام على أن مصير الرئيس يقرره الشعب السوري دون سواه، عبر صناديق الانتخابات. وعلى الرغم من توضيح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على إثر تصريح كيري، بأن لا تغيير في الموقف الأميركي وأن "لا مستقبل لدكتاتور عنيف مثل الأسد في سوريا"، فقد رأت صحف سورية أن إعلان وزير الخارجية الأميركي إقرار "بشرعية الرئيس". وكتبت صحيفة "الوطن" القريبة من السلطات، الاثنين، أن "الإدارة الأميركية اقتنعت أخيراً بعدم تمكنها من إزاحة الرئيس الأسد من منصبه بالقوة العسكرية"، مضيفة "أن موقف كيري في الأمس هو اعتراف.. بشرعية الرئيس الأسد ودوره المحوري وجمهوره وصموده وشعبيته". بينما رأت صحيفة "البعث" الناطقة باسم حزب البعث السوري، أن "إقرار" وزير الخارجية الأميركي "يؤكد من جديد فشل المشروع الصهيوأمريكي بحلته الإرهابية التكفيرية الجديدة، ضد سورية". وقتل أكثر من 215 ألف شخص في أربع سنوات من النزاع السوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ولا تعترف دمشق بوجود معارضة ضد النظام، بل تؤكد منذ بداية النزاع أن ما يجري في سوريا مؤامرة ينفذها إرهابيون بدعم من الخارج، خصوصًا من الولاياتالمتحدةوفرنسا وتركيا وقطر والسعودية. على خط المعارضة، لم يرد الائتلاف السوري مباشرة على تصريحات كيري، إلا أن المتحدث الرسمي باسمه أعلن في بيان صدر اليوم، أن "بعض المستجدات تستدعي التأكيد مجدداً بأن إسقاط رأس النظام وجميع المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري هدف رئيسي للائتلاف الوطني"، مشيرًا إلى أن ذلك "يضمن الانتقال إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يضمن حريات جميع المواطنين وحقوقهم". أما عضو الائتلاف سمير نشار، فأكد ردًا على سؤال لفرانس برس، أن "هذه التصريحات مرفوضة من أكثرية السوريين. وحسب جنيف 1 و2، لا دور للأسد في مستقبل سوريا". إلا أنه تخوف من أن يكون "كيري يتعمد الالتباس لتعويم بشار الأسد في أي حل سياسي". وخلال السنوات الماضية، أخذت المعارضة السورية على الغرب عمومًا والولاياتالمتحدة تحديدًا، عدم تقديم دعم كاف للمعارضة المسلحة للتمكن من إقامة توازن عسكري مع قوات النظام، ما أعطى زخمًا للتنظيمات الجهادية. بين الناشطين على الأرض، حلّت خيبة الأمل منذ وقت طويل محل التفاؤل المعلق على الغرب في بداية "الثورة". وقال مأمون أبو عمر من مدينة حلب (شمال) "لم يكن لدى أميركا ولا حتى المجتمع الدولي أي نية بمساعدة الشعب الثوري بإزالة الدكتاتور بشار الأسد. لذلك نحنا لم نفاجأ". وقال أبو عادل من حي جوبر الدمشقي من جهته "منذ البداية، الأميركيون تخلوا عن الثورة. ويومًا بعد يوم، يثبت هذا الأمر أكثر فأكثر". وأضاف "لا يمكن أن نقبل ببقاء الأسد بعد أن سقط عشرات آلاف الشهداء. هذا طبعًا مستحيل".