لا يختلف اثنان علي حقيقة مؤداها أن من أهم وظائف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والإلكترونية، نقل الأحداث والتطورات علي غير صعيد، وذلك عبر عملية جمع الأخبار ونشرها بصورة موضوعية ومهنية، تساعد المتلقى علي معرفة ما يجرى حوله، ومن ثم فهمه للواقع بشكل صحيح خال من أى تشوهات. بيد أن وسائل الإعلام تخلت عن دورها فى التنوير والتبصير؛ وتقديم خدمة المعرفة والترفيه للمجتمع، فأضحت بين عشية وضحاها أداة من أدوات الصراعات، وإشعال الحروب والفتن وتأجيجها، وأبرز مظاهر ذاك التحول فيما نراه من ممارسة دور تضليلى وتغييب الحقيقة عن الرأى العام ؛ بل إن شئت القول تخوض حربا نفسية ودعائية أقل ما يمكن وصفها بالقذرة؛، فهاهى ليل صباح وعلي مدار الساعة؛ تقصف عقول البشر بقنابل التشويه والكراهية والغل ؛ وصواريخ الزيف والخداع؛ بهدف التأثير علي الناس ؛ فى إطار محاولة سافرة ومشبوهة لتغيير قناعاتهم إزاء حدث ما. والمتابع الحصيف والمتعمق لما ينشر في الصحافة المكتوبة والمواقع الإلكترونية، وما يبث في الفضائيات، سيلاحظ بسهولة ودون عناء؛ كيف يتم التلاعب بالأخبار والمصادر، عبر تضخيم جزئية ما من حدث فرعي؛ وتغييب جزئية أخري قد تكون أكثر أهمية، ونسبها لمصدر مجهول؛ علاوة علي إخضاع أولوية القضايا والأحداث لأجندة أصحابها، كإغفال حدث هام وتقديم آخر اقل شأنا، لاسيما عند تغطية الأزمات والحروب؛ حيث تدرك مراكز النفوذ قيمة الإعلام، وحاجة الجمهور إلي المعلومة الموثقة، لمعرفة ما يستجد في وطنه وفي محيطه الجغرافى والعالمى من تحركات واتصالات واجتماعات سياسية؛ بغية الوقوف علي مسارها وتطوراتها، وواقعها، وتداعياتها وآثارها وأطرافها الفاعلين علي المستوي المحلى والخارجى، ومن ثم تصور أو ترقب ما ستفضي إليه من نتائج أو حالة الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وفي وضع كهذا يكون المتلقى.. المواطن العادى والأمى أو السياسى والمثقف أكثر قابلية للتأثر وللاختراق في آن معا. بهذا الأسلوب يقع المتلقي بسهولة في فخ وسائل الإعلام الموجهة وغير الحرة ؛ فتجعله مغيبا عما يجرى فى اللحظة الراهنة، و بات يعرف حقيقة أحداث اليوم بعد حين من الزمان ؛ وساعتها يكتشف انه تعرض لحملة تضليل خبيثة ووقع ضحية لأنباء مزيفة لا أساس لها في الواقع. خاصة عندما تغيب المكاشفة والمصارحة ؛ واحتكار المعلومة ؛ و سياسة التعتيم أو تعقيم الأخبار بصورة متعمدة ؛ من خلال اللجوء إلي التسريبات ؛ وضخ الشائعات لترويع الناس ؛ وجعلهم يشعرون بالخوف مما هو آت، وبما يخدم إستراتيجية مصلحة الأقوياء وأطراف الصراع علي حساب الأمة!! وهذا ما يستلفت نظر المراقب والمتابع للشأن اليمني من الداخل والخارج ؛ لمسار الأزمة التي تكبر ككرة الثلج، دون أن يعرف إلي أين تتجه ؟ وفي أية نقطة ستتوقف ؟ وكيف ؟ ومتى.. وما إذا كانت البلد تمضي نحو الحرب أم السلام ؟ وهل حان الوقت لوضع نهاية للاحتراب بين أبناء الوطن الواحد.