أبناء الصعيد وأقاليم مصر المختلفة المقيمون بالقاهرة، يفترشون أرصفة محطة مصر بأمتعتهم وحقائبهم، فى مشهد يتكرر قبل إجازات العيد.. لم تثقل كاهلهم الأمتعة كما أثقلته رحلة البحث الشاق عن تذكرة ذهاب يعبرون بها إلى ذويهم بصعيد مصر وأقاليمها الممتدة على جانبي شريط القطار. رحلة «المعاناة» محمد ذاك الشاب الأسواني، الذي يعمل بالقاهرة منذ خمس سنوات، يبدأ رحلة معاناة، بعد الاستيقاظ حاملا نقوده القليلة التي يتقاضاها وحقيبتين تضمان أمتعته وبعض الهدايا التي جلبها لأبناء عائلته، تلك القرى المحرومة ثقافيا واجتماعيا. أمام شبابيك التذاكر برصيف قبلي فى محطة مصر، يبرز محمد، الشاب الأسوانى، من وسط الزحام والضجيج، ليعبر عن مدى المعاناة التى يتعرض لها قبل إجازة العيد قائلا: أنا هنا من الرابعة صباحا للحصول على تذكرة ذهاب على قطار قبلي الدرجة الثانية، والساعة تتجاوز العاشرة صباحا دون أمل، فالشبابيك مزدحمة والتذاكر شبه معدومة، وحين وصلت لعامل صرف التذاكر أخبرني أنها نفدت. «المأساة تتكرر كل عام مع حلول مواسم الأعياد، فأبناء الأقاليم المقيمين فى القاهرة يقدرون بالآلاف، والتذاكر يتم تهريبها لتباع في السوق السوداء بأضعاف ثمنها، فماذا يفعل أمثالي ممن لا يملكون تكلفة شراء تذاكر السوق السوداء» بتلك الكلمات وبحزن يكمل محمد روايته عن رحلة العذاب. «كهل» يرتدي جلباب يدعى عم منصور، أسواني أيضا، يقاطع كلام محمد، ليروى جزء من رحلة عذاب أخرى متجسدة قائلا: «جئت لأشتري تذاكر للعيد ومعي أخي المريض وزوجته وأبنائه الثلاثة، ليخبرنا عامل شباك التذاكر بأن الحد الأقصى هو 4 تذاكر فقط، فكيف لنا أن نعود لبلادنا معاً!». وجبة إجباري .. وأنا معنديش فلوس أدفع «صرفوا لي وجبة إجبارية على التذكرة ب30 جنيها ودفعت 100 جنيه»، بتلك الكلمات يحكي شاب آخر من أسوان عن أن التذكرة تصرف معها وجبة إجبارية لمستقلي الدرجة الثانية ليرتقع ثمنها من 70 جنيها إلى 100 جنيه. ويكمل «بيستغلونا وبيدفعونا فوق طاقتنا، من أين آتي ب100 جنيه أخرى حين يأتي ميعاد عودتي بعد انتهاء إجازة العيد وأنا أعمل باليومية». «في كل مرة آتي إلى هنا أجد عاملة الشباك وهي تخبرني أن التذاكر نفدت وأن على الانتظار من أسبوع إلى 10 أيام حتى يتسنى لي الحصول على تذكرة ركوب للقطار للعودة إلى أهلي في قنا، فألجئ بالطبع للسوق السوداء التي تنتشر باللوكاندات القاهرية لأشتريها بمبلغ 120 جنيها»، هذه كلمات فتاة من قنا ل«بوابة الشروق» لتعبر بها عن المأساة التى تقابلها قبل كل إجازة عيد للاحتفال به وسط أهلها. ووصفت الأمر بالمافيا التي تسيطر على تذاكر «الغلابة» الطامعين في أن يعودوا لقراهم ومحافظاتهم على مدى العام وتتفشى الظاهرة وتتفاقم في العيد. وتتكرر تصريحات المسؤولين.. قال المهندس سمير نوار، رئيس هيئة السكة الحديد، عن هذه الأزمة المتكررة، «الحجز علي القطارات المقرر تحركها وفق جداول التشغيل يوم 25 من الشهر الجاري علي خطوط الوجه القبلي، بدأ مطلع الأسبوع الحالي، وسيتم الحجز علي القطارات والعربات الإضافية في نفس يوم تحركها للقضاء علي ظاهرة بيع التذاكر في السوق السوداء». وأضاف، أن «عدد المقاعد الإضافية المقررة خلال إجازات العيد هو 344 ألف مقعد، ليصل إجمالي الطاقة التي ستنقلها القطارات خلال فترة الإجازات على خطوط الصعيد إلى 1.5 ملايين راكب، مع التنسيق الكامل مع شرطة النقل والمواصلات لشن حملات مكثفة علي كل المحطات للقضاء علي ظاهرة بيع التذاكر في السوق السوداء من خلال إحكام الرقابة علي المنافذ، مع تعيين مفتشين لمراقبة حركة البيع بحد أقصى 4 تذاكر لكل راكب يتحصل عليها ببطاقة الرقم القومي». وأكد اللواء السيد جادالحق، مدير شرطة النقل والمواصلات، أن «الإدارة ستواصل حملاتها في محطات السكة الحديد والفنادق والمقاهي والمواقف القريبة من محطتي مصر والجيزة اللتين تم تخصيصهما لبيع تذاكر القطارات المتجهة من القاهرة الوجه القبلي».